قصة قصيرة.. طالب كلية الطب

> «الأيام» محمد العبد العزيز العرفج:

> ركب سيارة الليموزين بعد أن تحصل على رخصة القيادة قبل يومين.. لقد اجتاز الاختبار بسهولة بعد تغربه من بلاده منذ أسابيع، وهاهو يمارس عمله لثاني يوم مرة أخرى.. أدار المفتاح، أمال بتحكم المبرد الهوائي، ما أبرد المكيف داخل سيارة يلفها الجو الحار!. اجتاز الشوارع باكرا، لم تزدحم الشوارع بعد، فمازال الوقت باكرا.. لمح (علوي) شابا وسيما، طويل القامة، نحيل الجسم، يتوسم فيه الرائي علامات الصلاح والخير، محتضن في ذراعه اليسرى دفترا ملونا.

رفع الشاب يده النحيلة مؤشرا بيده، فتوقف علوي بمحاذاته منزلا زجاج باب الراكب بكبسة زر.. تحدث مع الشاب الذي أخبره أنه يريد كلية الطب.

- عشرة ريالات!

- فتح الشاب باب الراكب على الفور وركب على المقعد قائلا - تطفو على شفتيه ابتسامة رقيقة -: لم أعتقد أنك ستطلب هذا المبلغ!.

- لماذا؟!.

- توقعت أنك ستطلب ضعف هذا المبلغ.

- لا نريد أن نرهق الطلاب بدفع تكاليف أكثر.

- اندهش الطالب من جواب السائق! فقال: يبدو أنك جديد في المهنة.

- التفت السائق إلى الطالب قبل أن يجاوب.. أجل!.

- وماهي انطباعاتك عن عاصمتنا المزدحمة؟!.

- الازدحام شيء عادي هنا، ولا يقارن بازدحام عاصمتنا!! ليتك سألت عن انطباعي عن أهل العاصمة!.

- التفت الطالب التفاتة قوية متسائلا: ماذا تقصد؟!.

أخرج السائق علبة السجائر ومدَّ السيجارة إلى الطالب.. فرفض الطالب أخذها شاكرا.

- ألا تدخن؟!

- فقال الطالب متذمرا: لا.. لأن الدخان مضر بالصحة، وأرجو ألا تدخن أمامي إن سمحت، لأن الجالس مع المدخن يصيبه من الضرر ضعف ما يصيب المدخن نفسه.

- ومن أخبرك بهذا؟!

- إنني أدرس الطب!

- فاستدرك علوي آه.. لقد نسيت أن مشوارك إلى كلية الطب.

استذكر الطالب قائلا:

- آها.. لم تقل لي انطباعك عن أهل العاصمة.

- نعم.. نعم..

أدخل السائق سيجارته بين أحضان العلبة، وتنهد تنهيدة خفيفة ثم أعقب: لقد أوصلت شخصا بالأمس..

- نعم، ثم؟.

كان يريد سجن النساء! وأرجو ألا تتعجب فقد كنت لا أعتقد بوجود مكان مخصص للسجن مطلقا في بلادكم، فكيف بسجن للنساء!؟.

- لماذا لم تعتقد بوجود مكان للسجن؟!

- توقفت سيارة الليموزين عند الإشارة المزدحمة، ويبدو أن الزحمة بدأت للتو، فخفض السائق صوت المذيع الذي كان مرتفعا قليلا، والتفت إلى الطالب وقال: لأنكم أحفاد الصحابة.. وقد اعتقدت أنكم معصومون!.

قهقه الطالب قهقهة عالية حتى سمعه من خلف الزجاج من في السيارة المجاورة، واستمر يقهقه حتى أضاءت الإشارة الخضراء، وتحركت السيارة حتى توقف السائق أمام كلية الطب، والطالب مازال يقهقه حتى كاد لا يسكت!، وقد كان السائق ينظر إلى الطالب مبتسما ابتسامة خجل من نفسه.

- فقال الطالب: هل تنتظرني قليلا ريثما أعود؟! أريد أن أخذ جدول الامتحانات، ثم أعود على الفور، فتوصلني إلى البيت وأدفع لك أجرتك هناك؟.

- هز السائق رأسه موافق.. ثم انتظر ساعة كاملة ولم يحضر الطالب.. جاءه أحد الطلاب فطرق زجاج نافذة السيارة سائلا السائق: أخي إنني أراك تنتظر منذ ساعة.. من تنتظر؟!.

- فأخبره السائق أنه ينتظر طالبا في كلية الطب كان قد أوصله، ذكر له أنه سيأخذ جدول الامتحانات ثم يوصله إلى المنزل ويدفع له أجرته هناك.

- فقال له: ومن قال لك أنه سيأتي؟!.

- فرد السائق: هو أخبرني بذلك! إنه طالب في كلية الطب، لقد رأيت بطاقته بنفسي والأطباء لايكذبون، أنهم أناس شرفاء، ففي بلادي حتى رجل المرور لا يخالف الطبيب، بل إنه يحترم الطبيب ويفسح له الطريق، لأنه إنسان بمعنى الكلمة ويؤدي رسالة إنسانية، أنه يخدم الإنسان ويتحمل قذارته واتساخه، ولا يتذمر.. فهل يوجد إنسان يفعل ذلك مثل الطبيب؟!.

- فقال الطالب: يبدو أنك جديد في هذه المهنة يا أخي.

- فرد السائق: أجل.. أجل ..أجل!.

-فقال الطالب: إن الامتحانات بعد شهرين من الآن ،والطالب لن يأتي ولن يدفع لك!.

- تغيرت ملامح السائق من هول الفاجعة.. ثم أرجع سيارته إلى الخلف وهو يتمتم: يالها من عاصمة!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى