أشج بني أمية

> بلال غلام حسين :

> هذه الأيام هناك حمى انتخابات المحافظين في عموم البلاد، وحولها كثر اللغط من الشخص المناسب لهذا المنصب، ننتخب من ونترك من؟ وحول هذه الموضوع ذكرت قصة سوف أسردها لكم بإيجاز، والقصة هي عن أشج بني أمية، والأشج في اللغة هو (ذو شجة) أي ذو ضربة في وجهه، لو قرأت قصة هذا الإنسان لتعجبت وسألت في نفسك هل هذا بشر؟! ولعل الكثير منا سوف يسأل من هو أشج بني أمية؟ وأقول هو الخليفة الخامس (عمر بن عبدالعزيز) حفيد الخليفة عمر بن الخطاب.. سوف أسرد تفاصيل هذه القصة.

عندما تولى سليمان بن عبدالملك بن مروان وصار خليفة للمسلمين، وحين قربته الوفاة سأل وزيره، ترى من يخلفني وابني صغير؟ فقال له وزيره النصوح ولِّ عمر بن عبدالعزيز. فكتب له الخليفة كتابا وأخفاه عند وزيره، حتى إذا أتاه الموت يكشف لأبناء عمومته من سوف يخلفه.

وهنا أقف وقفة عند الوزير الناصح الصالح الذي إذا استشار أشار إليك بالنصيحة الصالحة الصادقة، وانظر في زماننا هذا، كم من بطانة فاسدة تحوم حول حكامنا ووزرائنا ومحافظينا ومدرائنا، وتشير إليه بالنصيحة التي تضره ومن تحته.

بعد وفاة الخليفة سليمان نادى الوزير أبناء عمومته والناس ليخبرهم عمن سوف يخلفهم، وعندما أفشى الكتاب سمع الناس بكاءً، ولما التفتوا فإذا بعمر بن عبدالعزيز يبكي ويقول: «والله لا أريدها!».

وبعد ذلك ارتقى المنبر وخطب في رعيته بقوله: «أنتم في حِلٍ من بيعتكم، فولوا من تريدونه». فقالوا: «والله لانبايع غيرك يا أمير المؤمنين!»، فإذا بالأرض تهتز، ويسأل: «ماذا حصل». فقالوا: «هذا موكب الخلافة، فأنت أمير المؤمنين». انظروا إلى ما قاله هذا الخليفة الراشد العادل الذي لايهمه منصب ولا شهرة. قال: «أبعدوه عني، وقربوا لي بغلتي».

أول يوم في الخلافة جمع أبناء عمومته وقال لهم: «اسمعوني، أنا أمير المؤمنين ولي السمع والطاعة، ارجعوا كل ما بين أيديكم من أموال وأراضٍ وعقارات إلى بيت المال!». قالوا: «إنها ملكنا». قال: «لا.. إنها لبيت المال، ترجع، إنها أموال المسلمين».

غضبوا وهاجوا وماجوا، فلما رأى أن البعض لايريد إرجاعها، نادى في الناس، وأرسل رسولا في كل مكان: «من كان له حق عند أمير من الأمراء أو والٍ من الولاة أو رجل من بني أمية فليأتِ ليأخذ حقه». فجاء الناس وعرفوا أن عمر يرجع للناس حقوقهم. وجاء رجل من أهل الذمة فقال: «يا عمر، إن لي من العباس بن الوليد ابن الخليفة الراحل أرضا اغتصبها مني!». فقال عمر: «أصحيح الأمر ياعباس». فقال: «لا». فسأل عمر عن البينة فجاءت البينة، فأرجع الأرض للرجل الذمي من أبناء عمومته.

ظل يرجع الأراضي، ويرجع الأموال من الصباح إلى المساء، فتعب فذهب ينام، فجاءه ابنه عبدالملك، فقال لأبيه: «ماذا تصنع يا أبي؟». فقال عمر: «أرتاح قليلا، لقد تعبت». قال له ابنه: «وماذا تجيب ربك يوم القيامة، ترتاح وأموال المسلمين إلى الآن ما رجعت؟!». يقول فقام من نومه وأكمل إرجاع الحقوق إلى أهلها.

جاء الرعاة من البلاد البعيدة ومن الصحاري إلى الشام، فقالوا: «ولي عليكم رجل صالح؟». قالوا: «نعم». قالوا: «وما أدراكم؟». قالوا: «أمنا على شياهنا من الذئاب».

قالوا له: «يا عمر، بيتك الآن تغير». قال: «لم؟». قالوا: «تسكن الآن بيت الخلافة، لأنك أمير المؤمنين تستقبل الناس». قال: «لا والله». وكان يملك بيتا قديما يسكن فيه. والعجب العجاب أن عمر كان لايأكل إلا العدس، غذاؤه عدس، عشاؤه عدس.

في يوم من الأيام سأل عمر خادمه: «كيف حال الناس، كيف الرعية؟». فرد خادمه: «والله يا أمير المؤمنين، كل الناس في راحة، إلا أنا وأنت وأهلك!». يعيش الناس حياة الرغد والنعيم، سدد على الناس ديونهم، ووزع الأموال على الرعية حتى قالوا: «يا عمر، لايوجد اليوم فقير في البلاد». ونحن اليوم عندنا مليارات والفقراء كثير.. سبحان الله!.

دخل يوما على زوجته فاطمة، فسألها: «أعندك درهم؟». (وكان راتب عمر درهمين) ففتشت فلم تجد، فسألته: «لماذا تريد الدرهم؟». قال: «نظرت في السوق، ورأيت عنبا فاشتهيته، فأردت أن اشتري عنبا بدرهم». فبكت فاطمة، وقالت: «أنت أمير المؤمنين، ولا تملك درهما تشتري عنبا!». قال: «هذا أهون من معالجة الأغلال يوم القيامة!».

جاءه والٍ من الولاة في الليل فأشعل عمر السراج، فسأله عمر: «ماذا فعلتم بالرعية والفقراء؟» (يحاسبه)، وبعد أن انتهى من سؤاله، قال له الوالي: «أريد أن أسألك عن أحوالك وأحوال أهل بيتك يا أمير المؤمنين». فقال عمر: «انتظر، فقام عمر فأطفأ السراج فأظلمت الغرفة، فقال له الوالي: «لماذا أطفأت السراج؟» فقال له عمر: «هذا الزيت من بيت المال، أسألك عن شؤون المسلمين يحق لي أن أشعل السراج»!! الآن المكيفات والكهرباء شغالة والمكاتب فارغة!.

عم العدل البلاد، عمت البركة بين الناس، فاض المال حتى لم يقبله أحد، وحين حضرت عمر بن عبدالعزيز الوفاة قال كلمة تسطر بماء الذهب، قال: «إنكم لم تخلقوا عبثا، ولن تتركوا سدى، وأن لكم معادا، ينزل الله فيه للفصل بين عباده، فقد خاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء، وحرم جنة عرضها السماوات والأرض، ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين، وسيرثها بعدكم الباقون، كذلك حتى ترد إلى خير الوارثين، وفي كل يوم تشيعون غاديا رايحا إلى الله، قد قضى نحبه، وانقضى أجله، فتودعونه وتضعونه في صدع من الأرض، غير موسد ولا ممهد، قد خلع الأسباب وفارق الأحباب، وسكن التراب، وواجه الحساب، غنيا عما خلف، فقيرا إلى ما أسلف، فاتقوا الله عباد الله قبل نزول الموت وانقضاء مواقيته، وإني لأقول لكم هذه المقالة وما أعلم عند أحد من الذنوب مما أعلم عندي، ولكني استغفر الله وأتوب إليه». ثم رفع طرف ردائه وبكى، حتى شهق، ثم نزل فما عاد إلى المنبر حتى مات، رحمة الله عليه!!.

لايهمنا من ينتخب من المحافظين لهذه المحافظة أو تلك، بقدر ما يهمنا أن يعدلوا فيها ويسيروا أمورها بما يرضي الله، وليعلموا أنهم مسئولون أمام الله عن رعيتهم في المحافظة، وقبل كل هذا وذاك أن يعملوا جاهدين ليحيطوا أنفسهم ببطانة صالحة، تقدم لهم النصح الرشيد في كل صغيرة وكبيرة، ويعينونهم في الإصلاح لمحافظاتهم.. لانطلب منهم أن يكونوا مثل عمر بن عبدالعزيز، يأكلون العدس، فليكن أكلهم يوميا المندي والحنيذ، ولكن أن يعملوا جاهدين حريصين أن يبات الناس شبعانين، وليعمل كل منهم بقدر المستطاع، ليفي كل واحد منهم حق المحافظة عليه، ونحن بدورنا نشد على أيديهم، ونقول لهم وفقكم الله لكل خير تصبون إليه لرقي جميع محافظات اليمن بلا استثناء، وليحفظ الله بلدنا اليمن من كل سوء.

Bilal [email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى