وفيات اطفال تلقي بظلالها على الرعاية الصحية في مصر

> القاهرة «الأيام» علاء شاهين :

>
تظهر لقطات فيديو انوارا خافتة في وحدة لرعاية الاطفال حديثي الولادة تمتليء بمحاضن تضم اطفالا مبتسرين وفي حين يحاول الاطباء بصورة محمومة انعاش بعض الاطفال يصرخ اخرون في الخلفية عقب انقطاع الكهرباء ليلا.

ويسمع صوت غاضب في الخلفية يردد ان خمسة اطفال مهددون بتوقف عضلة القلب في ان واحد مضيفا ان اقصى ما يمكن عمله مساعدة واحد او اثنين وليس خمسة.

ويرد عليه صوت اخر "هذا طبيعي.(مرت) ساعة ونصف الساعة" في إشارة على مايبدو لطول مدة انقطاع الكهرباء.

التقطت كاميرا هاتف محمول هذا المشهد في مستشفى المطرية التعليمي في اواخر مايو ايار في ليلة انقطعت فيها الكهرباء لمدة ثلاث ساعات بعد منتصف الليل ولم تعمل المولدات الاحتياطية.

ويقول اطباء في المستشفى ان انقطاع التيار ادى إلى وفاة أربعة اطفال. وتقول وزارة الصحة التي احالت القضية للنائب العام للتحقيق فيها ان طفلين توفيا ولكن قبل وليس اثناء انقطاع التيار.

واثارت لقطات الفيديو التي عرضت بموقع يوتيوب على شبكة الانترنت وعدد من المدونات المصرية في يونيو حزيران حالة من الغضب العام تجاه نظام الرعاية الصحية الذي يعاني من نقص التمويل وتاريخ طويل من سوء الادارة واتهامات بالفساد.

وعلى مدار عقود قدمت الحكومة للفقراء في مصر مواد غذائية ووقودا مدعوما وتعليما ورعاية صحية مجانية.

واظهر تقرير الامم المتحدة للتنمية البشرية في مصر ان الانفاق العام على الرعاية الصحية تراجع في السنوات الست الماضية إلى 1.3 في المئة من اجمالي الناتج المحلي في عام 2006 مقارنة مع 2.4 في المئة في عام 2001.

وساهم النمو الاقتصادي القوي في العامين الماضيين وحامت نسبته حول سبعة في المئة في تنامى طبقة الاثرياء ولكنه ترك ملايين من المواطنين غير المهرة ممن لم يحظوا بقدر كاف من التعليم يكافحون لمواجهة التضخم الذي سجل أعلى مستوى في 19 عاما.

والفجوة المتزايدة بين الفقراء والاغنياء في أكبر دولة عربية من حيث تعداد السكان تبدو واضحة ايضا في نظام الرعاية الصحية.

وتقدم مستشفيات خاصة رعاية متميزة لمن يطيقون الثمن وهو امر لا يفيد الاغلبية في بلد يعيش اكثر من خمس تعداد سكانه البالغ 76 مليون نسمة على أقل من دولار يوميا.

واظهرت دراسة لمركز كريستيان جيريكه بجامعة برلين للتكنولوجيا عام 2004 ان المصريين الفقراء "يدفعون اكثر نسبيا (من جيبوهم او من خلال نظام ضريبي) ويحصلون على مزايا اقل نسبيا من الطبقة الاجتماعية الثرية."

وخلصت الدراسة "لوجود تفاوت كبير في القدرة المالية على الحصول على رعاية."

وعرض اطباء من مستشفى المطرية اللقطات بموقع على شبكة الانترنت إلى جانب تفاصيل عما وصفوه "بمآس" في المستشفي.

وقال طبيب كان داخل الوحدة عند انقطاع الكهرباء في حديث لرويترز " مات طفلان. شفتهم )رأيتهم( بعيني. الثالث مات في الصباح بعد ما رجع النور (الكهرباء). والرابع تاني يوم (اليوم التالي) الصبح."

وأضاف ان اخر حالتي وفاة كانا نتيجة مباشرة لانقطاع الكهرباء.

وذكر الاطباء ان المولدات الاحتياطية لم تعمل بسبب ضعف الصيانة.

وفي اللقطات يحاول الاطباء انعاش الاطفال باجهزة يدوية تستخدم لمساعدة المرضى الذين يعانون من مشاكل في التنفس.

وقال طبيب التقت به رويترز "مكنش فيه (لم يكن يوجد) غير جهازين. كان فيه (يوجد) خمس حالات تحتاجها."

واضاف انه تم الحصول علي جهاز ثالث من قسم اخر في المستشفى.

وقال طبيب اخر يشارك في ادارة موقع المدونة الذي عرض اللقطات على الانترنت "كيف يكون هناك مستشفى فيه ست وحدات رعاية مركزة ويكون هناك مصدر كهرباء واحد."

ورفض الطبيبان نشر اسميهما خشية تعرضهما للعقاب من المستشفى.

غير ان مرتجي نجم الامين العام للمستشفيات والمعاهد التعليمية قال إن انقطاع الكهرباء لم يؤثر على الاطفال في الوحدة.

وصرح لرويترز "مات طفلان قبل انقطاع الكهرباء." واضاف ان القانون يقضى ببقائهم على جهاز التنفس لمدة ساعتين بعد الوفاة.

ولا تصدق رضا سلامة والدة الطفل علي جمال (20 يوما) الذي توفي في تلك الليلة هذه الرواية وتقول ان اهمالا خطيرا في المستشفي اودى بحياة ابنها.

وتضيف هي تجلس في في غرفة صغيرة في بيت متهالك بضاحية بهتيم الفقيرة في القاهرة "عايزه (اريد) حق ابني. عايزه ايلي (من) تسببوا في موت ابني زي (مثل) ما هو مات قتيل هم كمان (ايضا) يموتوا. يعني لو خنقتهم بايدي مش هيطفوا )لن يطفئوا( ناري."

وقالت سلامة وهي بائعة خضر وفاكهة متجولة يعمل زوجها في مصنع منسوجات انها لا تريد تعويضا ماديا.

وصاحت بصوت مرتفع وغاضب وقد احاط بها اقاربها "الحكاية مش (ليست) حكاية فلوس ده (هذا) اهمال.. لو انا هفرط (فرطت) في حق ابني وغيري هيفرط (سيفرط). يبقى احنا (نحن) بقينا (اصبحنا) ايه (على اي حال)؟."

وتصدرت انباء الوفيات الصفحات الاولى للصحف المعارضة والمستقلة واتصل العشرات بالبرامج الحوارية التلفزيونية وبعثوا برسائل لمنتديات على الانترنت يهاجمون السياسات الصحية للحكومة التي يحملونها مسؤولية النظام المتداعي.

وتنفق الحكومة نحو 12 مليار جنيه (2.24 مليار دولار) على الرعاية الصحية هذا العام وتخصص نحو 80 مليار جنيه على دعم الوقود والغذاء وستنفق حوالي 22 مليار جنيه على الدفاع والامن في العام المقبل.

وتعهد وزير الصحة حاتم الجبلي "بقطع رأس" المسؤولين إذا اثبت التحقيقات ان انقطاع الكهرباء تسبب في وفاة اي اطفال واعترف بأن المستشفيات العامة في مصر تواجه العديد من المشاكل.

وقال في مقابلة مع تلفزيون الدولة "التمويل ضعيف .. على الورق عندنا نظام هايل (رائع).. على الورق السلطات والواجبات والحقوق رهيبة."

وذكر ان المستشفيات التي تديرها الدولة تعاني في الواقع من اهمال وان العلاقات والمحسوبية لعبتا دورا في تعيين الموظفين ويضيف "مين بيدفع الثمن؟ انت والمواطن."

ويجسد مستشفي حميات الحسينية إلى الشرق من القاهرة المشاكل التي ذكرها الجبلي حيث ينام المرضى على اسرة بالية في غرف قذرة تغطي جدرانها رسوم وكتابات.

ويقول مدير المستشفى مصطفي عبد العال ان قيود الميزانية تمنعه من تعيين عاملين دائمين كعمال نظافة. ويضيف ان المستشفى وسعته 70 سريرا بها خمسة اطباء ويشير إلى انه ينبغي ان يكون هناك من 10 إلى 12 طبيبا على الاقل.

وقال عدد من الاطباء التقت بهم رويترز ان الاجور في المستشفيات التي تديرها الدولة ضعيفة جدا.

ويقول عمر ابو العلا الطبيب بمستشفى الساحل في القاهرة ان اجر الطبيب الشاب 250 جنيها (47 دولارا) شهريا.

ويضيف "معايا دكتوراه ومرتبي 415 جنيها... ما تقدرش تطلب من بني ادم يشتغل بجد ... ده محور الموضوع."

(الدولار يساوي 5.34 جنيه مصري) رويترز

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى