قصة قصيرة ..شباب العليب

> «الأيام» محمد أبوبكر الحداد:

> في ظل هذا الجو المكفهر، ووسط هذا الزحام الهادر، واللهث وراء اللقمة، وعند تنكر الأقارب، وإشهار سياط الألسن لتكوي أعراض الآخرين، ومن بين تلك الأمواج المتلاطمة، والتيه الذي يتخبط فيه العقلاء، ينبثق نور ساطع يلمع وسط الظلمة كزهر الأقحوان، يعلوها البياض الفطري، لتدخل البهجة إلى نفوس مكلومة، وقلوب أجهدها الكد.

إنهم شباب العليب، تلك الحارة العتيقة من مدينة الديس الشرقية، أصبحوا رمزا للتفاني والتعاون والمؤازرة.

هذا شاب هدَّه التعب من مكابدة الزمن، وعلاه الشيب وهو لايزال غضا طريا، جمع ريالات قليلة، أخفاها عن عيون الغلاء ليتأهل، ويكون أسرة مثل بقية عباد الله، إلا أن المعضلة في عش الزوجية، فما كان من أولئك الشباب إلا أن نسجوا له غرفة من نياط قلوبهم، ليزيحوا الغيمة، ويزرعوا البسمة.

وذاك شيخ مسن، يعيل أفراخا في الحواصل، أرجفها البلاد وبللها قطرات المطر المتساقط من السطح، فتجمع الشباب طوعيا لإصلاح ذلك السقف، ورفعوا رأس الشيخ المنكسر، وحققوا ماء وجهه المهدور، وهذه أرملة تعيل أيتاما، لفظت سجلات التقاعد راتب زوجها الزهيد- لولا أهل الخير- فما كان من أولئك الشباب إلا أن أعفوها من إيجارات المنازل التي تتنقل فيها، وشيدوا لها منزلا متواضعا يسترها عن أعين المتطفلين.

ظل هؤلاء الشباب يقدمون خدماتهم مجانا، رغم البطالة التي يغوصون فيها إلى الركب، وهم يستقبلون جيوشا من العاطلين من ذوي الكفاءات العليا والدنيا، فقد امتلأت الأزقة بهم، وصاروا يشكون حظهم العاثر، والوطن الذي تنكر لهم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى