انحطاط الأغنية انعكاس لانحطاط المشاعر

> «الايام» صالح علي بامقيشم:

> يأتي انحدار الخط البياني للأغنية العربية اليوم ملائما تماما لما تنتجه عقلية الإنسان العربي ومجتمعه، ويكشف هول الانحطاط الثقافي الذي يتدحرج إلى الحضيض، ويوازي الفشل الذريع للأغنية هبوط الذوق العام الذي يمتلك القدرة على التصنيف والنقد، وهو بصريح العبارة يبين عن حالة من التوعك الحاد الذي تعاني منه مجتمعاتنا، فزيادة القنوات المرئية المتخصصة بالفن الغنائي زادت في هذا الأمر بدلا من أن تكون عاملا مساعدا لإصلاح المسار، وربما يعود هذا إلى اعتماد تلك القنوات على التقليد والتركيز فقط على الأجساد أكثر من أي شيء آخر.

المؤكد أن من أسباب ضعف الأغنية وتأثيرها في الارتقاء بالمشاعر بالإضافة إلى الاعتماد الكلي على مخاطبة الغرائز أكثر من الروح هو غياب الكلمة الحلوة في مجتمعاتنا واختفائها القسري، فلم تعد لكلمات أغاني هذه الأيام هذه الصفة المميزة، لأن الأغنية انعكاس لروحانية المجتمع نفسه.

اعتقد أن روعة كلمات الأغاني القديمة وبقاءها في ذاكرة الناس هو تمتع المبدع (الشاعر، الملحن، المؤدي) بجو متحرر لايقيده، فكيف يبدع المرء وأمامه حائط من (التابوهات)، وكلما هبط مؤشر الحرية وحقوق الإنسان وهبطت قيم المجتمع غابت الكلمة الجميلة، اللحن الجميل، الصوت.. إلخ، وتزيفت المشاعر، فأصبحت صناعية أو مستعارة وبدأنا نسمع أغاني كثيرة القرف على شاكلة (بحبك ياحمار)!!، وأغاني الحب ليست بالضرورة أغاني حب.. ولكنها أغاني الظمأ للحب.

تعود المؤشرات- وهذا رأيي الشخصي- إلى انقضاء الفترة الليبرالية مطلع القرن الماضي التي شهدت نهضة فنية وفكرية وأدبية وهبوط ليل الانقلابات العسكرية التي أدلجت الحياة بأكملها وسلبتها كينونتها، وظهر جيل من الفنانين الجاهزين لترديد ما يريده الآخرون، وغُسل دماغ المتلقي، فلم يلتق أداء الفنان وكلماته سوى بالنزر اليسير من حواسه المبطنة.

ولكي لا ألقي باللوم على أنفسنا فإن ما شهدته الفترة الأخيرة من ذوبان هوية الثقافة العربية ومعها المستهلك ومفاهيم عولمة الفن بما أتت به من قيم مختلفة كانت عاملا مؤثرا عبر استيراد واستقبال كل ما يأتي من الخارج والإعجاب به.

الحقيقة إن كثيرا من الأغاني أو أغلبيتها الساحقة لاتفهم من كلماتها شيئا لسرعتها، خاصة مع سيطرة الصورة على المكونات الأخرى للأغنية، كما أننا أصبحنا لانبذل أي جهد للإنصات للكلمة في ظل وجود فرق الرقص التي تجذبنا أكثر من الكلمة، ونكتفي بالبصبصة في اللحم المعروض!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى