رمزيات القمندان (البدرية نموذجا).. القراءة السياسية والقول الفصل

> «الأيام» سند حسين شهاب:

> لم تتوقف حالات الإبداع عند القمندان على مجال معين، فقد عرف الرجل بتعدد المواهب، فهو الأديب والقائد العسكري والمزارع والسياسي.. إلخ.

وفي مجال الأدب الذي مثل واجهة القمندان وفي الطليعة الشعر، كان القمندان يكتب في مضامين شعرية مختلفة فقد كتب النص الغنائي كما كتب الشعر الفصيح وشعر المنولوج والشعر الرمزي.. إلخ، وهذا يعني أنه كان يمثل منظومة شعرية متكاملة.

في الشعر الرمزي القمنداني تنتصب البدرية كإحدى أهم النتاجات التي أثارت لغطا كبيرا في مراحل زمنية مختلفة، ذهبت بالبعض تأويلها تأويلات خاصة تتفق مع قناعات فكرية أو سياسية حينذاك، غير أن الغوص في نص القصيدة وقراءتها قراءة محايدة تفصح عن مضمون القصيدة وفك ألغازها.

بدرية القمندان قصيدة مخضرية إذا صح التعبير، بدأت بالوصف، فكانت الحورية التي سبت ونهبت وفتنت وأذعن لها كل أعلام المنطقة وقبائلها وبيوتها وحتى سادتها.

فتن السادة فيها أجمعين، دخلوا في الدين وفي هذا كناية عن أغلب القرشيين الذين دخلوا في الإسلام بعد فتح مكة.

طلعت بدرية بين الحسان

بعيون سود

فتكت في القلب طعنا بسنان

لحظها المحدود

كنت ياقلبي من العشق مصان

من لظى الأخدود

فاتقيها بدموع العاشقين

واصحب الباكين

حرقت في الغيل أكباد الحدور

كلهم مهبوش

لومشت يوما وظلت في الحرور

أذعن المطنوش

والقريشي أسرت فيه الذكور

من بني الشاووش

جل من أنشأ من ماء مهين

حوريات عين

أدريتم كيف ذا الظبي سبى

ذئب أهل البان

وأتى حيط الجبيلي فاختبى

غصن في الأغصان

فتجلى بعدها ظبي الخبا

وأتى سفيان

فتن السادة فيها أجمعين

دخلوا في الدين

التسلسل الرمزي الوصفي الذي نظم به القمندان هذه القصيدة تكشف رموزه سريعا مشاعر القمندان المختبئة خلف هذه الأبيات.

غن ياهادي نشيد أهل الوطن

غن صوت الدان

ماعلينا من غناء صنعاء اليمن

غصن من عقيان

مرحبا يالهاشمي يجلي الشجن

يذهب الأحزان

ومن البستان طي الياسمين

صاحب النسرين

حتى وإن حاول القمندان إغلاق كوبليهاته الشعرية بالعودة إلى الرمز أحيانا وللضرورة الشعرية تارة أخرى، فإن هادي والدان والوطن هي أسماء ومفردات تعبر عن كينونه الزمان والمكان، وهي قبل ذلك حقائق موجودة على الأرض، وبالتالي هي تعبير عن ولع القمندان بوطنه لحج، ولا عيب في ذلك بمعيار ذاك الزمان.

غرست لحسان في الوادي الصغير

جنه فردوس

وبنت بين الجناحين نظير

حوطه محروس

ورياضا في الهوى فيها عبير

بنه الأبنوس

اسكنوها بسلام آمنين

في حمى شيرين

ملك كالبدر بل هذا أجل

أصله من نور

كاد يضنينا الهوى لولا الأمل

في وصال الحور

فشلت سحر النفيلي والحيل

سجدت طهرور

ما الذي نعمل قل للماكرين

في الحشا سجين

كاتبوها فوق طيات النسيم

بغصون القات

ذل في الريف لها عبدالكريم

أمرها هيهات

أسعرت في القلب تيار الجحيم

بهواء حقات

خمرة تجلي هموم الشاربين

فسل الساقين

رغم محاولة القمندان التلاعب بالمفردات من جهة، وتوظيف الأحداث التاريخية لكافة مضامينها وشجونها، إضافة إلى استعراض ثقافته الكونية من جهة أخرى، إلا أن معطيات معينة من تاريخ لحج يكشف هذه الرموز، ويؤكد ما ذهب إليه الشاعر.

حكمت والخيل في الصف مئين

داخل المجراد

وتذلل لهوى الهيفاء لينين

باش بتروغراد

لم يلاق ولهلم منها معين

فاستوى كمراد

وصف الطان هواها وطنين

قلت أنا آمين

والمعروف أن حدود لحج الإدارية كانت تصل ذات يوم إلى المجراد، أي أن السلطنة العبدلية حكمت حتى المجراد، وقد سميت بالمجراد لأنها كانت قريبة من مطار عسكري إنجليزي تطير منه الطائرات التي هي أشبه ماتكون بالجراد، ويقال أيضا أنها سميت بالمجراد لأن القائد العسكري الإنجليزي لهذا المعسكر كان يحمل رتبه ميجر واسمه راد.

أخيرا فإن القمندان لايريد أن يجعل هذه القصيدة لغزا يستعصي على البعض، وتذهب للتأويل عند البعض الآخر منها، هو يوضح في نهاية القصيدة أن البدرية هي لحج عند قوله:

غادة سارت على سطح البحار

ربة الأسطول

علم في رأسه نور ونار

حولها والطول

تلك ليلى ومزاحم بالجفار

ذاك فصل القول

وسلوا عنها الرجال العالمين

واعذرو المسكين

فليلى كناية عن لحج ومزاحم بالجفار هو من تنسب إليه حوطة لحج التي تسمى حوطة مزاحم بالجفار.

وعلى هذا المنوال فقد قال الشاعر نزار قباني ذات يوم في إحدى الجامعات السورية:

أتراها تحبني ميسون

أم توهمت والنساء جنون

فسألت إحدى الطالبات السوريات، وكانت قريبة من الأستاذ عبدالله البردوني الذي كان حاضرا هذا اللقاء الشعري، يا أستاذ عبدالله من هي ميسون فأجابها إن ميسون هي ميسون بنت بجدل الكلبي، وهي زوجة معاوية، فقالت الطالبة السورية يخرب داره دمشق بكلها تساوي ميسون!.

المجراد: هي اليوم في حدود المنطقة الواقعة أمام فندق سيفيو بخورمكسر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى