في ضوء رسالة الفنان القرني: العودة إلى الديمقراطية

> د. هشام محسن السقاف:

> صورت رسالة القرني (نص الرسالة في الزميلة «الصحوة» عدد 22 مايو 2008)، من سجنه بمركزي تعز في يوم عيد الوحدة اليمنية، الموجهة لفخامة الأخ رئيس الجمهورية، الوضع اليمني الصعب بمقدرة المكاشفة الصادقة لفنان اقتيد إلى غياهب السجن بلا جرم سوى ما يوفره الخلاف في الرأي للزبانية من (سطوة التكميم واللجم والقمع والإلغاء)، وهي مفردات أسست وتؤسس على المدى الإنساني وسائط عبور للدولة المستبدة.

حدد فهد القرني «أن تحقيق الديمقراطية لايقاس بعدد المرات التي أجري بها انتخاب، بل يقاس بعدد العبارات التي سيحذفها المحرر من رسالتي هذه قبل النشر حرصا منه على سلامتي، وبقاء «الصحوة»». وهي حقيقة لاتحتاج إلى تفسير أو تأويل، لأن الديمقراطية بالأساس حرية مؤمنة ومؤصلة بقوة القانون، وتؤخذ مجتمعة كحزمة واحدة ومنظومة متكاملة، وليس بالتقسيط أو بالتقييد وحسب المقاسات المعدة سلفا وحسب مشورة المستشارين الذين ترتجف أوصالهم ويتحسسون بنادقهم كلما سمعوا كلمة (ديمقراطية).

مثل هؤلاء «خبراء القلق» (كما سماهم القرني)، لاينظرون إلى أبعد مما يتيحه لهم الوضع القلق والصعب الذي يواجهه الوطن، لينالوا «فرصة نادرة للترقية وإثبات الولاء».

يقول القرني في رسالته مخاطبا فخامة الأخ الرئيس: «تستطيع تعيين محافظين على المحافظات، ولكنك لاتستطيع تعيين محافظين على الوحدة». وهذا يذكرني بقول الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) لعمرو بن العاص الذي أراد أن يسور المكان الذي أقام فيه الجند الفاتحون (الجيزة) في مصر: «سورها بالعدل». فالوحدة التي جاءت وفي فمها البشارة بالديمقراطية، أصلها ثابت وفرعها في السماء بالحريات الكاملة، وأي انتقاص من هذه الحرية عود غير حميد إلى عهود الشمولية والديكتاتورية، ولسنا في حاجة لاسترجاع قول فخامة الأخ الرئيس في أكثر من مناسبة بأن معالجة مشاكل الديمقراطية يتم بمزيد من الديمقراطية.

نستطيع أن نتفهم أن تحدث اعتقالات بالجملة وانتهاكات للحريات والحقوق في البلدان الاستبدادية، ولكننا لانستطيع أن نستوعب ذلك في بلد يذكرنا إعلامه الرسمي كل دقيقة أنه في أعلى مراتب الديمقراطية، وكأن القوى المتضررة من الديمقراطية تنتصر بحرف مقاصدنا عن بناء الدولة الوطنية الديمقراطية المنتمية بقوة إلى هذا العصر، ونخشى أن تتوه بوصلة التيقن للسير في طريق الوئام الوطني القائم على مرتكزات الحرية والديمقراطية، بسبب من الممارسات الانتكاسية البعيدة عن قيم التأصيل الديمقراطي الحق، ونتوه في لجج الفوضى والشتات الداخلي والعياذ بالله.

واختتم الفنان المعتقل رسالته: «.. قبل اعتقالي ظلما كانت المسرحية الساخرة والأغاني الناقدة هي وسيلتي للتعبير عن اختلافي واتفاقي معك، أما الآن وبعد الاستقواء علي بالتوجيهات العليا والسلطة والسطوة، لم يعد لي سوى خيار أخير.. سأظل ساجدا حتى ينزل ربي الأعلى إلى السماء الدنيا وينادي، هل من صاحب حاجة، فأرفع يدي المكبلة بالقيود فوق رأسي..» يقينا أن الله خير ناصر لكل مظلوم، فلا ندع تجاوزات بعض الأجهزة وسوء مشورة المستشارين وغياب العدالة الحقيقية تصل بنا إلى مفترقات مظلمة، بينما طريق الديمقراطية يقودنا إلى الوجهة الصحيحة.. اليمن القوي بوحدته وديمقراطيته.

لقد كانت الفقرة الأخيرة من رسالة القرني تنز عاطفة، ومؤثرة إلى أبعد الحدود، فليس هين أن تتقطع السبل بنا إلى حد أن نشكوا ما يقع من ظلم علينا إلى الله من غياهب السجون، بل الهين أن يطلق سراح المعتقلين والمحتجزين والموقوفين على ذمة العمل السياسي والجماهيري السلمي، وأتذكر أن الخليفة العباسي المعتصم على جبروته كان حكيما، حين وقف أمامه واحد من أهل بغداد، شاكيا إليه الأتراك الذين استقدمهم الخليفة من أواسط آسيا، وعاثوا في المدينة العظيمة فسادا، منوها إلى أنه سيتهجد في الأسحار، شاكيا الخليفة إلى الله، فما كان من المعتصم إلا أن بادر ببناء مدينة جديدة لهؤلاء الأتراك بعيدا عن بغداد، هي (سامراء).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى