الحلقة الرابعة عشرة ..الدورة الخامسة عشرة 1952- هلسنكي تطل على العالم

> قطر «الأيام الرياضي» عن الجزيرة الرياضية:

>
بعد أن قضت الحرب العالمية الثانية على آمالها في استضافة الألعاب الاولمبية الصيفية العام 1940, نجحت العاصمة الفنلندية هلسنكي في تنظيم النسخة الخامسة عشرة العام 1952 من التاسع عشر من يوليو حتى الثالث من أغسطس في جو سياسي عالمي مشحون على خلفية الصراع الأميركي السوفياتي الصامت, خصوصاً أن هذه النسخة شهدت عودة روسيا إلى الساحة الاولمبية الدولية لأول مرة منذ 1912 ولأول مرة منذ الثورة البولشيفية في العام 1917, وكانت مشاركتها تحت راية الاتحاد السوفياتي, ونتج عن ذلك انقسام بين الوفود على خلفية سياسية فكانت السياسة حاضرة مرة أخرى لكن بعنوان جديد.

قريتان أولمبيتان

كانت الدورة الثانية عشرة في العام 1940 مقررة في العاصمة اليابانية طوكيو إلا أن الحرب المعروفة بإسم سينو-اليابانية (1945-1937), دفعت باللجنة الاولمبية الدولية لنقل الألعاب من اليابان إلى هلسنكي, إلا أن الحرب مرة أخرى كانت سببا في إلغاء الألعاب واضطر الفنلنديون الانتظار طيلة إثني عشر عاماً لتنظيم الألعاب في العام 1952, وقد فازوا بشرف الاستضافة في المؤتمر الأربعين للجنة الأولمبية الدولية في الحادي والعشرين من شهر يونيو العام 1947 في العاصمة السويدية ستوكهولم, وقد فازت فنلندا وقتها بعد نيلها 14 صوتا في الجولة الأولى و15 في الثانية مقابل 4 للوس أنجليس في الأولى و5 في الثانية شأن مينيابوليس, أما بقية المدن فكانت أمستردام, ديترويت, فيلادلفيا, شيكاغو, أثينا, لوزان وستوكهولم.

كانت فنلندا تعتبر دولة غريبة وغامضة للشعوب غير الاسكندينافية لذا عمل الفنلنديون على توجيه الدعوات لأكبر عدد ممكن من الدول لتأمين مشاركة واسعة أرادوها الأكبر وقتها, ونجحوا بمسعاهم, حتى أنهم كما سبق وذكر, تمكنوا من تسجيل عودة روسيا للألعاب عبر الاتحاد السوفياتي لكن ذلك أجج الجو العام وكانت وقتها بداية الحرب الباردة بين العملاقين السوفياتي والأميركي, أو المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي, لذا درءاً للشحن والتوتر بين البعثات المختلفة سياسيا, اضطر المنظمون أن يفصلوا في الإقامة بين البعثة السوفياتية وكل من يدور في فلكها سياسيا من دول, والبعثة الأميركية وجميع الدول الغربية, فتم إنشاء قريتين أولمبيتين, وأقام السوفيات وأتباعهم في قرية أوتانييمي والأميركيون في كابيلاي. ولم تحصل أي حادثة طيلة الدورة واقتصر التنافس السوفياتي الأميركي على المنافسات الرياضية.

جرى حفل افتتاح الدورة في التاسع عشر من يوليو 1952 في ستاد هلسنكي الاولمبي الذي كان بسعة سبعين ألف متفرج, وحمل الشعلة في مسارها النهائي في الستاد أولا العداء الفنلندي الشهير بافو نورمي الفائز بالعديد من الألقاب الأولمبية في الجري المتوسط وبشكل فاجأ الجميع كونه حرم من المشاركة في أولمبياد 1932 بداعي الاحتراف فلقي تصفيقا حارا من الجمهور, ثم أوصل لاعبو كرة قدم صغار الشعلة للعداء الفنلندي الآخر هانيس كوليماينن الفائز بثلاث ذهبيات في أولمبياد ستوكهولم 1912, 5 آلاف و10 آلاف متر اختراق الضاحية, وقام بإضاءة الشعلة الأساسية, وأعلن رئيس فنلندا وقتها يوهو كوستي افتتاح الألعاب بحضور رئيس اللجنة الاولمبية الدولية السويدي سيغفريد إدستروم..أما القسم الاولمبي فألقاه هيكي سافولاينن لاعب الجمباز الفنلندي..وشهد الافتتاح تسجيل رفع أول امرأة لعلم بلادها في الافتتاح وهي الأورغوايانية إستريللا بوينتيس.

وقد بلغ عدد الدول التي شاركت في هلسنكي تسع وستين دولة من القارات الخمس, أبرزها طبعاً الظهور الأول للاتحاد السوفياتي منذ نشأته في أعقاب الثورة البولشيفية, علماً أن روسيا كانت شاركت عدة مرات آخرها 1912, وعودة ألمانيا واليابان, أما الدول الجديدة التي شاركت فبلغت ثلاث عشرة دولة هي جزر الأنتيل الهولندية, باهاماس, كوريا الشمالية, غانا تحت إسم ساحل الذهب, غواتيمالا, هونغ كونغ, إندونيسيا, نيجيريا, تايلاند, فييتنام, وساري (مقاطعة من ألمانيا كانت تحت الحكم الفرنسي لم تعد موجودة كدولة مستقلة) بالإضافة إلى الاتحاد السوفياتي.

مثل هذه الدول 4955 لاعبا ولاعبة بينهم 519 رياضية, البعثة السوفياتية بلغت 333 لاعبا ولاعبة شأن البعثة الأميركية..واشتمل برنامج البطولة على سبع عشرة رياضة هي ألعاب الماء (سباحة, غطس, كرة ماء), ألعاب القوى, كرة سلة, ملاكمة, كانوي كاياك, دراجات, فروسية, مبارزة, كرة قدم, جمباز, هوكي على العشب, الخماسي الحديث, تجذيف, الإبحار أو الشراع, الرماية, المصارعة ورفع الأثقال, وضمت هذه الألعاب مئة وتسع وأربعين مسابقة كانت الأبرز في ختامها الولايات المتحدة التي تصدرت جدول الميداليات أمام الاتحاد السوفياتي الذي شكل حضوره الأول إنذارا لباقي الدول على أن قوة كبيرة قادمة في المستقبل وهذا ما سنراه في الدورات اللاحقة بالفعل..والملفت في ختام الدورة أن الوفد الألماني نال 27 ميدالية دون الفوز بأي لقب أولمبي.

المسابقات الرياضية

لم يكن من مجال للشك أن عداء المسافات الطويلة التشيكوسلوفاكي إميل زاتوبيك emil zatopek كان نجم البطولة الأول بفوزه بثلاث ذهبيات في مسافات الخمسة آلاف متر, والعشرة آلاف متر, والماراثون, في إنجاز هو الوحيد من نوعه في التاريخ الأولمبي حتى الآن, كما لمع السوفيات من أول مشاركة لهم خصوصا في رياضة الجمباز حيث فاز أبطالهم وبطلاتهم بشكل كاسح, وشكلت هذه النتيجة نقطة البداية لسيطرة سوفياتية عامة على الجمباز الاولمبي امتدت لأربعين عاماً تلت أي حتى سقط الاتحاد السوفياتي سياسيا كدولة, وبات النجار السويدي لارس هال أول رياضي غير عسكري فاز بذهبية الخماسي الحديث أو البنتاتلون, ولمع منتخب المجر الذهبي في كرة القدم ونال لقب المسابقة..إذ كان نجم الدورة الخامسة عشرة الأول هو التشيكوسلوفاكي اميل زاتوبيك, إنجازه المذكور سلفا والمتمثل بالفوز بسباقات 5 و10 آلا متر و الماراثون مع ثلاثة أرقام قياسية عالمية, يعد خارقا ومن الصعب جدا تكراره في أيامنا هذه, حقق بداية ذهبية الـ10 آلاف متقدماً بأكثر من 15 ثانية وصيفه الفرنسي ألان ميمون وقد سجل 29,17,0 دقيقة, الذي عاد ونافس في سباق الـ5 آلاف راغبا بالثأر إلا أنه رغم قوة المنافسة إلا أن زاتوبيك مرة أخرى حسم السباق بفارق ثماني أعشار الثاني مسجلا 14,06,6 دقيقة مقابل 14,07,4 للفرنسي, ثم بعد ذلك قرر التشيكوسلوفاكي خوض سباق الماراثون لأول مرة, لعله ساعده في هذا القرار أنه في تمارينه كان يعدو لمسافة ثلاثين كلم, ونجح زاتوبيك في تحديه هذا ففاز محققا 2,23,03 ساعتين وقد أصيب بإرهاق شديد نتيجة هذا السباق.

وفي باقي مسابقات ألعاب القوى سيطرت الولايات المتحدة كالعادة لكنها لقيت بعض المنافسة في سباقات السرعة من قبل العدائين الجامايكيين الذين نجحوا في الفوز بذهبية البدل 4×400م وسباق السبرنت الـ400م, أما باقي مسافات السرعة فأحرزتها الولايات المتحدة لدى الرجال. وفي فئة السيدات, سيطرت استراليا بثلاث ذهبيات أمام الاتحاد السوفياتي بذهبيتين, ولم تنل الولايات المتحدة إلا ذهبية البدل 4×400م, وتألق البطل الأميركي بو ماثياس وحافظ على لقبه في مسابقة العشارية محقا رقما عالميا جديدا 7887 وهو كان فاز بلقب المسابقة في أولمبياد لندن 1948, وقد حصدت الولايات المتحدة عموما 15 ذهبية.

وفي حوض السباحة الذي تم تشييده العام 1940 بسعة 12 ألف متفرج وكان معدا للغطس وكرة الماء إلى جانب السباحة, كان توزيع الذهبيات بشكل أساسي بين الولايات المتحدة والمجر أربع ذهبيات لكل منهما, فلم تدن السيطرة بشكل مطلق لبلد ما, وبرزت فرق المجر في سباحة البدل للسيدات, والولايات المتحدة في نفس الفئة للرجال, وقد تمكن البلدان من تحقيق أرقام عالمية جديدة, فقد سجلت المجريات في البدل 4×200م حرة 4,24,4 دقائق, وقد استطاعت نجمتهم إيفا نوفاك تسجيل زمن 1,05,1 دقيقة في أول مئة متر من المئتين التي سبحتها متفوقة بـ1,7 ثانية على رقم مواطنتها كاتالين زوك في مسابقة المئة متر فردي والتي أحرزت ذهبيتها, علماً أن إيفا لم تشارك في المسابقة الأخيرة.

ونجحت السباحة الجنوب الأفريقية جوان هاريسون joan harisson أن تكون أول بطل أولمبية من بلدها في السباحة بفوزها بذهبية الـ100م ظهر مسجلة 1,14,3 دقيقة.

وسجلت كرة السلة ظهورها الثالث أولمبياً, وقد شارك في البطولة عموماً 23 فريقاً, عشرة منهم تأهلوا مباشرة إلى المرحلة النهائية المؤلفة من ستة عشر فريقاً وهم أول ستة في ترتيب دورة 1948, وبطل ووصيف أوروبا العام 1951, الاتحاد السوفياتي وتشيكوسلوفاكيا, وبطلة العالم 1950 الأرجنتين والدولة المضيفة فنلندا,فيما خاضت الفرق الـ 13 الباقية التصفيات حيث صعد منها 6 فرق إلى النهائي المكون من 16 منتخباً.

وقد أحرزت الولايات المتحدة اللقب بفوزها على الاتحاد السوفياتي 25-36 في النهائي, وشاركت مصر أيضاً في دورة الستة عشر وحققت في الدور الأول فوزا على كوبا 55-66, وخسارتين أمام فرنسا 92-64 وتشيلي 74-46, وخرجت وحلت تاسعة في الترتيب العام.

وحقق لبنان في مشاركته الاولمبية الثانية أول ميداليتين أولمبيتين له في رياضة المصارعة, فقد نجح زكريا شهاب في وزن 52-57 كلغ في الفوز بالميدالية الفضية في المصارعة اليونانية الرومانية بعدما خسر في النهائي أمام المجري إيمر هودوس.

فيما نجح مواطنه خليل طه في الفوز ببرونزية وزن 67-73 كلغ عن عمر عشرين عاما آنذاك, أما مصر فقد حققت في هذه الدورة برونزية واحدة في المصارعة اليونانية الرومانية أيضا عبر عبد الراشد في وزن 57-62 كلغ.

وفي باقي الرياضات لمع نجوم المجر الذهبيين في كرة القدم بقيادة الأسطورة بوشكاش وأحرزوا ذهبية المسابقة بفوزهم على يوغوسلافيا 0-2 في النهائي.

وفي الجمباز جرت المسابقات وضمت سبع منافسات للسيدات وثماني للسيدات, حيث تألق في البطولة ممثلو وممثلات الاتحاد السوفياتي بفوزهم بتسع ذهبيات فيما تقاسمت منتخبات سويسرا والسويد والمجر الذهبيات الست الباقية, واكتسحت الولايات المتحدة ذهبيات الملاكمة بست ذهبيات, فيما لم تنل أي دولة أخرى أكثر من ذهبية واحدة, وفي رفع الأثقال كان الصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي فقط وفي النهاية آلت السيطرة للأولى بأربع ذهبيات مقابل ثلاث للدولة الأوروبية, علماً أن المسابقة ضمت سبعة أوزان وفي المصارعة اكتسح السوفيات المسابقة برصيد ست ذهبيات فيما نالت المجر أربعة ألقاب.

وقفات بارزة

هاريسون ديارد

هو عداء سباقات سرعة أميركي, من مواليد كليفلاند أوهايو 1923, وقد تأثر بالعداء الشهير مواطنه جيسي أوينز المتحدر من كليفلاند هو الآخر, فاز بين عامي 1947 و1948 82 سباقا متتاليا, فشل في التأهل لسباق الـ110 م حواجز في أولمبياد 1948, لكنه تأهل لسباق المئة متر الذي لم يكن اختصاصه لكنه نجح في الفوز بالذهبية.

ثم أضاف إليها ذهبية البدل 4×100م مع فريق بلاده وفي أولمبياد 1952 فاز بذهبية الـ110م حواجز, والبدل 4×100م, وبالإضافة لذهبياته الأربع الاولمبية اعتبر فوزه بالذهب في سباقي الحواجز والجري العادي إنجازا خارقاً.

قدر أولمبي

في أولمبياد 1924 اختير الأميركي بيل هافينز لتمثيل منتخب بلاده في رياضة التجذيف, لكنه اضطر للبقاء في الولايات المتحدة مع زوجته التي كانت حاملاً بانتظار ولادة طفلهما الثالث (فرانك), فضاعت المشاركة الاولمبية, لكن الطريف أنه بعد ثمانية وعشرين عاماً شارك نجل هافينز فرانك في أولمبياد هلسنكي 1952, وفاز بذهبية الفردي لمسافة العشرة آلاف متر في التجذيف.

فيكتور شوكارين (1984-1921)

من أوائل أساطير الجمباز الكثر في الاتحاد السوفياتي, شارك في أولمبياد هلسنكي وأحرز أربع ذهبيات في الفردي العام والفرق, وحصان الحلق, وحصان القفز, كما نال فضيتي الحلق والمتوازي, وفي أولمبياد ملبورن 1956.

وأضاف فيكتور شوكارين إلى سجله ثلاث ذهبيات في الفرق والفردي العام والمتوازي كما نال فضية الجهاز الأرضي وبرونزية حصان الحلق, وقد امتهن التدريب بعد اعتزاله كما عمل أيضا في كلية لفيف للتربية البدنية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى