الحلقة الثانية عشرة ..الدورة الحادية عشر 1936- العودة الى برلين

> قطر «الأيام الرياضي» عن الجزيرة الرياضية:

>
بعدما عجزت ألمانيا عن استضافة الألعاب التي كانت مقررة على أرضها العام 1916 بسبب الحرب عادت ونجحت بالفوز بشرف استضافة الألعاب العام 1936 بنسختها الحادية عشرة التي نظمتها ما بين الأول من أغسطس حتى السادس عشر منه في ظل أجواء مشحونة ومتوترة على خلفية حكم النظام النازي لألمانيا الذي عمل من خلال شخص أدولف هتلر على استغلال تنظيم برلين للألعاب للترويج لأفكاره وتطلعاته السياسية الأمر الذي ولّد رهبة لدى العديد من المشاركين خصوصاً في ظل التعصب العرقي الذي كان سائداً, مما جعل العديد من الأصوات تنادي بالمقاطعة, إلا أنه رغم ذلك كانت الدورة على مستوى عال من التنظيم من ناحية المنشآت أو المشاركة أو المستوى الفني, أو الحضور الجماهيري إذ بيع ما يزيد على أربعة ملايين تذكرة لحضور المسابقات المختلفة.

وحين اختارت اللجنة الاولمبية الدولية في مؤتمرها السنوي التاسع والعشرين بتاريخ السادس والعشرين من أبريل 1931 مدينة برلين كمستضيفة لم تكن الأجواء العامة السياسية هي نفسها إذ كان نظام الحكم مختلفاً لكن تبدلات شهدتها ألمانيا العام 1933 غيرت من المعطيات وآلت إلى ما آلت إليه من تداعيات, لكن عموماً كانت المنافسة على الاستضافة بين برشلونة الإسبانية وبرلين, وقد فازت الأخيرة بثلاثة وأربعين صوتاً مقابل ستة عشر, لكن هاتين المدينتين لم تكونا الوحيدتين اللتين سعيا للاستضافة إذ تقدمت كل من مدن الإسكندرية المصرية وبودابست المجرية وبوينس آيرس الأرجنتينية وكولونيا ونورمبورغ وفرانكفورت الألمانية, وريو دي جينيرو البرازيلية وروما الإيطالية بطلبات ترشح.

علت الأصوات العالمية من جهات مختلفة تنادي بمقاطعة الألعاب خصوصاً مع تولي النازيين للحكم في ألمانيا لكن بالمقابل وضمن الكيان الواحد أي الدولة الواحدة انقسمت الآراء فنادت جهات أخرى بفصل السياسة عن الرياضة وتحديداً عن الألعاب الاولمبية معتبرة أن الألعاب الاولمبية هي مكان يجمع ولا يفرق, فيه يتلاقى الرياضيون من أجل التنافس الشريف تحت راية السلام. ومن أبرز الأصوات التي هددت بالمقاطعة علا صوت الولايات المتحدة الأميركية التي داخلياً شهدت تجاذبات بين أطراف عدة كل منها تنادي برأي مختلف, فمثلاً كان رئيس اللجنة الاولمبية الأميركية وقتها آفري برانديج ضد المقاطعة, في حين قاد رئيس الاتحاد الأميركي لألعاب القوى للهواة حملة كبيرة داعياً لعدم المشاركة إلا أنه في النهاية لم تقترن دعوات المقاطعة بالواقع وشاركت الولايات المتحدة في الألعاب, لكن في الوقت نفسه نظمت العديد من الأصوات العالمية الداعية للمقاطعة ألعاباً موازية في إسبانيا سميت بإسم الاولمبياد الشعبي, لكنها لم تسلم من المشاكل خصوصاً تداعيات الحرب الأهلية الإسبانية العام 1936.

الصرح الرئيسي للألعاب كان ستاد برلين الاولمبي الذي شيد خصيصاً لاستضافة الاولمبياد بتصميم من مهندس ألماني «فيرنر مارش», بني في المكان نفسه الذي تم فيه إنشاء صرح في العام 1913 كان مخصصاً لأولمبياد 1916 «دوتش ستاديوم» وكان بسعة 32 ألف متفرج, فيما وصلت سعة ستاد برلين إلى مئة وعشرة آلاف متفرج, وقد شهد ستاد برلين حفلي الافتتاح والختام, وحضن مسابقات ألعاب القوى والفروسية, ونهائيات مسابقتي كرة القدم, وكرة اليد, إضافة للبايسبول إنما كرياضة استعراضية, فيما أقامت الوفود في قرية أولمبية تضمنت سينما ومسرح وقاعة موسيقى ومكتبة, وكانت الغرف مؤلفة من غرفة نوم وحمام ومجهزة بتدفئة مركزية.

جرى حفل الافتتاح في الأول من 1936 أمام مئة ألف متفرج احتشدوا في الإستاد الاولمبي, بحضور أدولف هتلر ورئيس اللجنة الأولمبية الدولية البلجيكي هنري دي بايي لاتور, وبعد عدة عروض ذات دلائل ومغاز سياسية, استعرضت وفود الدول المشاركة التسع والأربعين, وتم نشر مقولة البارون الفرنسي بيار دو كوبرتان الشهيرة «ليس المهم في الألعاب الاولمبية أن تربح, بل أن تشارك, لأن الكفاح هو أهم من النصر في الحياة», ثم أعلن هتلر افتتاح الألعاب, ودخلت بعد ذلك الشعلة الاولمبية الملعب بعد اجتيازها لمسار طويل تبادل حَمْلها في خلاله ثلاثة آلاف شخص انطلاقا من أولمبيا, لأول مرة في التاريخ الاولمبي, وجرى نقل وقائع الألعاب مباشرة على التلفزيون الألماني في خطوة فريدة آنذاك.

شارك في هذه الألعاب تسع وأربعون دولة منها ست سجلت ظهورها الأولمبي الأول هي أفغانستان, برمودا, بوليفيا, كوستاريكا, ليشتنشتاين والبيرو, وشكلت هذه الدورة الظهور الأخير لأستونيا كدولة مستقلة قبل أن تعود العام 1992..أما عدد الرياضيين المشاركين فناهز الأربعة آلاف وبلغ تحديداً 3963, بينهم 331 لاعبة, نافسوا في تسع عشرة رياضة اشتملت على 129 مسابقة, والرياضات هي, ألعاب الماء, ألعاب القوى, كرة السلة, الملاكمة, كانوي كاياك, دراجات هوائية, فروسية, سلاح, كرة قدم, جمباز, كرة اليد, هوكي على العشب, الخماسي الحديث, بولو, تجذيف, إبحار, رماية, رفع أثقال, مصارعة, وكان الوفد الألماني الأكبر, فيما جاء الوفد الأميركي ثانياً.

المسابقات الرياضية

سجلت هذه الألعاب ظهور ثلاث رياضات للمرة الأولى هي كرة اليد في الهواء الطلق, وكانت مختلفة عما هو معروف اليوم كثيراً إذ كان الفريق من إحدى عشر لاعباً وكانت المباريات تجري على العشب, وقد غابت عن الدورات اللاحقة ولم تعد للظهور إلا العام 1972, وكرة السلة التي كانت تلعب في الهواء الطلق, والكانوي كاياك, فيما شكلت النسخة الحادية عشرة الظهور الأخير لرياضة البولو..نجم البطولة الأول كان العداء الأميركي ذو الأصول الأفريقية جيسي أوينز, الذي فاز بأربع ذهبيات, وبرز أيضاً الإستوني كريستيان بالوسالو Kristjan Palusalu الذي فاز بذهبيتين في المصارعة بفئتيها الحرة واليونانية الرومانية, في الوزن الثقيل, كما شهدت هذه البطولة تتويج نجمات صغيرات السن مثل الأميركية ماريوري غيسترينغ Marjorie Gestring التي فازت بذهبية في الغطس عن عمر 13 عاماً, والدنماركية إنج سورينسون Inge Sorensen التي أحرزت برونزية في المئتي متر صدر سباحة عن عمر 12 عاماً.

إذا العنوان الأبرز رياضياً وشعبياُ في هذه الدورة هو الأميركي جيسي أوينز, المعروف رسمياً بـ«جيسي», دمغ الدورة بطابعه متفوقاً على الألمان في عقر دارهم الأمر الذي أغضب هتلر إلى حد عدم تهنئته ومغادرة المدرجات أحياناً, فاز بذهبيات المئة والمئتي متر, والوثب الطويل والبدل 4×100م مع الفريق الأميركي, وصفته الصحافة بالخارق, بدا انتصاراته بالمئة متر ففاز مسجلاً 10,3 ثوان أمام مواطنه رالف ميتكالف 10,4, ثم أضاف ذهبية الوثب الطويل التي كان يحمل رقمها العالمي وقتها 8,13 أمتار, وسجل وقتها في محاولته الأخيرة 8,06م محققاً رقماً أولمبياً جديداً, فيما جاء ثانيا الألماني لوتز لونغ مسجلا 7,87م, وأتبعها في اليوم التالي بذهبية المئتي متر مسجلاً 20,7ث هازما مواطنه ماثيو روبنسون 21,1, وختم بذهبية البدل مع رقم عالمي جديد للفريق الأميركي 39,8 ثانية.

وفي ألعاب القوى عموما دانت السيطرة كالعادة للولايات المتحدة الأميركية حاصدة أربع عشرة ذهبية من أصل تسع وعشرين بين الرجال والسيدات, فيما جاءت ألمانيا ثانية بخمس ذهبيات, وتألق الأميركيون في جري السرعة وبعض مسابقات الميدان مثل رمي القرص والوثب العالي والوثب بالزانة, بالإضافة إلى الديكاتلون عبر غلين موريس glenn morris, وتألقت الأميركية هيلين ستيفينسhelen stephens التي فازت في المئة متر مسجلة 11,5 ثوان, والبدل 4×100م مسجلة 46,9 ثانية, فيما حصد الألمان ذهبياتهم في الميدان فقط بثلاث عند الرجال واثنتين عند السيدات, وبقي إسم فنلندا لامعاً في المسافات الطويلة بفوزها بثلاث ذهبيات في الـ3000م موانع والـ5000 متر والـ10 آلاف متر.

وشهدت منافسات الملاكمة مشاركة واسعة جداً وغير اعتيادية تمثلت بـ179 ملاكم من إحدى وثلاثين دولة تنافسوا على ثمانية أوزان, تصدرت ألمانيا في النهاية بخمس ميداليات منها ذهبيتين أحرزتهما في وزني الذبابة والثقيل, وجاءت فرنسا ثانية بذهبيتين في وزني المتوسط والخفيف الثقيل, فيما ذهبت الذهبيات الأربع الأخريات إلى فنلندا في الخفيف المتوسط, والمجر في الوزن الخفيف, والأرجنتين في وزن الريشة, والمجر في وزن الديك, وعموماً سجلت ثلاث عشرة دولة أسماءها في جدول الميداليات, كان العرب مشاركين عبر مصر التي مثلها أربعة ملاكمين.

مشاركة مصرية

بالحديث عن مصر فقد سجلت الدولة العربية حضوراً مميزا في هذه الألعاب بفوزها بخمس ميداليات, ذهبيتين وفضية وبرونزيتين, جميعها في رياضة رفع الأثقال, وكان الذهب من نصيب محمد أنور محمد مصباح في الوزن الخفيف (حتى 67,5 كلغ) وقد سجل ما مجموعه 342,5 كلغ محققا رقما عالمياً, وخضر سيد التوني في الوزن المتوسط (حتى الـ75 كلغ) وقد حقق الرباع المصري آنذاك فوزاً كاسحاً جامعاً 387,5 كلغ بفارق 35 كلغ عن الثاني ممثل ألمانيا, أما الفضية ففاز بها صالح محمد سليمان في وزن الريشة (حتى الـ60 كلغ), ونال إبراهيم حسان شمص برونزية نفس الوزن, وقد سجلا 307 كلغ و300 كلغ على التوالي فيما ذهبت الذهبية للرباع الأميركي أنطوني ترلازو مسجلا 312 كلغ, أما البرونزية الأخيرة فكانت في الخفيف الثقيل (حتى الـ82,5 كلغ) عبر إبراهيم واصف مسجلا ما مجموعه 360 كلغ, أما الأول فكان للويس هوستين الفرنسي مسجلاً 372,5 كلغ.

وفي ظهورها الأول أولمبياً شهدت رياضة كرة السلة إقبالاً ملفتاً إذ شارك فيها ثلاث وعشرون دولة جعلوا هذه المسابقة الأكبر من حيث الإقبال بين ألعاب الفرق, جرت المنافسات بين السابع والرابع عشر من أغسطس, جرت المباريات في الهواء الطلق على ملعب كرة المضرب ذي الأرضية العشبية, الأمر الذي سبب مشاكل عدة في بعض المباريات حين كان الطقس ممطراً, خصوصاً في النهائي. جرت المباريات على أربع مراحل بطريقة خروج المغلوب, أكبر نتيجة كانت فوز الولايات المتحدة على الفيليبين في ربع النهائي 23-56,

وقد نالت الأولى فيما بعد الذهبية بفوزها على كندا 8-19 في النهائي الذي شهده حوالي الألف شخص تحت المطر وهم واقفون, إذ لم يكن هنالك مقاعد للجلوس, ونظراً لسوء الأرض نتيجة للمطر لم يكن باستطاعة اللاعبين المراوغة فنتج عن ذلك نتيجة متدنية, ونالت المكسيك البرونزية بفوزها على بولندا 12-26.

وفي الرياضات الأخرى اكتسحت ألمانيا رياضة الجمباز محرزة ست ذهبيات من تسع, وكان الأبرز الألماني ألفرد شوارزمان محرزاً ثلاث ذهبيات Alfred Schwarzmann, وفي المصارعة تصدرت السويد أربع ذهبيات مقابل ثلاث للمجر, وفي رفع الأثقال تصدرت مصر بذهبيتين فيما نالت كل من ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة والنمسا ذهبية واحدة, وفي المبارزة تقاسم الذهبيات السبع كل من إيطاليا أربع والمجر ثلاث, وفي الرماية شارك 140 راميا من 29 دولة بالرغم من أن المسابقات كانت ثلاثاً فقط, تقاسم ذهبها ألمانيا السويد والنروج, وفي السباحة تألق سباحو اليابان وهولندا فحصدت كل من الدولتين أربع ذهبيات مقابل إثنتين للولايات المتحدة, ونالت فرنسا ثلاث ذهبيات في الدراجات مقابل إثنتين لألمانيا.

وقفات بارزة

الشعلة الأولمبية

لأول مرة في التاريخ الأولمبي جرت عملية الجري بالشعلة من جبل أولمبيا مهد الألعاب الأولمبية القديمة, وصولاً إلى الملعب الاولمبي في برلين بعد مسار طويل حمل في خلاله ثلاثة آلاف عداء الشعلة عبر عدة دول, وكانت اللجنة الاولمبية الدولية في مؤتمرها السنوي العام 1934 وافقت على الفكرة التي طرحها السكرتير العام للجنة المنظمة لأولمبياد برلين كارل ديام القاضية بتبادل حمل الشعلة انطلاقاً من أولمبيا, وقد مرت الشعلة في عواصم دول اليونان, بلغاريا, يوغوسلافيا, المجر, النمسا, تشيكوسلوفاكيا وألمانيا, وقد أضاء الشعلة في الافتتاح لاعب العاب القوى الألماني فريتز شيلغن.

النقل المباشر

تعتبر الدورة الحادية عشرة في برلين الأولى التي تم نقلها عبر التلفزيون على الهواء مباشرة في خطوة تطويرية متقدمة ونقلة نوعية مميزة, وقد تم نشر خمس وعشرين شاشة عملاقة في مسارح مختلفة من برلين, سمحت لعامة الناس بمتابعة الألعاب دون دفع أي مبلغ مالي مقابل ذلك, بالإضافة لبعض الشاشات الخاصة, وتم نقل وقائع سبعين ساعة من أحداث البطولة, استعملت فيها معدات شركة (تليفونكين) وهي محطة إذاعية وتلفزيونية ألمانية أسست العام 1903.

جيسي أوينز (1980-1913)

عداء أميركي لامع, من عائلة متواضعة تعمل في الزراعة, لفت الأنظار بشكل كبير في الخامس والعشرين من مايو 1935 حين حطم خمسة أرقام عالمية وعادل سادساً في غضون خمس وأربعين دقيقة, واحد من هذه الأرقام صمد لفترة 25 سنة هو رقم الوثب الطويل 8,13م.

في أولمبياد برلين عانق الذهب أربع مرات, كسب محبة الجماهير فبات نجم البطولة الأول رياضياً وشعبياً, لم يخض أي أولمبياد آخر خصوصاً أن دورتي 1940 و1944 ألغيتا بداعي الحرب العالمية الثانية كما أنه اتهم بالاحتراف.

جاك بيريسفورد (1977-1899)

لاعب تجديف بريطاني أحرز خمس ميداليات في خمس دورات أولمبية, فضية في أنفير 1920, وذهبية في باريس 1924, وفضية في أمستردام 1928, وذهبية في لوس أنجليس 1932, وذهبية في برلين 1936, في مسابقات مختلفة, وقد حرمته الحرب من إطلالة سادسة أولمبية العام 1940, ومنح شهادة الشرف الأولمبية في العام 1949, ودرب المنتخب البريطاني في العام 1952, ولعب لعدة أندية بريطانية كما فاز بالعديد من البطولات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى