الزعازع.. زعزعة في الصحة والفذاء وعزلة خلف جدران الهلاك

> «الأيام» محمد العزعزي:

>
الفجر
الفجر
استهلال: في زمن الغلاء تقبع عزلة الزعازع في الشمايتين في تعز بأماكن وعرة مزقتها العزلة بطرق الموت، فيقف البصر حائرا يشتته المكان، وكلما شددنا الأزر لنصل قمة الهاوية نصاب بالدوار، ويسكن الحزن في الصدور، ويباشر الصخر ترحيبه بالزائر، وينشر قلاعه في الزمن الأسود.

في عمق الأودية وأعالي الجبال ينتشر فيروس الدمار بنشوة الجنون، وتتابع «الأيام» هموم أولئك البشر في منفى الوطن الإجباري خلف الجدران الرهيبة بعزلة الانكسار والهلاك. خطوات الناس لاتستريح في عراك دائم مع الطبيعة القاسية حتى أدمنوا التعب، في قرى حجرية تناطح السحاب وسكانها لايعرفون اليأس، بأبصار مشرعات نحو النجوم تهدي الثرى إلى السماء محكمة الصمت الرهيب، ومابين الشروق والغروب يعشق هؤلاء تراب الأرض، وإن ذهب بعضهم ضحايا الإهمال الرسمي.. يتغنون ببلادهم، وإن جزأتهم، فلا يطلبون الاستجداء، ويغرقون صعودا وهبوطا في رحلة عذاب يومية، وعند المساء يلتحفون السماء.. ويكتمل الشكل.

التنمية

ورد ذكر الزعازع في قاموس (تاج العروس) من جواهر القاموس بمعنى الزلازل والشدائد من الدهر، ويقال كيف أنت في هذه الزعازع؟ إذا أصابته الشدة، والزعزعة: تحريك الشجرة، وفي تهذيب اللغة: زعزعت الإبل: إذا سقتها سوقا عنيفا، وسير زعزع: شديد.

وفي جمهرة اللغة: الزعزعة: ريح عاصفة تزعزع كل شيء، وهي شدائد الدهر. وفي لسان العرب: الزعزعة: تحريك الشيء وقلعه. وفي المحكم والمحيط الأعظم زعزعه: حركه تحريكا شديدا، يريد إزالته من مثبته ليقلعه.

التضاريس

عرفت البشرية تضاريس القمر عام 1610، وهنا في الزعازع نكشف لأول مرة عبر «الأيام» عن هذا الجزء المنسي من الوطن، وتضاريس الزعازع جبلية وعرة شديدة الانحدارات، وجبال عالية معقدة امتدادا للمرتفعات الغربية في اليمن، وتكثر الأودية المنخفضة والقمم المرتفعة وأهمها: عماصد، سلسلة جبلية تقع بين الزعازع وعزلة راسن وبني محمد، وجبل جربب من الغرب والجنوب الغربي، ويمتد إلى الغودرة بعزلة الزريقة، وجبل صداك على شكل هضبة عالية تعتليها الجبال القافزة، وتضم ثلاث عزل ذات كثافة سكانية مرتفعة، هي الزكيرة والزعازع والمفارقة وجبل القار والردعين، كما تكثر المنحدرات الحادة (الضياح) وأهمها: شلو، الضفد، الهقنون، برح الضبي، ثعوبة، جربوب، الرغم، ومنحدرات تفصل الزعازع عن الدريح بالزريقة.

أما الأودية فهي زراعية صيفا وشتاء بأنواع الحبوب الغذائية والفواكه والخضار، وأهم الأودية: شلو، الغيل، الزعيمة، الزملية، وتلتقي المياه لها عند سهل الفجر ووادي قفن، والتربة خصبة في الأودية وسميكة وقديمة التكوين، أما المدرجات فالتربة مفككة جيدة التهوية وتستغل في زراعة القات.

جبال قاسية
جبال قاسية
القرى

الفُجر: زراعية كبيرة، وتعني تفجر الماء وتبطح السيل بالوادي. حشيفين: ومعناها مكان نمو نخيل التمر والثوب البالي. صدان: أرض الملك. شلو: كلب الصيد والشاة للحليب والجسد والجلد من كل شيء. رسن: خطام الناقة. عنن: بمعنى نجم، وما يظهر في السماء. معانه: تعني المعارضة. القار: القرية والبادية شديدة البرد. الهقع: صوت السيوف وكوكب الجوزاء. كما توجد قرى عديدة منها صفونة، قورحة، أردنة، زعيمة، سناء، الميصم، الوعنين، قفن، المتنة، القبع، هرو، الشعبة، العُنة، الموطن، السد، الدرجة، الجعشة، المشاقب، السعير، السقيرة، الضفد، ضماعر، السرج، العقدة، الزملية (تاريخية وبها آثار إسلامية ترجع للقرن السادس الهجري)، هجمة السفلى، برج الرحب، الكدان، أخينة، الأجن، أفص، الأخروم، الرديك، ودود، الشعبة، الجرات، الفقوة، الهينف، الممشاح، المشعب.. وغيرها.

الطرق

قال المواطن سعيد الجعشة: «تعاني العزلة من حرمان للطرق، وتوجد طريق من المركز بالعزاعز، وهو سوق تجاري جيد، وشقت طريق تماح - السويقة بني شيبة، وتصل إلى قرية الفجر، ومن الفجر شق الأهالي الطرق بأيديهم، ورصفوا بعض الأماكن الخطرة بالحجر، وهذه الطريق خطرة وتصل إلى القرى العالية حتى أخينة والزملية، ويمكن وصفها بطريق الموت.

والأشد وعورة طريق المقارنة ـ المساحين ـ جبال الزعازع، وأهملت مؤخرا لخطرها، وهي لاتصلح لسير الحيوانات، وهناك طريق الزعازع إلى المليوي بالزريقة معطلة، وأغلقت بسبب دمار السيول، ومعظم الطرق المرصوفة تم شقها أيام رجال التعاون والتطوير في منتصف سبعينات القرن الماضي وأهمهم: عبدالله عبدالعالم وعبدالرقيب القرشي ورجل الأعمال الشيخ سعيد الزكري والشيخ سيف أحمد مقرع وعلوان المساح ومحمد الفقيه وعبدالرحمن الصريمي، وكل الطرق القديمة أهملت وجرفتها السيول، ولم يبق منها إلا القليل، وترتفع أجور النقل وتزداد السلع غلاء، فيصل كيس القمح إلى القرى العالية بـ 8200 ريال، وأسطوانة الغاز بـ 1000 ريال للميسورين، أما غالبية الفقراء فيستخدمون الحطب».

التعليم

تنخفض نسبة القيد في مرحلة التعليم الأساسي، وانعكس ذلك على التعليم الثانوي، وتزداد الأمية بسبب عوامل الفقر، والتسرب بعد المرحلة الأساسية للعمل ومساعدة الآباء، وتزداد بين الإناث لغرض الأعمال المنزلية وجلب الماء والحطب من الجبال، ويتوقع ارتفاع وتنامي الأمية بسبب عوامل الفقر وانعدام الخدمات الثقافية. قال التربوي عبدالرقيب عباس: «يوجد بالزعازع 5 مدارس أساسية، أقدمها مدرسة 13 يونيو.

أنشئت عام 1968، ومدرسة الميثاق بنيت في سبعينات القرن الماضي، وهي من إنجاز التعاونيات، وبها (170) طالبا وطالبة، ومدرسة إبراهيم الحمدي وعدد الطلبة فيها (230) ومدرسة عمر بن الخطاب بالزملية وعدد طلابها (120) ومدرسة الفراغير وبها 400 طالب وطالبة، وأهم المدارس الثانوية/ الأساسية 13 يونيو، وبها (740) ومدرسة أخينة وعدد الطلبة (637)، ومن المتوقع أن يتخرج هذا العام من الثالث الثانوي (17) أنثى و80 ذكرا، وتعاني مدارس الزعازع نقصا حادا في عدد المعلمين (المتخصص والعام)، وفي السنوات الأخيرة زاد العجز لنقل المعلمين، فزاد الرسوب في الثانوية العامة».

جربوب
جربوب
الصحة

قال ياسين مقرع: «توجد وحدة صحية بأخينة بنيت عام 1997، وهي مكونة من غرفتين (بلك)، واستقبلت قبل شهرين 170 حالة إسهال حادة، ووضع المرفق متدهور، ويعاني السكان من أمراض مزمنة وإسهالات والتهابات صدرية والملاريا والتيفوئيد، والأمراض الفتاكة منتشرة وفقر الدم والحميات، ولانعدام الأطباء والممرضات تذهب النساء ضحية في الطرقات وتحتاج المرأة (4) ساعات عند الإسعاف لتصل إلى التربة التي تبعد 45 كم عن القرى العالية، وتتعرض بعضهن للوفاة وحالات الإجهاض جراء عناء الطريق، ولهذا طالبنا مرات عديدة الجهات المختصة ببناء مركز صحي في المنطقة والغرفة المتهالكة حاليا تخدم 35 قرية بعدد سكان أكثر من 7 آلاف نسمة، وبعض القرى تبعد7 كم عنها، وأناشد وزير الصحة بناء مستشفى ريفي وتزويده بالكادر الطبي والدواء لتقديم الرعاية الصحية لأبناء الزعازع الذين يصلون إلى 17 ألف نسمة».

أحمد سلطان عبدالله قال: «من العيب أن يصل سفير اليابان ونائبه مرتين إلى العزلة ولما يصل المسئولون لتفقد أحوال البؤساء، وزار المنطقة مدير المديرية شائف الدكام مرتين مع مسئولين يابانيين، وفي الانتخابات تكثر الوعود وتتبخر بعدها، فلا نحصل على شيء سوى السراب».

وأضاف: «تتعرض النساء للموت لتدني الخدمات الصحية، ويذهبن ضحايا الإهمال، وعند الإسعاف يخسر المواطن 20 ألف ريال مواصلات، إلى جانب قيمة الدواء، ومع الفقر يموت الفقراء في بيوتهم ولا مغيث».

السكان

وقال طه علوان: «يبلغ عدد سكان الزعازع أكثر من 17 ألف نسمة، وعدد كبير منهم مهاجرون إلى المدن والأماكن التي تتوفر فيها خدمات، ومن جهة أخرى فقد قسمت العزلة انتخابيا بضم جزء من الزعازع إلى عزلة المساحين وجزء آخر تم ضمه إلى بني شيبة الشرق وبقى جزء من العزلة ليكون مركزا انتخابيا واحدا، وعدد الناخبين (5) آلاف تقريباً».

وقال مواطن: «سكان الزعازع يقاومون منذ القدم ومعارضون بصلابة ويرفضون الذل والاستبداد ولايترددون في تقديم التضحيات ولايخافون قول كلمة الحق، يعيشون أحرارا ويموتون كذلك، وهم معتمدون على أنفسهم، ونفوسهم أبية، وحياتهم مقرونة بالتعب والشدة».

حرمان

قال رئيس جمعية الزعازع عبده أحمد محمد: «تعاني عزلة الزعازع نقص الخدمات الأساسية وتفتقد إلى الكثير منها (الطريق - الكهرباء - الماء- الصحة - التعليم)، فالمجتمع يعاني من الجهل والمرض والفقر، ويشرب الناس المياه الملوثة، ولاتوجد المشافي الصحية، وأطالب كل الجهات الرسمية بالاهتمام بهذه العزلة المحرومة من كل شيء وتنميتها وبناء مستشفى ريفي حتى يتمكن أبناء العزلة من التخلص من الأمراض التي يعانون منها، وتقديم الخدمات الصحية والرعاية الاجتماعية والتخلص من الأوبئة المنتشرة، ولأن العزلة كبيرة المساحة وعالية السكان ووعرة فإنها تستحق المشاريع وتقديم الخدمات لقرى تعانق السماء والاهتمام بصحة الطفل والمرأة».

المياه

التربوي محمد فارع صالح قال: «لاتوجد مياه صالحة للشرب، ولاتوجد شبكة مياه تغذية المنازل، ومشروع الفجر معطل منذ خمس سنوات، ويعتمد الأهالي على مياه الآبار والبرك والسقايات وهي ملوثة، وتوجد بأماكن بعيدة عن القرى، ويجلب الماء على رؤوس النساء، وعلى ظهور الحمير، ومانزال نشرب من ماء السماء ونحفظه ببرك مكشوفة قرب المنازل للضرورة، نعتمد عليها في الشرب وسقاية الحيوان».

حشيفين
حشيفين
الزراعة

تعد الزراعة من الحرف الرئيسية التي يمارسها السكان، وهي أصيلة منذ القدم، وتعتمد على الأمطار في الجبال وقلة في الفجر، والأودية الأخرى يعتمدون على الغيول، وهي محدودة، وتزرع أنواع الحبوب الغذائية وبعض أصناف الخضار والفواكه (النخيل والمانجو والجوافة والرمان)، والزراعة لاتسد حاجة السكان، ويعتمدون على القمح المستورد المرتفع السعر، وتنتشر الحرف اليدوية المختلفة ورعي الحيوان.

النبات

توجد كل أنواع الأشجار الجبلية: العسق والقرض وشجرة الراء والعثرب والصبار وشجرة ضروب وهي نادرة، وشجر الأمل وشجيرات العضرب، ويستخدمها الناس لعلاج الجروح.

أمنيات

قال توفيق الزعزعي: «ظروف العزلة ووعورة الأرض جلبت المعاناة للناس، فانعدام الطرق وظروف الحرمان سبب المتاعب.

ويحتاج هؤلاء إلى الرعاية والاهتمام والمساعدات العاجلة وتنمية المنطقة المحرومة من جميع المشاريع الحيوية، وبناء المرافق الخدمية والمستوصفات وبناء وترميم المدارس ومد شبكة الكهرباء والماء ومراكز الإرشاد الزراعي ومراكز التدريب النسوي وتوفير الدواء وزيادة عدد حالات الضمان الاجتماعي وبناء السدود والحواجز المائية وتوفير الكوادر في التعليم والصحة وشق الطرق لربط الأماكن المعزولة بالعزل المجاورة وإيصال كل الخدمات الغائبة حتى نشعر أن الثورة وصلت إلى قرانا».

قبل الختام

لابد أن يكون للمكان حكمة ومعنى وللحياة أمنية، وهذا ما استدعى «الأيام» القيام بهذا الاستطلاع، لنكشف واقعا لطيفا وطيفا ألطف عبر الجبال وهذا ما مكننا مفتونين من الوصول إلى أماكن لم يكشف عنها من قبل، وكانت «الأيام» سباقة في هذا المضمار باعتراف الأهالي وامتنانهم وشكرهم أمام الدبلوماسية اليابانية.

الخاتمة

هؤلاء أبناء الزعازع المنتشرون في مختلف مناطق الجمهورية، يحملون الفؤوس والمعاول وينحتون الصخر ويقهرون الجبال ويساهمون في بناء الوطن، وهذا شأن معظمهم، يعشقون العمل ويحتضنون الأمل ويزرعون المساكن ويرصفون الطرقات خدمة للناس كل الناس، ويترك البعض مدرسته وبيته وأحبابه للانضمام إلى قوافل العمل من أجل لقمة العيش الحلال.

فتحية لهؤلاء رواد النضال وبناة الأوطان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى