سهرة مع العلم

> «الأيام» د.صلاح بن محرز:

> استعرت من أحد الأصدقاء كتاب (كيف أصبحوا عظماء)، وقلت أقضي به ليلة الخميس، وأحضرت إلى جانبه كتاب (الخالدون) لكارينجي.

وقلت أجعلها سهرة علمية أعيش فيها مع المبدعين والعظماء واستأنس بأخبارهم، ولكني سريعا ما أصبت بالإحباط عندما غصت أكثر وأكثر في حياة أولئك المبدعين!! فلك أن تعرف أن معظم من وصلت شهرتهم عنان السماء إنما كانوا يعيشون حياة تغلبها الفاقة، ويكدرها الفقر والحاجة، ومع ذلك فإنهم لم يستسلموا لوضعهم المزري، بل عملوا وجدوا حتى وصلوا لما هم عليه، فالكاتب العظيم برنارد شو مثلا اضطر وهو في الخامسة عشرة من عمره أن يترك دراسته ليعمل كاتبا بالأجرة مقابل أقل من جنيه واحد في الشهر، وساءت ظروف عائلته المادية لدرجة أنه ماعاد بإمكانه توفير مطعمه وملبسه، فأصبح يسير في شوارع لندن بثياب يبذل جهدا في إخفاء ثقوبها، ومع ذلك أصبح لاحقا من أعظم مؤلفي المسرح، وحاز جائزة نوبل عام 1926، أما الموسيقى الرائع أماديس موزارت الذي تكاد تسمع سيمفونياته في كل فنادق ومطاعم العالم الشهيرة، فقد كان من الفقر لدرجة أنه لم يكن يملك سوى قميص واحد فيضطر كلما اتسخ قميصه أن ينام ريثما تغسله له زوجته وتكويه، أما العالم الأمريكي أديسون مخترع الضوء الكهربائي والتصوير الفوتوغرافي فقد اضطر وهو يافع أن يبيع الجرائد في إحدى محطات القطار ليسد حاجته.. والإمبراطورة ماري جوزيفين أول زوجة لنابليون عاشت نصف عمرها فقيرة تسكن فوق معمل لتكرير السكر إلى أن اعتلت عرش فرنسا، واسمع لسومرست موم أشهر روائي إنجليزي معاصر، يعترف بلسانه أنه ظل سنينا طويلة يفترش الرصيف لأنه لايملك أجرة غرفة صغيرة، وهو الذي أصبحت مؤلفاته اليوم تباع بملايين النسخ، وقد قرأت في سيرة أحمد ابن حنبل عن طلابه أن له نعلا ظل يرقعه سبعة عشر سنة، وهو الذي أخرج للعالم (المسند) في أربعين مجلدا, ولعلك قد سمعت بالشاعر الشهير عروة ابن الورد وقصيدته الفريدة التي يخاطب فيها زوجته أم المنذر قائلا:

ذريني أطوف في البلاد لعلني

أخليك أو أغنيك عن سوء محضري

أما الذي قد لاتعرفه عن عروة هو أن شظف العيش قد بلغ به وبزوجته مبلغه فنوى أن يخرج للحرب، فإما أن يأتي بالغنائم وإما يموت شريفا، وعندما حاولت زوجته أن تثنيه عن ذلك كتب لها هذه الرائعة التي بلغت خمسة وعشرين بيتا، وأخيرا أسالك هل سمعت عن عميد الأدب طه حسين؟ لقد أكمل دراسته الأولية في مصر ومن ثم الدكتوراه في فرنسا وهو لايملك سوى ثمن وجبة الفول التي كانت ترافقه في جميع وجباته.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى