الحلقة العشرون ..الدورة الحادية والعشرون 1976 منتريال تزهو على العالم

> قطر «الأيام الرياضي» عن الجزيرة الرياضية:

>
استضافت مونتريال الكندية النسخة الحادية والعشرين من دورة الألعاب الأولمبية الصيفية وسط مقاطعة أفريقية واسعة بسبب السماح بمشاركة نيوزيلاندا في الألعاب على اعتبار حضورها مسابقة رياضية في جنوب أفريقية العنصرية.

جرت الدورة ما بين السابع عشر من تموز/يوليو والأول من آب/أغسطس العام 1976 وسط تشديد أمني كبير على خلفية أحداث ميونيخ الأمنية فأنفق حوالي 100 مليون دولار لتأمين حماية الوفود. افتتحت الدورة الملكة إليزابيت الثانية، وردد الربّاع الكندي بيار سان-جان القسم الأولمبي, وموريس فورجيه القسم الرسمي, فيما أضاء الشعلة ستيفان برفونتين وساندرا هاندرسون. أما تعويذة الدورة فكانت «أميك» عبارة عن حيوان من القوارض.

سوء تخطيط

تم اختيار مونتريال لاستضافة الألعاب في المؤتمر التاسع والستين للجنة الأولمبية الدولية في الثاني عشر من أيار/مايو 1970 في العاصمة الهولندية أمستردام وسط منافسة بين ثلاث مدن فقط هي بالإضافة إلى مونتريال العاصمة السوفياتية موسكو ولوس أنجليس الأميركية وقد تفوقت موسكو بالدورة الأولى بنيلها ثمانية وعشرين صوتا مقابل ثلاثة وعشرين لمونتريال وسبعة عشر للوس أنجليس, لكن في الدورة الثانية زاد التأييد للمدينة الكندية فنالت واحدا وأربعين صوتا مقابل ثمانية وعشرين لموسكو.

واجهت الدورة قبل رؤيتها النور, أي في مرحلة الاستعداد والتحضير لها العديد من المشاكل أبرزها سوء في الإدارة والتقدير الماديين, إذ كلف بناء الصرح الأولمبي الرئيسي مليار دولار في حين أن الكلفة المقدرة كانت لا تتخطى ثلث هذا المبلغ فنتج عن ذلك توقف عن العمل فترات طويلة وتراكم وتأخير كبير. فكان أن شكلت لجنة تحقيق قضائية للنظر بالموضوع ترأسها القاضي ألبرت مالوف وخلصت التحقيقات في توجيه اللوم بقوة إلى عمدة مونتريال جان درابو وقد نشرت التحقيقات في العلن العام 1980.

ونتيجة لسوء الإدارة هذا انطلقت الدورة العام 1976، ولم تكن كامل منشآت الصرح الأولمبي قد اكتمل بناؤها بعد, فالبرج الأولمبي المائل المؤلف من ثمانية عشر طابقا بطول 168,40 مترا لم يكن قد بلغ نصف هذا الرقم المشار إليه, ولم تكن تلك المشكلة الوحيدة فالعشب الذي كسا الملعب الرئيس لم يُمد إلا في اليوم الذي سبق افتتاح الدورة أي في السادس عشر من تموز/يوليو وفعليا لم توضع اللمسات النهائية على تشييد هذا الصرح إلا العام 1987. أما ماليا وبغرابة ملفتة لم يتم الانتهاء من تسديد الدين العقاري للبنوك الذي بموجبه بنيت المنشآت, إلا العام 2006!!!

لكن بالرغم من كل تلك العثرات جاء حفل الافتتاح صاخب وحاشد جماهيريا, حضره حوالي سبعين ألف متفرج, في حضور الملكة إليزابيت الثانية التي كانت ملكة عن ستة عشر دولة مستقلة, ورئيس الكومنولث, وبيار إليوت تريدو رئيس الحكومة الكندية, ورئيس اللجنة الأولمبية الجديد آنذاك اللورد الأيرلندي كيلانين الذي خلف الأميركي افري برانديج, وعمدة مونتريال جان درابو الذي لاقى ترحيبا حارا من الجماهير.

وخلافا للدورات السابقة قام شخصان بإضاءة الشعلة الاولمبية هما لاعبة ولاعب ألعاب قوى, ساندرا هندرسون ابنة الـ15 عاما من تورنتو وستيفان بريفونتين ابن الـ16 عاما من مونتريال, في مشهد أراد منه المنظمون الدلالة على انصهار شعبي المقاطعتين الكنديتين, بعد ذلك أطلقت آلاف طيور الحمام في إشارة للسلام، وأعلن بعد ذلك على لسان الملكة إليزابيت افتتاح الدورة رسمياً.

شارك في الدورة 92 دولة منها ثلاث سجلت ظهورها الأول هي أندورا, انتيغا وباربودا وجزر كايمان, لكن الحدث الأبرز تمثل بقيادة الكونغو لمقاطعة الألعاب، شارك فيها 32 دولة أفريقية, بسبب السماح لنيوزيلاندا بالمشاركة, معتبرين أن الأخيرة التي شاركت في دورة ركبي في جنوب أفريقيا العنصرية آنذاك, لم تكترث لسياسة الدولة الأفريقية التي كانت محرومة من المشاركة الأولمبية بسبب سياستها, فجاء قرار المقاطعة رفضا للتواجد مع دولة لا تستنكر السياسات العنصرية.

وقد غادرت 22 دولة كندا قبل الافتتاح بساعات, فيما شاركت مصر وتونس والمغرب والكاميرون في بداية الألعاب ثم غادرت في اليوم الثاني, لذا اعتبر العدد الرسمي للمقاطعين 28, أما الدولتان الأفريقيتان الوحيدتان اللتان لم تستجيبا للمقاطعة كانتا السنغال وكوت ديفوار. وقد استغربت اللجنة الأولمبية الدولية هذا القرار على اعتبار أن جنوب أفريقيا محرومة أولمبيا منذ ما يزيد على عشر سنوات (قبل 1976) كما أن الركبي ليست رياضة أولمبية. ولم تكن هذه المقاطعة الواسعة يتيمة في اولمبياد مونتريال إذ رفضت تايوان المشاركة بعدما لم يسمح لها المنظمون بالمشاركة تحت اسم جمهورية الصين.

مثل هذه الدول 6084 رياضيا ورياضية منهم 1260 من الجنس اللطيف, نافسوا في إحدى وعشرين رياضة تضمنت 198 مسابقة, والرياضات هي ألعاب القوى, العاب الماء, القوس والنشاب, كرة سلة, ملاكمة, كانوي كاياك, دراجات, فروسية, المبارزة, الجمباز, كرة القدم, كرة يد, هوكي, جودو, الخماسي الحديث, تجذيف, إبحار أو الشراع, الرماية, كرة طائرة, رفع أثقال, المصارعة. تصدر السوفيات الترتيب النهائي للميداليات أمام ألمانيا الشرقية والولايات المتحدة الأميركية.

المسابقات الرياضية

شهدت المسابقات الرياضية إضافة ثلاث مسابقات نسائية هي كرة السلة وكرة اليد والتجذيف. وأقيمت الهوكي على الحشيش على أرض اصطناعية للمرة الأولى. أما أكثر الرياضيين والرياضيات بروزا في هذه الألعاب كانت لاعبة الجمباز الرومانية ناديا كومانتشيا Nadia Comaneci التي منحت بعد أدائها المميز على جهاز المختلف الارتفاع أول علامة كاملة في الجمباز بنيلها 10,0, وفي منافسات الرجال تعرض الياباني شون فوجيموتو لكسر في ركبته بينما كان يؤدي أحد عروضه لكنه أخفى خطورة إصابته للمنافسة مع بلاده في مسابقة الفرق ضد الاتحاد السوفياتي، حيث كان النزاع بين الطرفين في أوجه على الذهب.

وبرز الإيطالي كلوس ديبياسي بإحرازه ثالث ذهبية في الغطس على التوالي, شأن السوفياتي فيكتور سانييف Viktor Saneyev الذي نال ثالث ذهبية له في الوثب الثلاثي, وأحرزت البولندية إيرينا سفنسكا Irena Szewinska ذهبية الـ400م وقد بلغ مجموع ميدالياتها في مسيرتها الاولمبية السبعة في مسابقات مختلفة, وحقق الكوبي ألبرتو خوانتورينا Alberto Juantorena أول دوبليه من نوعها في سباقي الـ400م والـ800م, وبات المجري ميكلوس نيميس أول بطل اولمبي, والده كان بطلاً أيضاً, إذ فاز بذهبية رمي الرمح فيما كان والده إيمري بطلاً في أولمبياد 1948 في رمي المطرقة. ونجح الملاكم البرمودي كلارينس هيل في جعل بلاده أصغر دولة من حيث السكان (53,500 نسمة) تفوز بذهبية في التاريخ الاولمبي.

وسقطت الولايات المتحدة مرة جديدة سقوطا عظيما في ألعاب القوى بحلولها ثانية بست ذهبيات فقط, حققها رجالها, خلف ألمانيا الشرقية التي تصدرت بإحدى عشر ذهبية فيما حل الاتحاد السوفياتي ثالثا بأربع ذهبيات, وجاء تألق الألمان تحديدا في مسابقات السيدات حيث حصدن تسع ذهبيات من أصل أربع عشرة ممكنة, جاءت في مسابقات الـ200م والبدل 4×100م و4×400م, والوثب العالي والوثب الطويل, ورمي القرص والرمح ودفع الكرة الحديدة والخماسية (لم تعد موجودة وباتت سباعية). وتألق الفنلندي لاس فيرين حاصدا دوبليه الـ5م والـ10 آلاف متر للمرة الثانية بعد اولمبياد ميونيخ 1972, والفرنسي غاي درو الذي بات أول أوروبي يفوز بذهبية الـ110م حواجز والسوفياتية تاتيانا كازانكينا Tatyana Kazankina بفوزها بذهبيتي الـ800م والـ1500م.

أما من حيث الأرقام العالمية فتحقق في ألعاب القوى سبعة أرقام منها خمسة لدى الرجال في الـ800م عبر الكوبي ألبرتو خوانتورينا 1,43,50د, والـ400م حواجز عبر الأميركي إدوين موزس 47,64ث, والـ3000م موانع عبر السويدي أندريس غارديرود 8,08,02د, ورمي الرمح عبر المجري ميكلوس نيميس 94,58م, والعشارية عبر الأميركي بروس جينر 86,18م, واثنين لدى السيدات في الـ400م عبر البولونية إيرينا سفنسكا 49,28ث, والبدل 4×400م عبر الفريق الألماني الشرقي 3,19,23د.

في السباحة تنافست ألمانيا الشرقية والولايات المتحدة الأميركية على الصدارة وليس في الحوض, ذلك أن الأميركيين هيمنوا رجالاً حاصدين اثنتي عشرة ذهبية من ثلاثة عشرة ممكنة, إذ خرقهم بريطاني في سباق الـ200م صدر, فيما هيمنت الألمانيات الشرقيات على ذهبيات السيدات وحصدن إحدى عشرة ذهبية من ثلاثة عشرة ممكنة إذ خرق تلك السيطرة الاتحاد السوفياتي في الـ200م صدر, والولايات المتحدة في البدل 4×100م حرة. وعموما تصدرت الولايات المتحدة بـ13 ذهبية مقابل 11 لألمانيا الديمقراطية أو الشرقية. الأبرز كان جون نابر John Naber بحصده أربع ذهبيات وفضية وجيم مونتغومري Jim Montgomery بثلاث ذهبيات وبرونزية وأولرايك ريختر Ulrike Richter بفوزها بثلاث ذهبيات.

وفي باقي الرياضات خصوصا الجماعية منها, استعادت الولايات المتحدة الأميركية زعامة السلة أمام يوغوسلافيا والاتحاد السوفياتي، فيما نالت سيدات الأخير أول ذهبية نسائية أولمبية أمام الولايات المتحدة وبلغاريا, ونالت بولونيا ذهبية طائرة الرجال أمام الاتحاد السوفياتي وكوبا, فيما أحرزت اليابانيات ذهبية السيدات أمام الاتحاد السوفياتي أيضاً وكوريا الجنوبية, واستأثر السوفيات بذهبيتي كرة اليد رجالاً وسيدات علماً أن في الفئة الثانية كان الظهور الأول للعبة, وقبضت ألمانيا الشرقية على ذهبية كرة القدم أمام بولونيا والاتحاد السوفياتي, ونالت المجر ذهبية كرة الماء أمام إيطاليا وهولندا, ونالت نيوزيلاندا ذهبية الهوكي أمام أستراليا وباكستان.

وقفات بارزة

بطولة مخيبة

خرجت الدولة المنظمة كندا من أولمبياد 1976 بنتائج مخيبة إذا لم تحرز سوى خمس فضيات وست برونزيات, وكانت تلك المرة الأولى أولمبيا التي خرجت فيها صاحبة الضيافة خالية الوفاض من أي ميدالية ذهبية, علما أن حالتين مماثلتين حصلتا في الأولمبياد الشتوي, الأولى العام 1924 في أولمبياد شاموني الفرنسي, والثانية العام 1928 في أولمبياد سان موريتز السويسري, أما بعد أولمبياد 1976 فتكررت الحالة مرتين شتوياً أيضاً, في أولمبياد ساراييفو الصربي العام 1984 وكالياري الكندي العام 1988, لتتصدر كندا الدول أولمبياً الدول المستضيفة من حيث وضاعة النتائج!

ناديا كومانتشي

لاعبة جمباز رومانية أسطورية, شاركت في أولمبياد مونتريال عن عمر 15 عاماً. باتت حينها أول من حقق النقاط العشر الكاملة وذلك على الجهاز المختلف الارتفاع. نالت بين أولمبيادي 1976 و1980 في موسكو ما مجموعه تسع ميداليات, خمس ذهبيات وثلاث فضيات وبرونزية. أخذت شهرتها تذيع منذ بطولة أوروبا العام 1975 حين فازت بأربع ذهبيات. مع الوقت أعاق نموها البدني أداءها في الجمباز الذي غالباً ما ينجح فيه اللاعبون أو اللاعبات ذوي الأحجام الصغيرة. اعتزلت العام 1981. وبغرابة وبالرغم من تفوقها نالت لقبين عالمين فقط في عارضة التوازن والفرق عامي 1978و1979 على التوالي. تركت رومانيا العام 1989 وانتقلت إلى أميركا حيث تزوجت البطل الاولمبي في الجمباز بارت كونر وعملا سوياً حيث أعطيا دروساً في الجمباز.

شون فيجيموتو

لاعب جمباز ياباني نافس في اولمبياد مونتريال 1976, تعرض لكسر في الركبة أثناء عرضه على الجهاز الأرضي, لكن بسبب احتدام المنافسة مع الاتحاد السوفياتي على ذهبية مسابقة الفرق أخفى مدى خطورة وصعوبة إصابته, فنافس بركبته المكسورة على جهاز الحلق، حيث قدم أداء ممتازاً نال إثره 9,7 الأمر الذي منح بلاده ذهبية الفرق, علماً أن إصابته تفاقمت أثناء مرحلة الهبوط. سئل بعد سنوات عن إمكانية تكرار ما فعله في مونتريال أجاب «كلا لن أكرر ذلك».

نيكولاي اندريانوف

لاعب جمباز سوفياتي, تاريخه الأولمبي غني بغنى تاريخ بلاده السابقة, يحمل أكبر عدد من الميداليات الأولمبية بين الرجال في المسابقات المختلفة (15 ميدالية), كما يحمل العدد الأكبر من الميداليات بين الرجال في المسابقات الفردية (12), كان في عداد الفريق السوفياتي الذي نال فضية الفرق في أولمبياد ميونيخ 1972 حيث حل رابعاً على أربعة أجهزة في المسابقات الفردية ونال ذهبية الحركات الأرضية وبرونزية الحصان. لكنه في اولمبياد 1976 وصل إلى ذروة عطائه حيث نال فضية ثانية في الفرق وذهبية الفردي العام بفارق شاسع كان الأكبر في 42 عاماً, ثم نال خمس ذهبيات على مختلف الأجهزة. يعتبر لاعب الجمباز الوحيد الذي فاز بثلاث ميداليات على الحصان وبثلاث في الحركات الأرضية أي على الجهاز الأرضي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى