الاستبداد والعلم

> «الأيام» د. عبده يحيى الدباني:

> يعد كتاب المفكر الإسلامي عبدالرحمن الكواكبي «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد» من أشهر الكتب التي تحدثت عن الاستبداد ومن أوضحها وأسهلها، فهذا العالم الجليل (مؤلف الكتاب) قد عاش في زمن ساده المستبدون واكتوى هو بنار الاستبداد فقد تعرض للسجن والأذى والمحاكمات والنفي نتيجة اتهامات الحاكم العثماني المستبد. لقد كشف هذا العالم في كتابه عن طبائع الاستبداد المختلفة وكشف أساليبه في كل الميادين، فقد جاءت مباحث الكتاب مقسمة على علاقة الاستبداد بما يأتي: -1 الاستبداد والدين -2الاستبداد والعلم -3الاستبداد والمجد -4الاستبداد والمال -5الاستبداد والأخلاق -6الاستبداد والتربية -7 الاستبداد والترقي -8الاستبداد والتخلص منه.

ولا نبالغ إذا قلنا إن هذا الكتاب يعد مدرسة أصيلة في الحرية ومناهضة الاستبداد.

وفي هذه الحلقة سنذكر بعض ما قاله المؤلف عن علاقة الاستبداد بالعلم:

«العلم قبسة من نور الله وقد خلق الله النور كشّافاً مبصراً ولاّداً للحرارة والقوة وجعل العلم مثله وضاحاً للخير فضاحاً للشر يولّد في النفوس حرارة، وفي الرؤوس شهامة». ويقول أيضاً «نعم ترتعد فرائص المستبد من علوم الحياة مثل الحكمة النظرية والفلسفة العقلية وحقوق الأمم وسياسة المدنية والتاريخ المفصّل والخطابة الأدبية وغيرها من العلوم الممزقة للغيوم المبسقة الشموس المحرقة الرؤوس. ويقال بالإجمال إن المستبد لا يخاف من العلوم كلها بل من التي توسع العقول وتعرّف الإنسان ماهو الإنسان وماهي حقوقه وهل هو مغبون؟ وكيف الطلب؟ وكيف النوال؟ وكيف الحفظ؟» ويمضي المؤلف محدداً بعض العلوم التي لا يخافها المستبد لأنها لا ترفع غباوة ولا تزيل غشاوة، ويذكر المؤلف كذلك أن المستبد يبغض العلم لذاته أيضاً لأن للعلم سلطاناً أقوى من كل سلطان، و يشير إلى أن بين الاستبداد والعلم حرباً دائمة وطراداً مستمراً إذ يقول:«يسعى العلماء في نشر العلم ويجتهد المستبد في إطفاء نوره والطرفان يتجاذبان العوام. ومن هم العوام؟ هم أولئك الذين إذا جهلوا خافوا وإذا خافوا استسلموا، وهم الذين متى علموا قالوا ومتى قالوا فعلوا»، وكلمة «العلماء» في هذا السياق كلمة عامة يدخل في إطارها المثقفون والأدباء والمفكرون وكل ذوي العلم. إن العلم هو الطريق إلى الحرية والقضاء على الاستبداد، كما أن الجهل هو عدو الحرية وعدو الحياة وفي ظله يترعرع الاستبداد ويزدهر.

«والحاصل أن العوام يذبحون أنفسهم بأيديهم بسبب الخوف الناشئ عن الجهل، فإذا ارتفع الجهل زال الخوف وانقلب الوضع، أي انقلب المستبد رغم طبعه إلى وكيل أمين يهاب الحساب ورئيس عادل يخشى الانتقام، وأب حليم يتلذذ يالدقابب وحينئذ تنال الأمة حياة رضية هنية».

وأخيراً يشير المؤلف إلى «أن المستبدين الغربيين يخافون أشد الخوف أن يعرف الناس حقيقة الحرية وأنها أفضل من الحياة وأن يعرفوا النفس وعزها والشرف والحقوق والظلم والإنسانية والرحمة»، لقد كتب المؤلف هذا الكلام عن الغربيين في نهاية القرن التاسع عشر، وما أظنهم اليوم إلا قد عرفوا الكثير مما ذكر وفي ضوء علمهم بذلك حققوا تقدماً كبيراً في ميدان الحرية وحقوق الإنسان، أما المستبدون الشرقيون ومنهم العرب فذكر الكواكبي - رحمه الله- أنهم يخافون من العلم أشد الخوف حتى من علم معنى كلمة «لا إله إلا الله» لأن من معانيها «لا يستحق التذلل والخضوع شيء غير الله».

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى