عندما تحدث الدمع في خرز.. اللاجئون الصوماليون يناشدون الرئيس بزيارة المخيم للاطلاع على أوضاعهم

> «الأيام» فردوس العلمي:

>
ماذا سيكتب القلم في هذه الزيارة عن خرز، ولسان حاله (كأنك يا بو زيد ما غزيت)؟! فكلما كتب القلم عن خرز ازداد الوضع سوءا وأصبحت كلماتهم ومعاناتهم المنقولة سوطا يجلدون به ، مشهد الأمس عاد من جديد، لافتات تندد بالوضع وأخرى تفضل الرحيل والعودة إلى وطن كان.. والموت فيه وأفواه مكممة وأياد مغلولة.. الشيء الوحيد الذي كان يتحرك بحرية علم دولة لا يدري أن الوطن سقط وضاع على يد أبنائه.. ليصبح ساحة للغرباء يبيعون فيه الموت على الطرقات، ويعربدون فيه باسم حماية السلام وتوفير الأمن.

وجودي في خرز ورؤيتي للوضع أعادا شريط الذكريات للزيارة السابقة.. وعاد أكثر ألماً، وأيقنت عندما يكتب القلم عن مخيم خرز لابد أن يتوشح بالسواد، ويعلن الحداد حزنا على وضع هؤلاء البشر الساكنين في هذه البقعة الذي أصبحت مع دخول الصيف قطعة من جهنم.

كانت زيارة السيد أنطونيو جوتيرس المفوض السامي للأمم المتحده لشئون اللاجيئن الذي يزور اليمن حالياً لتفقد أوضاع اللاجئين في مخيم خرز، حيث وصل إلى مطار عدن الدولي صباح أمس الأول وكان في استقباله الأخ أحمد سالم ربيع علي وكيل المحافظة.. كانت أكثر تنظيما من سابقتها ومميزة، حيث أكد رئيس الوفد بأنهم جاءوا لكي يستمعوا إلى هموم ومعاناة اللاجئين بصدر رحب، ووعدوا بأن يعملوا ما في وسعهم لتحسين الوضع في المخيم.

واستمع رئيس الوفد الذي تنقل في أرجاء المخيم بصورة هادئة يراقب الوضع عن قرب، وجلس مع الجميع كل على حدة، والتقى بالشيوخ والشباب والنساء الذين تحدثوا بحرية تامة عن معاناتهم التي تركزت على وضع التعليم والصحة والوضع المعيشي والبطالة المتفشية في المخيم.

وأشاد السيد أنطونيو بالديمقراطية المتاحة في المخيم لكي يعبر اللاجئون عن استيائهم من الوضع.

الشباب أمل الصومال الضائع في مخيم خرز

يرى الشباب أنهم أمل الصومال والمستقبل، ولكن ما يحز في أنفسهم حسب قولهم تدني المستوى التعليمي الذي يتلقونه في مدرسة المخيم القريبة منهم، حيث يتخرج الطالب في الثانوية ولا يجد الشيء الكثير، يتخرجون ضعفاء، خاصة في المواد العلمية، ويدفعون رسوما تعليمية تصل إلى خمسة آلاف ريال أو 20 ألفا، كما حصل لإحدى الطالبات، إذ تحدثوا عن معاناتهم، وأنهم يجدون التأنيب والتعنيف ويرسبون بتعمد.

وقالوا:«يتخرج من الثانوية ستون طالبا وطالبة، يتم اختيار منهم اثنان فقط لمواصلة التعليم الجامعي، ويجبرون على أخذ تخصصات لا تتناسب مع إمكانياتهم العملية مما يؤثر في مستوهم التعليمي».

الصحة لا مكان لها في مخيم خرز

تقول إحدى الفتيات:«أعاني من ضعف النظر وألم في العين، ولكن لا نجد العلاج الكافي في مخيم خرز، وعندما يعاني أحدنا المرض لا يلتفت إليه أحد إلا بعد أن يتمكن منه المرض، وينقل إلى خارج المخيم للعلاج في مستشفى لحج، ويموت في الطريق ويعاد إلى المخيم، والغريب عندما يأتي وفود إلى المخيم نجد العلاج متوفرا في المستوصف».

الشباب الصوماليون في مخيم خرز يعتبرون أنفسهم أنهم مستقبل الصومال، وأن المستقبل بالعلم، لهذا طالبوا بتوفير التعليم الجيد وطالبوا الحكومة اليمنية بزيادة عدد الطلاب الوافدين للجامعة، وطالبوا الأمم المتحدة بضرورة زيادة مصاريف التعليم، فلم تعد تفي المئة الدولار باحتياجات التعليم، وتمنوا أن يتلمس الوفد الزائر معاناتهم.

وقالوا:«نعم أإننا فقدنا أسرنا ومنازلنا ووطننا، ولكننا لا نرغب بأن نفقد العلم، فإذا فقدناه تبقى مشكلة ليس لها حل».

وأكد آخر أن في المخيم أكثر من خمسين فردا يعانون حالة نفسية بسبب الأوضاع والظروف المعيشية.

وضع النقاط على الحروف هذا ما عمله رجال المخيم في خرز

عبر رجال المخيم عن الأسى وهم يتحدثون عن أسباب تدهور الوضع في الصومال، وأكدوا أن تدخل دول الجوار هو سبب الحرب في الصومال وتشرد أبنائه، واتهموا دول الجوار بأنهم جعلوا الصومال ساحة لتصفية خلافاتهم، لهذا تزيد من إشعال الفتنة.

وقالوا: «نحن كصوماليين عرفنا الحروب، ولكن حروبنا لا تستمر أكثر من ثلاثة إلى أربعة أشهر، ونعالج خلافنا بسرعة، فلدينا أعراف لا نتجاوزها، فما الذي جعل قتالنا يستمر ثمانية عشر عاما؟! لهذا نطالب المجتمع الدولي أن يوقف اعتداءات هذه الدول ليتركونا نحل خلافتنا بأنفسنا».

وتحدثوا عن وضع المخيم فقالوا:«كثير من الوفود زارت المخيم وأسمعونا حلو الكلام، ورسموا لنا الجنة ولكنهم حين يرحلون لا يعودون من جديد»، وسألوا هل هناك جهة تخبرهم بعدم العودة أم أنها لا تهتم بقضيتنا؟

وتساءلوا لماذا لا يزورنا وفود عربية ألسنا عربا؟! وأكدوا أن على العالم أن يصدق النية في بناء دولة في الصومال، وتقريب الفرقاء وإنهاء الحرب، وعندما يدعوهم إلى الاجتماعات الدولية لمعرفة أفكارهم لا يتبعون الفكرة الصادقة وكل واحد يؤدي فكرته.

وقالوا: «نحن لن نفكر أن نبقى 18 عاما كلاجئين نريد أن نحصل على جوازات كغيرنا من اللاجئين لكي نبني أنفسنا، نحن هنا لا حياة، محصورون داخل المخيم».

دموع النساء انهمرت وتوقف الكلام في الحناجر

سبحان الله الذي فرق بين النساء والرجال، فالرجال رغم ألمهم وإحساسهم بضياع العمر والكرامة مازالوا متماسكين يقامون الانهيار، عكس النساء اللاتي ضاع صوتهن مع حشرجة البكاء لينهمر الدمع ويغرق مشاكلهم، لم تتحدث النساء بقدر ما تحدثت عنهن دموعهن، ليصفن مأساة يعشنها 18 عاما جعلت منهن نساء منتهيات.

تحدثت النساء عن قضايا اجتماعية وخوفهن على الأطفال أنساهن كل شيء، وأكدن بأن المكان لا يسمح بأن يعيش فيه أطفال لذا تركز الكلام حول مصير الأطفال المولودين في المخيم الذين لا يملكون الهوية.

وقلن: «نعاني الكثير من المشاكل وتسألون؟ نحن شعب دولة منكوبة يموت بعضنا برصاص الحروب والبعض في البحر.. أتينا إلى اليمن ولم يأت الرئيس ليتفقد أوضاعنا، ولم يرسل لنا أحدا من مسئوليه، ولكن رغم هذا نشكره جزيل الشكر لفتحه وطنه لنا، ولكننا مستاؤون جدا بأننا ضيوفه لمدة ثمانية عشر عاما ولم يفكر بزيارنا أو تفقدنا يوما واحدا».

وقالت النساء: «إن الوضع لا يحتمل في خزر.. أطفالنا جلودهم خلست من الحر ونساء أجهضن وأنتم تأتون كالعصافير الجميلة في يوم جميل لتفقدنا».

وأكدن:«لا نريد أن نبقى هنا، فنحن تعبنا وأتبعنا اليمن معنا، ابحثوا لنا عن وطن آخر أو أعيدونا لوطننا نموت بالرصاص فهنا أو هناك كله موت».

وأضفن:«نحن لاجئون بمعنى أناس ليسوا بأحياء، ولكن لم يموتوا بعد، و زدات مشاكلنا، ونشعر بأننا منسيون هنا، نقول للعالم والحكومة اليمنية وكل من يعي معنى حقوق الإسلام والإنسان ساعدونا وأسرعوا، فنحن بشر ولدينا أطفال ونعيش حياة لا تطاق».

بعد أن استمع مفوض الأمم المتحدة قال: «نشعر بما تعانونه، نعلم بأن الحروب تأثيرها سيء أكثر على النساء والأطفال، ونحن لا نستطيع أن نقدم الكثير، ولكن سنعمل على توصيل رسالتكم إلى قادة العالم للعمل على إرساء السلام في الصومال».

خارج قاعة الاجتماع مشهدان كان لهما تأثير سيء

في مشهد روائي غبي انتصب أحدهم كالطاووس يتمايل أمام نسوة غاضبة مقهورة مما أثار جدلا بينهم، فقد كان الجميع غاضبا ماعدا امرأة كانت تدافع بضراوة عنه، وهو يبتسم بتفاخر، ما جعل الجميع ينتابهم الشك لماذا وما الدافع ؟ والبعض يبتسم بسخرية فهم أعلم بما يجري هناك !

مشهد آخر هز النفوس وجعل بعض الرجال ممن ما زالت لديهم نخوة الرجولة يغضون البصر، حين قامت امرأة بالتحرر من كافة ملابسها لتحمل رسالة واضحة وهي تصرخ: «ماذا يبقي للمرأة عندما يضيع الشرف؟!» وتبكي بصوت مؤلم:«اغتصبوني تسعة». كان مشهدا تعفف عنه المصورون التابعون لقناتي «الجزيرة» و«يمانية» وأربك المصورين الصحفيين للزمليتين «14أكتوبر» و«أخباراليوم».

«أقسم بالله هذه جريمة» عبارة قالها رجل مازال لديه ضمير لتبكي النساء بعدها بمرارة

في ختام الزيارة أعطى المفوض السامي للأمم المتحدة تصريحا صحفيا قال فيه:«إن الدعم المقدم حاليا للاجئين ليس كافيا، ويجب أن يكون أكثر، وهذا شيء ضروري جدا». وأشار إلى أن المفوضية تعمل على تحسين الوضع وحث دول العالم على تشجيع دعم جهود الحكومة الصومالية في إرساء السلام والتضامن مع أوضاع اللاجئين هنا في اليمن، «لأنه بدون سلام ستستمر رحلات الصوماليين الخطرة في البحر وتعريض حياتهم للموت».

وأوضح «أن اليمن مركز اهتمام، والمهم أن نعمل على تنظيم رحلات الصوماليين إليها ومساعدة اليمن في استقبالهم وتجنيد كل الإمكانيات والموارد لذلك، وتقييم نوعية الخدمات في أماكن أخرى من أجل تحسين استقبالهم وتقديم الخدمة بصورة أفضل».

وحيا في ختام لقائه بالصحفيين جهود الشعب اليمني في استقبال اللاجئين الصوماليين، مؤكدا تقديم المفوضية المزيد من الدعم لليمن واللاجئين الصوماليين لتحسين وضعهم وجعل حياتهم ميسرة، رغم الأمل والمأساة التي يعيشونها في مخيم خرز، لم ينسوا جميل اليمن في استقبالهم وفتح وطنهم لهم ليعيشوا فيها.

وقال اللاجئون: «اليمن تحملت أوجاعنا 18 سنة، ولن ننسى لهم هذا طالما نعيش على وجه الأرض، وسيبقى ما عملته اليمن عنوانا بارزا في جبيننا، لن ننساه، رغم أنها دولة فقيرة وعدد سكانها كبير، فتحت لنا ذراعها واستقبلتنا».

هكذا أثبت الصوماليون أن اليد الممدودة لا تجازى إلا برد الجميل، عذرا القارئ العزيز إذا وصلتك الحروف مبللة، فهذه دموع نساء فقدن الأمن والأمان.. صبرا يا أبناء الصومال فلا عزاء لمن فقد الوطن!!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى