آخر ضحايا جديري الماء( الكديعاء).. أب لـ 8 أطفال في الخمسين من العمر

> «الأيام» د. صالح الدوبحي:

>
توفي في الأسبوع الماضي المواطن (غ .ع) من أبناء محافظة شبوة بسبب مضاعفات مرض وبائي يسمى جديري الماء (Chickenpox ) ويسمى أيضا الجديعاء أو الكديعاء.

ومع أن هذا المرض شائع جدا عند الأطفال وحتى أن غالبيتهم لا تظهر عليه أي أعراض تذكر، ونادرة جدا المضاعفات الخطرة أو الوفاة لديهم، إلا أن الذين يصابون به بعد سن البلوغ غالبا ما يعانون من مضاعفات عديدة وخطرة قد تصل إلى حد الوفاة، كما حدث مع المرحوم بإذن الله تعالى الذي وصل إلى قسم الطوارئ بمستشفى الجمهورية في حالة غيبوبة تامة والتهاب رئوي وقصور حاد في وظائف الكلى تطور إلى فشل كلوي تام ..

ومع أنه قد سبق وأن تحدثنا عبر هذه الصحيفة قبل عامين تقريبا بالتفصيل عن هذا الموضوع إلا أن المضاعفات الشديدة التي صاحبت الموجة الوبائية الحالية لهذا الوباء هذا العام والتي لازالت مستمرة حتى الآن، تثير كثيرا من التساؤلات والشكوك حول حقيقة مضاعفات المرض ومسائل أخرى قد تكون مرتبطة بها، وتتطلب منا جميعا البحث فيها ودراستها بتمعن، فهناك مؤشرات عديدة عن وفيات مرتفعة في عدد من المحافظات، وعليه نرى ضرورة فتح دائرة نقاش واسع لتوضيح 4 مسائل أساسية نعتقد أنها تسهم في تفاقم حالة المصابين بهذا الوباء، وتزيد من مضاعفات المرض والتي نوجزها على النحو التالي:

1-التقليل من خطورة المرض والاعتقاد السائد أنه فقط من أمراض الطفولة ولا يمكن أن يؤثر على الكبار.

2-القصور الواضح في المعلومات وقلة الخبرة في التعامل مع مثل هذه الحالة لدى بعض العاملين الصحيين.

3-عدم توفر اللقاح لهذا المرض في اليمن حتى الآن.

4-الصرف العشوائي للأدوية وتحول الكثير من مخازن الأدوية إلى عيادات تشخيص ومعالجة للكثير من الأمراض.

بالنسبة للموضوع الأول: أي قلة الإدراك لخطورة المرض على كبار السن فهو انعكاس طبيعي لتدني الوعي الصحي لدى المواطنين والذي قد يصل حد الا مبالاة أو حتى السخرية «جديعاء؟؟ هذا مرض العيال الصغار يا راجل ..!! ».

وفي الحقيقة أن الأطفال المواليد وصغار السن يتلقون بعضا من المناعة من أمهاتهم لعدد من الأمراض التي قد تكون سبق وأن أصيبت بها الأم في طفولتها وتنتقل هذه المواد إما عبر الحبل السري( المشيمة ) أثناء الحمل وقبل الولادة أو حتى عبر حليب الأم بواسطة الرضاعة، و هي قد تساعد الكثير منهم في مقاومة بعض الأمراض في الأشهر أو السنوات الأولى من العمر، وليس بالضرورة أن تكون هذه المناعة كاملة، لأن هناك تبادل وانتقال للأجسام المضادة أو المناعة وحتى الأمراض بين الأجنة والأمهات ولكنها تبدأ بالتلاشي تدريجيا مع مرور الوقت، لأن جسيم الطفل لم يقم بتكوينها بنفسه وإنما اكتسبها من أمه، بعكس المناعة التي تتم بواسطة التطعيم أو بالإصابة بالمرض والتي قد تبقى في جسم الإنسان مدى العمر. وهذه المعلومات معروفة اليوم من حيث كيف تحدث، وحتى توفر طرق و إمكانية تجنبها خاصة بعد تطور علم الوراثة واكتشاف الخارطة الجينية لمعظم الأمراض. وهنا يأتي دور التوعية والتي هي مسؤولية الجهات المعنية بالتوعية والتثقيف الصحي وخاصة الإدارة العامة للتثقيف والإرشاد الصحي المركزية وفروعها في المحافظات بالتنسيق مع إدارة الوبائيات ومكافحة الأمراض للعمل على المراقبة المستمرة لهذا المرض، خاصة مع بداية انتشار كل موجة وبائية جديدة والتي تحدث عادة في فصل الشتاء وبداية الربيع، و أن تقوم بحملات توعوية شاملة كما تعمل دائما مع بقية الأوبئة !!.

المسألة الثانية - وهي على مستوى كبير من الأهمية - فقد لوحظ أن بعض من العاملين الصحيين والمتخرجين- حديثا- بحاجة إلى تعزيز مداركهم وتطوير مهاراتهم عبر البحث عن المعلومات، خاصة من أساتذتهم والأطباء الاختصاصين، وهذه مهمة كليات الطب والمعاهد الصحية، ويمكن حتى الاستفادة من شبكة الانترنت في الحصول على الكثير من المعلومات و المستجدات ، خاصة في التعامل مع الحالات النادرة وقليلة الظهور وعند الكبار، وحتى أن الأمر أصبح يتعلق بأمراض بدأت لا تأتي إلى المستشفيات ولايقابلها طلبة الطب الجدد مثل الخناق، والكزاز و شلل الأطفال وحتى الحصبة، ولكنها في الحقيقة لم تختف نهائيا كما يعتقد البعض.

وقد تظهر بشكل مفاجئ لدى فئات عمرية أكبر مما كانت في الماضي، وهنا تكمن الخطورة، ولأن بعض الأمراض الفيروسية الشائعة عند الأطفال قد تكون قليلة الخطورة والمضاعفات لكننا نجدها شديدة الخطورة، بل وحتى قاتلة لدى الكبار مثلما هو الحال مع التهاب الكبد الفيروسي الوبائي (أ) وكذا النكاف- التهاب فيروسي للغدد اللعابية( Mumps)وحتى الحصبة، وهي في الغالب لاتتأثر بالمضادات الحيوية، بل إن استخدام بعض الأدوية قد تكون ضارة بل وقاتلة مثل استخدام الأسبرين عند الأطفال في حالة الإصابة بالنكاف أو متلازمة رأي Reye’s Syndrome وبعض أنواع من الاسترويد بالإضافة إلى أن معظم الأمراض الفيروسية بحاجة إلى الراحة التامة في الفراش بدرجة أولى، وأرجو من الإخوة الأطباء الاكلينيكيين ( السريرينن) ألا يبخلوا بإشراكنا بما لديهم من معارف وخبرات متراكمة والكثير منا بحاجة إلى معرفتها والاطلاع عليها.

الموضوع الثالث هو التطعيم: وبالطبع أهم طريقة للوقاية ضد هذه الأمراض هو التطعيم، لكن إلى أن تصبح هذه اللقاحات في متناول الجميع لابد من التركيز و التعرف على التاريخ المرضي حول الإصابة بهذه الأمراض في الطفولة (بسؤال الأمهات والجدات ) وهو مهم جدا، إذ أن هذه الأمراض لاتحدث إلا مرة واحدة فقط، أما القلة التي لا تصاب بها في سن الطفولة ونسبتهم ( أقل من 5%) فهم في أي حال سيصابون بها عاجلا أم أجلا، إلا إذا تم تطعيمهم.

وحتى ذلك الوقت عليهم الاهتمام الكبير والإسراع إلى الأطباء المتخصصين عند ظهور أي أعرض أو اشتباه ، لأن العواقب قد تكون وخيمة. فمثلا الإصابة بالنكاف بعد سن البلوغ من الممكن أن يكون أحد أسباب العقم وعدم الإنجاب بالإضافة إلى حدوث التهاب السحايا، والتهاب الكبد الوبائي قد يتسبب في إجهاض الأجنة وفشل كبدي ومن ثم الوفاة للحوامل .

أما المسالة الرابعة والمتعلقة باستخدام الأدوية، وهو موضوع يهم الإخوة الأطباء الصيدلانيين والفنيين بدرجة أولى الذين نكن لهم الكثير من الاحترام والمحبة، لأنهم جزء أساس من العملية الصحية ويلعبون دورا مهما حتى في تصحيح بعض الروشتات عند الاشتباه بوجود أخطاء غير منطقية وخاصة عند تحديد الجرعات، نجد بعضا منهم للأسف، ومع عدم وجود رقابة جادة على بعض الصيدليات ومخازن الأدوية يجتهدون في وصف وصرف كميات من الأدوية تمتلأ بها أكياس وسلل (العلاقي) من كل أصناف الأدوية، حتى أصبحت سمة شائعة في صرف الأدوية لأي مرض وكل مرض مع عدم مراعاة الأعراض الجانبية أو موانع الاستعمال.

وأعتقد أن الجميع مستاء من هذه العملية والتي تتطلب منا جميعا إلى وقفة جادة جدا أمامها، ولأن التطعيم هو الحل الأمثل لكثير من الأمراض الوبائية وخاصة الفيروسية، وحتى يتوفر اللقاح بشكل روتيني في اليمن فان إتاحة الاختلاط للأطفال في سن مبكر مع مصابين بهذا المرض قد يوفر حماية بدون ظهور أعراض أو إصابة أقل خطورة، ولكن الاهتمام الخاص يجب أن يعطى للبالغين الذين لم يسبق إصابتهم من قبل والتركيز، واتباع الخطوات التالية عند الاشتباه بالإصابة بالجديعاء إذا لم تكن قادرا على مراجعة طبيب متمرس فاتبع التالي :-

1- الإكثار من تناول السوائل، وتجنب الإصابة بالجفاف الذي تسببه الإصابة بهذا الفيروس.

2- تخفيض درجة الحرارة بالاستخدام (البارسيتمول أو ديبوبروفين) لتخفيف الصداع والأوجاع والآلام.

3- الانتيهستامين السائل أو أقراص الدواء المسكن في المساء للمساعدة على النوم وينصح بالاستحمام بالماء البارد أيضا.

4- استخدام عقار مضاد الفيروسات الفموي ( (Acyclovir ويعطى للبالغين والأطفال فوق عمر 12 سنة ويعطى 200 ملغم خمس مرات يوميا لمدة عشرة أيام ويفضل في الـ24 ساعة الأولى لظهور الأعراض.

5 -مضاد الفيروسات ( الحقن ) يمكن أن يعطى للحوامل كوقاية وعلاج.

6- لابد من الاعتناء بالحالة العامة للمريض ومراقبتها، خاصة عند ظهور أي مضاعفات ومنه تطور البثور وربما تمتد الى داخل الفم وحتى أعضاء داخلية في الجسم مثل القصبة الهوائية و الرئتين مسببة أيضا التهاب السحايا الحاد أحد أهم أسباب الوفاة ( ويفضل دائما مراجعة الطبيب في وقت مبكر خاصة بالنسبة لكبار السن والحوامل ).

7- ينصح بعدم حك البثور ( الحبوب وخاصة في الوجه) بالأظافر إطلاقا، لأنها تتسبب في التهابات جلدية تتلوث بأنواع من الميكروبات، وقد تبقى آثارها المشوهة لسنوات وهي مشكلة للكثير وخاصة الشابات المقبلات على الزواج !!

اختصاصي علم الأوبئة

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى