التقنيات الإدارية الفنية في علوم الري والزراعة لعبادل لحج ساهمت كثيرا في تطوير دلتا أبين

> «الأيام» علي محمد الجفري:

> الاستعمار البريطاني عقد العزم على إنشاء هذا المشروع العملاق في دلتا أبين (ABYANBOARD)، وفي تلك المرحلة عقب إخماد حرائق الحرب العالمية الثانية لم تكن خطته تقتصر فقط على الخبراء والمهندسين العالميين، بل توجه إلى أبناء العبادل كونهم يمتلكون خبرة وذكاءً في مجالات الري والزراعة وخزن الحبوب المحسنة وما إلى ذلك من شؤون الطبيعة التي يجب أن يتعامل معها المزارعون، من حيث تدفق السيول الجارفة وتحويلها عبر سدود ترابية أوشجار وأحجار، وكذا علم الفلك في أصول الزراعة وتورايخ الفصول لكل محصول.

هذا مع الأسف الشديد لم نستطع في يومنا هذا الاقتداء به، ولم نعثر عليه في مجلدات أو مرجعيات كلياتنا الزراعية، ناهيك عن تاريخ حبوب الذرة المتنوعة وفائدتها الغذائية الطبيعية الطبية ومركباتها من البروتينات والمعادن والذرات النووية التي أثبتها علمنا الحديث، فكل ما نجده أو وجدناه في هذه المكتبات الثقيلة، هو تكرار وشرح لما صدر عن كتاب شرقيين وغربيين، وكأن بلادنا دخلية على هذه العلوم والمحاصيل.

كيف استقطب البريطانيون الخبرات اللحجية؟

وجه الطلب البريطاني عبر قناتين، الأولى عبر السيد الفاضل قاضي عدن محمد داوود البطاح الأهدل، الشخصية التاريخية العلمية الفاضلة التي أهملها وتناسها الكثير من الكتاب والعلماء الأفاضل، ولنا إن شاء الله تعالى ترجمة واسعة لما لامسناه وتعرفنا عليه أثناء الطفولة.. المهم أن لهذا القاضي مجمعا كبيرا من العلماء والوافدين من أرض اليمن، ومنهم الأشخاص الذين تم إيفادهم إلى دلتا أبين، والقناة الثانية كانت عبر سلطان لحج عبد الكريم فضل، وبعد مشاورات مستفيضة تم ترشيح الأسماء التالية، وبموجب تخصصاتهم:

-1 السيد الوالد محمد زين سقاف الجفري يتولى شؤون الإدارة والمحاسبة، كونه شغل هذه الوظيفة في إحدى دول القرن الإفريقي إلى جانبه كعالم دين ولديه أبجديات في اللغة الإنكليزية، إلا أن الوالد رفض ذلك بشدة كما رفض والده (زين) قبله عندما طلب منه سلطان لحج تولي القضاء في العاصمة (الحوطة).. وعندما سئل لماذا هذا الرفض؟.. أجاب إن العالم أو الفقيه عندما يشارك الحاكم أو أي حزب سياسي يعتبر واحدا من اثنين، إما فاسقا أو كاذبا منافقا.. وهذه فعلا كانت سماتهم ومنهاجهم. أما عن الجذور - الجفرية - في لحج، لم يكن أولئك الذين ذكرهم أحمد فضل القمندان في كتابه (هدية الزمن).. بل سكن منهم قبل ذلك التاريخ كثيرون، ولهم مقبرة تسمى باسمهم تقع بين قريتي (هران ديان والوعرة).. ولما كانت لهم أنماطهم من الحياة، والترفع عن قاذورات الدنيا، لم يكونوا هواة حب الظهور أو اللهث وراء الجاه أوالمال.. لذا غفل عنهم التاريخ.

الأشخاص الذين تولوا زمام الأمور في دلتا أبين هم: عبيد فضل السلامي من قرية المجحفة، فضل عوض الحميدي، عبدالله مسعود، طهرور، محمد حزام، ومن قرية الوهط السيد عيدروس الملقب (ديجول) رئيس قسم الري، وعبدالله جعفر، حسن جعفر، محمد علوي وآخرون.. أما الشيخ علي مهدي محلتي فكان متخصصا في حفظ البذور المحسنة للخضار والفواكه، وجميع عوض مسئولا عن مجاميع عمال الري في المنطقة.. هؤلاء أبرز القادة المسئولين عن الإرشاد الزراعي وتنظيم شبكات الري وغيرهم.. من أبناء أبين عوض فرج ومحمد عبدالرحمن الحريري والنخعي لم أذكر اسمه، وغيرهم من شبوة.

الري التقليدي النموذجي في قرية الكود:

كانت قرية الكود محطة الشيخ عبيد فضل، وكانت القرية تفتقر إلى المياه العذبة، وأرضها سبخة شديدة الملوحة لاتصلح للزراعة.. أما مياه وادي (بنا) التي تتدفق كمياه النهر ولفترة طويلة تذهب هدرا إلى البحر.. فما كان من الشيخ عبيد ورفاقه والسلطان عبد الكريم فضل ، إلا أنهم بدأوا بمشروعهم العملاق بعد موافقة سلطان أبين.. إذ بدأ المشروع بمسح الأرض المحاذية للبحر وتقسيمها إلى قطعتين - أي جربتين حسب تسمية الزراع - وكل جربة تزيد مساحتها عن خمسمائة هكتار.. أما الحائط أو السوم الذي يحمي الجربة فكان هائلا تمر عليه السيارة وكأنه سد تحويلي.. وبعد الانتهاء من المشروع تدفقت مياه الوادي إلى الجربة الأولى، حيث مكث فيها أياما وليال، ثم فاضت المياه من الجانب الشرقي الذي صمم على الأحجار والأشجار دون أن يحدث جرف للحاجز.. وهكذا استمرت العملية في الجربة الأخرى، وخرج منها الفائض من الماء بسلام إلى البحر.. فما الذي حدث؟.. تحولت الأرض السبخة إلى أرض زراعية خصبة، وبفضل خزن الماء العذب تحولت مياه الآبار إلى مياه عذبة، فمحاصيل القطن كانت تخفي قامات الإبل.

أما الخضار والفواكه فحدث ولاحرج، فرحم الله من كانت له قطعة أرض زراعية استولى عليها غيره بدون حق قانوني، ورحم الله أولئك الأبراز الذين تولوا بناء هذه التجربة الفريدة الرائدة.. لذلك أنصح وأتوجه لكل من يريد الدراسة والفائدة في اليمن أو دول الجوار «عليكم زيارة هذه المواقع قبل التفكير للاستفادة من مياه الفيضانات التي تحدث في أكثر من موقع وتدمر الأرض والإنسان».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى