الحمار مهندسا

> محمد سالم قطن:

> على الرغم من الخدمات الجمة التي أسداها الحمار للحضارة الإنسانية منذ طفولتها الأولى في عهد ما بعد اكتشاف الزراعة حتى العصر الحديث، إلا أن التراث الفولكلوري والأدبي مايزال يتخذ من هذا الحيوان النافع مضربا للمثل في الغباء والكسل وقلة الحيلة، وربما أن هناك بعض الصفات الرديئة الملتصقة بهذا الحيوان الوديع، مثل (صوته النكير وأشياء أخرى) هي السبب في التطاول على الحمار سبا وتجريحا، لكن وللإنصاف، نجد الحمار يتحلى بمزايا وصفات جميلة كالصبر وقوة التحمل والعطاء.

ويقول البعض أن من بين الفروق الثقافية بين العرب والغرب، أن الغربيين ينصفون الحمار ويقدرون فيه صفاته الإيجابية، ويتغاضون عن صفاته السلبية، حتى أنهم أسسوا العديد من الجمعيات التي تحمل اسم الحمار، كذلك اتخذته بعض الأحزاب شعارا لها، ويقول بعض العلماء إن الحمار من أوائل الحيوانات التي استأنسها الإنسان واستخدمها في الركوب والنقل، قبل الخيول والجمال بآلاف السنين.. وفي هذا هم يتفقون مع علمائنا العرب الأقدمين كالدميري والجاحظ وغيرهما. إذ يقول الدميري، وهو أول من كتب موسوعة عربية كاملة عن الحيوانات المعروفة في عصره: «والحمار معروف عنه الصبر والتحمل، ويتمتع بحدة السمع، وهو من أقل الحيوانات مئونة وأكثرها معونة وأقربها مرتقى». وقد برز الحمار في أمثال العرب، حتى أن بعض الباحثين ذكروا أكثر من مائة مثل ورد فيها ذكر الحمير، مثل قولهم: «حمار تركب عليه ولا جمل يهدر عليك»، وكذلك «لك عذر وإلا لك حمار»، ومثل «حمار الدولة دولة».

ومن الحمير المشهورة في التاريخ وكتب السيرة حمار النبي عزير، الذي طلب من الله أن يريه كيف يحيي الموتى، فأماته الله مائة عام ليريه معجزة إحياء العظام وهي رميم من خلال حماره، والحمار (يعفور) الذي أهداه المقوقس عظيم القبط للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.

ومن القدرات التي يتمتع بها الحمار دون غيره من الحيوانات القدرة على استكشاف المسالك في المسارات الوعرة، وأيضا قدرته على الاهتداء إلى الطريق التي سبق أن سلكها. يروي أحد أساتذة هندسة الطرقات قصة تعرفه على هذه الخاصية الحمارية في مطلع حياته العملية قبل أكثر من خمسين عاما، إذ يقول إنه كلف مع فريق من الفنيين الماسحين لرسم طريق جديدة بمنطقة وعرة بها عدة قرى جبلية يفترض أن تمر الطريق بها، وذهبوا إلى المنطقة المذكورة يحملون كل معداتهم ومناظيرهم، وباشروا العمل، لكنهم وخلال يومين كاملين من الصباح الباكر حتى المساء من المسح وتحديد الزوايا والأبعاد، لم يتمكنوا من الاهتداء إلى حل ناجع لرسم الطريق المطلوب وكان هناك، بالصدفة، أحد الشيوخ المسنين في إحدى هذه القرى يراقب العمل عن بعد طيلة اليومين الماضيين، ولما علم هذا المسن بفشل الفنيين، أرسل إليهم قائلا: لماذا كل هذا التعب؟ فنحن في الزمن القديم كنا نأتي بحمار، ونتركه يسير لوحده، فيسلك الطريق الأسهل، ثم نعد هذا الطريق المختار ونجهزه ليكون طريقا لنا.. ويكمل أستاذ الهندسة إفادته، بأنه جرب نصيحة الشيخ المسن، فنجح العمل واكتمل الرسم وتم إنشاء الطريق!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى