عثمان عبدربه .. ومنلوجات لاتنسى !

> «الأيام» أحمد المهندس:

> في رمضان المنصرم شرفني بزيارتي في منزلي المتواضع في جدة الفنان والشاعر الرائد عثمان عبدربه مريبش، وأهداني كتابه الموسوم بـ (بالحراوة ياعيلة)، الذي ضم بين دفتيه المنلوجات الاجتماعية الغنائية التي قدمها على امتداد مسيرته الفنية التي بدأت من خمسينيات القرن المنصرم.. وقد عرفني عليه أحد الأصدقاء الأعزاء ممن يعرف اهتمامي بفن اليمن وأهله.

وانتهز فرصة قيام الفنان عبدربه بزيارة المملكة العربية السعودية للعمرة وطاف به على الأصدقاء والمحبين لعطاء هذا الفنان الرائد.

وقد سعدت كثيرا بتلك الزيارة الرمضانية، وكانت ليلة جميلة قضيت سويعاتها مع هذا المبدع مربي الأجيال، الذي جعل تلاميذه من خلال منلوجاته التربوية الهادفة.. يظنون بأنها من الحصص الدراسية المشوقة التي توازي حصص أسبوع دراسي كامل:

قالوا مدرس وحطو الناس يشنوني

مايدروا أني على الفاشوش مديوني

ولم يكتف هذا الفنان بتأليف وتلحين وأداء المنلوجات، بل قدم أكثر من عشر مسرحيات كوميدية.. وإيمانا منه كمدرس يعود أهمية العلم ودوره في حياة الإنسان وتطوره عاد إلى مقاعد الدراسة في ألمانيا ليحصل على دورة قصيرة في الإخراج المسرحي.

وفي هذا اللقاء الممتع مع شخصية بقامة الأستاذ عثمان عبدربه تعرفت على مشواره التربوي ومساهماته الجادة في تخريج أجيال أصبح لها دورها في بناء الوطن من خلال أكثر من مسؤولية ونشاط وتطور.

وعن فن المنلوج الذي كان من رواده بعد الفنان فؤاد الشريف.. الذي أصبح مجهولا ومعدوما من التداول .. والدور الرائع الذي قدمه للمجتمع فقد كان أشبه بوسيلة إعلامية شاملة.. ومن خلال الكلمة الساخرة قدم التوجيه والنصح، وبين للناس الطريق الصحيح في الحياة.

فمن ذا الذي لا يذكر على امتداد الأجيال أول منلوج تم تسجيله له في إذاعة عدن في الستينيات الميلادية، عن غلاء المهور ومعاناة الشباب للاقتران ببنات الحلال وإكمال نصف دينهم مع ضيق اليد.

وكان منلوج (بالحراوة ياعيلة) الذي تصدر كتابه عنوانا.. صرخة احتجاج على لسان كل شاب وشابة :

طول عمري وأنا أشقى

بالحراوة ياعيلة

جيت لاعند أبوها

جاب هدرة طويلة

قال هيا تفرتش

لامعك شيء دويلة

ومن ذا الذي لا يذكر منلوجه الخالد الذي مازال يُردد عن (شهر العسل في بصل)، وتزمت بعض الآباء من رؤية الخطيب لخطيبته، رغم أن الشرع سمح بذلك، وكانت من كلمات أحمد الحسيني ولحن وأداء عبدربه.. هذا المنلوج الذي كان له أثره الناجح في معالجة وطرح هذه الظاهرة والمشكلة على بساط البحث في المجتمع.. وساعد في تغيير الآباء والأسر لفكرهم القديم في مـنع المشاهدة :

أمي العزيزة وبوي ذي هم يحبوني

قالوا نبا بنتفرح بك وحرووني

تفرحوا هم ونا للويل زفوني

على وليدة دوع رخيص باعوني

لا خيروني ولا نا شفت بعيوني

ملا على وصفوهم بالوصف غشوني

قالوا وليدة حلا ماهي من الدوني

اللون فُلي وأما العرف حنوني

إلى آخر الكلمات واللحن الرائع السلس، الذي لا يقل روعة عن صاحبه وأدائه.

أو ذلك المنلوج عن المشكلة الأزلية (القات) وما يسبب من مآس إنسانية .. الذي حمل نصيحة تربوية راقية بالامتناع عن مضغه حماية للجيوب والأسر من الضياع وهدر الوقت بما لا يفيد:

ياراجل تراجع يالوماه عليك

قع إنسان يكفي ما قد مرعليك

وها بوي هكة قد زادوا عليك

أوبه من ضحك لك با يضحك عليك

لقد كان فن المنلوج الذي أصبح نادرا واختفى ليس في اليمن وحسب، بل في العديد من دول العالم العربي برحيل رواده واعتزال الأحياء منهم، بعد أن تعددت وسائل الإعلام .. وأصبح المنلوج غير مطلوب في عصر الفضائيات وأغاني الفيديو كليب.. مع أن هذا الفن الجميل في اعتقادي هذا زمانه ومكانه، بعد أن تغيرت العديد من العادات، ونسي وتناسى الناس الكثير من قيمنا وعاداتنا العربية والإسلامية، وأخذهم تيار الغرب والتطور السريع، وهم في حاجة إلى منلوجات تتفق وعصر الانترنت والتقنية، توضح لهم معالم الطريق ومعالجة المشاكل والعادات والخطأ في التعامل والأسلوب الأمثل للحياة بين الناس.

لقد أعادني الفنان والتربوي الشاعر والملحن الرائد عثمان عبدربه إلى زمن الفن الجميل.

وقد أسعده أنني أعرف بعض تلك المنلوجات والألحان التي قدمها في مشواره الفني ومتابع .. وطال حوارنا وتعددت معه ذكريات جميلة لأعمال خالدة لا تنسى في وجدان أجيال وأجيال لرواد المنلوج على امتداد خارطة الوطن العربي.

وحسنا فعل أن ضم كل إبداعاته ومنلوجاته التي قدمها على امتداد تلك السنوات في كتاب للتوثيق والقراءة.

ومن خلال هذا المنبر الإعلامي صفحة الفن في «الأيام» أدعو المسئولين في الفضائية (اليمانية) أو قناة اليمن الفضائية إلى إعادة إذاعة إبداعات ومنلوجات هذا الفنان أو إعادة تسجيلها مرة أخرى بصوته وبأصوات شباب جدد من نجوم المنلوج ومحبيه .. لأنها أصبحت من تراث الفن والثقافة اليمنية .. وإجراء لقاء موسع مع الفنان عثمان عبدربه ليحدث الأجيال عن مشواره في التدريس وفن المنلوج، وتكريمه من جهة فنية وثقافية نظير ما قدم من أعمال وريادة .. حتى لا نردد معه حزنا على التجاهل والجحود للرواد:

لا ترقيه لا .. ولا تدريب ودوني

إن كان طيب .. كلام معسول يسقوني

الناس دي تبعتي راحوا وخلوني

وأنا على رقدتي لمنود عروني

صحفي وأديب سعودي- جدة

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى