من أقوال أبي بكر الصدِّيق صلى الله عليه وسلم

> «الأيام» د.عبده يحيى الدباني:

> أورد الميداني في كتابه الشهير في الأمثال أقوالا منتخبة للخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه، نزلت منزلة الأمثال والحكم الخالدة، نظرا لما تمتعت به من حصافة فكرية وخصائص بلاغية وتجربة إسلامية إنسانية، سنورد هنا بعضها، محاولين التوضيح والتعليق ولفت الانتباه إلى بعض سماتها البلاغية، على النحو الآتي:

قال الصديق رضي الله عنه: «الموت أهون مما بعده، وأشد مما قبله». انظر إلى هذا المعنى القادم من المدرسة القرآنية والنبوية، وكيف لخص قضية الحياة والموت وما بعدها في الإسلام، مجرد كلمات قليلة تحمل معانٍ واسعة، وقد اعتمد المثل هنا على التضاد كما ترى.

وقال مخاطبا خالد ابن الوليد رضي الله عنه حين بعثة إلى إحدى المعارك الإسلامية: «احرص على الموت توهب لك الحياة». فياله من درس في الإقدام وعدم التردد، فلعل التشبث الزائد بالحياة وترك القيام بالواجب يقودان سريعا إلى الموت، وقد وجدنا مصداق هذا المثل النصيحة في حياة خالد بن الوليد نفسه، امتد به العمر ولم يقتل في أي معركة من المعارك الكثيرة العظيمة التي خاضها قائدا، بل مات على فراشه بعد أن قال قولته الخالدة «ها أنا أموت حتف أنفي كما يموت البعير، وفي كل مكان من جسمي ضربة سيف أو رمح، فلا نامت أعين الجبناء»، أو كما قال رضي الله عنه.

وقال أبوبكر أيضا: «أصلح نفسك يصلح لك الناس». فالإصلاح عادة يبدأ من النفس، والصلاح لايكون إلا بالإصلاح.

ولايكفي المرء أن يكون صالحا في نفسه، فعليه أيضا أن يكون مصلحا في قومه ومجتمعه، فالصلاح والإصلاح في الحياة يقابلان الفساد والإفساد فيها، ويصارعانهما بشتى الوسائل، قال تعالى: «وما كنا مهلكي القرى وأهلها مصلحون»، ولم يقل تعالى (صالحون)، لأن الصلاح يستوجب الإصلاح، بل أن الأول نتيجة للثاني وليس العكس، كل هذا يحدث بالتأني والصبر، ومعرفة الصلاح من الفساد والتأويل السديد وتوخي الحق، وعدم الإصرار على وجهات النظر الخاصة أو احتكار الحقيقة، فقد قال تعالى: «وإذا قيل لهم لاتفسدوا في الأرض، قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لايشعرون»،فقد يكون المرء فاسدا مفسدا، ويظن أنه صالح ومصلح، وهذا من الطغيان والغرور والتفرد بالرأي واحتكاره، ومن تزكية النفس الأمارة بالسوء، ومن سوء التأويل والفهم.

وذكر السيوطي في (تاريخ الخلفاء) عن ابن سيرين قال: «لم يكن أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم أهيب مما لايعلم من أبي بكر، ولم يكن أحد بعد أبي بكر أهيب مما لايعلم من عمر، وإن أبابكر نزلت فيه قضية، فلم يجد لها في كتاب الله أصلا ولا في السنة أثرا فقال: «اجتهد رأيي، فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني، وأستغفر الله».

إن في هذا القول الحصين ما يفيد حق الاجتهاد واحترام العقل ومواجهة المستجدات بالتفكير السديد بعد التوكل على الله وتوخي رضاه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى