اللاجئون في اليمن يصارعون الموت في رحلاتهم والفقر في مخيماتهم

> «الأيام» كفى الهاشلي:

>
اللاجئون الصوماليون في اليمن ... قصص لاتنتهي من العذاب تبدأ بمصارعة الموت في عرض البحر بعد رميهم فيه وتحط رحالها بروايات متعددة لأطفالهم وشيوخهم ونسائهم وشبابهم الباحث عن العمل ، يكتوون بنار الحرب فيفرون منها بعد أن فقدوا معنى الأمان في بلدهم ليجدوا حالهم كالمستجير من الرمضاء بالنار .

احتفل شبابهم هذا العام مع الشباب اليمني بمناسبة اليوم العالمي للشباب، وامتزجنا معهم شبابا وإعلاميين ورقصوا وغنوا لنا في مخيمهم وهم يخفون كره المكان بحره وريحه ويحبسون دمع الحزن ويبتسمون لتستمر الحياة ، شاركناهم الفرحة وسمعنا أصواتهم المرحة رغم كل شيء، لكننا في المقابل شاطرناهم الإحساس بقسوة الحياة المحيطة بهم .

ولأن لكل طريقته الخاصة في الفرح والحزن قررنا أن نسطر عن هذا اليوم بلمسات بسيطة من واقع الحياة المرة في مواقع وجودهم في عدن .

بعد ساعتين وخمس دقائق نالت الشمس والرياح منا ما فيه الكفاية حتى وصلت مدينة البريقة والإرهاق يلازمني، ساعتان أنهكتاني جسدياً، غير أن الأمر الذي نال مني أكثر هو تصفحي ذكريات مشاهد الرحلة القاسية الرائعة في آن واحد وتذكرت زميلتي فردوس عندما تحكي معاناة اللاجئين بعد كل رحلة ذهاب إلى مخيم اللاجئين بخرز وتخط بحبر قلمها المشاهد المؤلمة فهنيئاً لها هذا الصمود الكبير وهي ترى أكثر مما رأيت، فهز كياني .

مخيم خرز المكان الذي تشق له الأنفس عند الذهاب إليه وتفرغ الطاقة والحماس لمن يأتيه بغية العمل الإعلامي لتحقيق مطول توظف به لقطات من أيام حياة اللاجئين هناك، فكل شيء من حرارة ورياح تمتص شيئا اسمه إنسان، وقد تُحبط الآمال في رؤية مستقبل أفضل، ويبقى الحظ حليف من يناله إلا أنه مرهون بقوة الإيمان ورباطة الجأش كالتي تتمتع بها زوجة محمد التي تحدثت معها بعد أن تركت الناس يحتفلون بيوم الشباب العالمي مع شباب الصومال ، زوجة محمد ارتبكت من زائرة تدخل بيتها المتواضع وكانت تردد على مسمعي، أيش تشتين ؟!

فقلت : أشـتي أسـلم وأجلس مـعكم قليل .

وعندما بادرت بالسؤال عن حياتهم ووضعهم قالت بسرعة قبل انتهائي من الحديث: احنا تمام مافي مشكل نأكل ونشرب مافيش أي حاجة .

استفهمتها عن الخوف والقلق علام؟ فردت بأن الناس تحتفل هناك - أشارت لخيمة الاحتفال التي تبعد عن منزلها بحوالي 200 متر وكأنها مدركة أن حضوري لا علاقه له بالاحتفال فكلماتها المتقطعة وبريق عينيها الذي يلاحقني وأنا أتسلل النظر في ذلك الكوخ البسيط الذي تسكن فيه الأسرة السداسية الأفراد والمعتمدة على 500 ريال من بيع شاي ، جعلتها تنطق «أنت تعرف حال الصوماليين نأكل ونشرب الحمد لله نتعب مش قادرين نعيش تمام، لكن الله كريم» صارحتها بأني صحفية، فهرول رب العائلة ليحدثني عن ماحصل لهم بعد المقابلة الأولى التى أجرتها فتاة عربية ضمن وفد من المفوضية ، لكن زوجته قاطعته:«هذي واحد ثاني» كان نظره قد خانه لأني يمنية ولست عزيزتهم الأجنبية ذات الأصل العربي .

أما زوجته فعرفت أنني يمنية وأعطتني المفيد وهو الخوف الذي يعيشه اللاجئون في المخيم، حيث لايستطيع أحد أن يتفوه بما يعاني، فالمشتكى لهم يرحلون ويبقى الصوماليون عرضة للخطر في بلد فتح ذراعيه لهم، لكنه قصر بحقوقهم وأجحف في عزلتهم .

ولاعجب فحياة اللاجئين بخرز قاسية قسوة البيئة التي وفدوا منها وقدموا إليها فمبانيهم من الأخشاب والقش والبعض من الطوب والأسمنت كلٌ حسب حالته وسوقهم لا يجمع إلا الكثرة من الطلبات والقلة من المشتريات، فالكم والنوع قليل في هذا المكان إلا المعاناة وحدها هي المـتوفر والحاضر الأكبر .

الدخول إلى خرز محكوم بخط واحد للمنطلق من مديرية البريقة المقابلة لعدن وعند مفترق طريق فقم - عمران سيكون المسار الأيمن هو اتجاه الرحلة التي تستمر ساعتين وخمس دقائق لمركبة تسير بسرعة 130كم بينما يقطعها الفارون من ضنك العيش سيراً على الأقدام ليتخطوا ثلاث نقاط في الطريق يمشونها بلا ضجر أو كلل بعد رحلة مع الجوع في المخيم وأخرى مع الموت في البحر ليالي رحلة النزوح إلى اليمن.

برفقة لهيب الشمس وشدة الرياح وبحراسة الرمل الذي يغطي المار بين الحين والآخر معلناً استمرارية الحراسة المشددة يتوقف اللاجئون في رحلتهم هذه بين الفينة والأخرى بسبب العطش ولن ينالوا الماء بكل سهولة، فالوقوف في الصحراء تلك لن يحدث إلا على مقربة من البدو الرحل أو بعض السكان الذين تكتلوا منذ سنوات طوال في المكان لا ملامح لحياتهم إلا إذا توغل المسافر في تلك الصحراء يمين الخط العام حينها سيجد بيوتهم هي الأشجار وأغصانها هي سقوف منازلهم المرقعة بالرقاع أو الموضوع عليها بعض الزنك والحطب تجمعهم بئر واحدة يجلبون منها الماء بالحبال وحياتهم أشبه بالجحيم، فما بال اللاجئ المستغيث بهم من العطش !

يمرون بضواحي البريقة البعيدة والبدائية وحين يصلون البريقة بعضهم يقرر العمل في مسح السيارات، وآخرون يزاولون الشحاذة وأما الكثرة منهم فهم يشدون الرحال إلى منطقة البساتين في مديرية دار سعد، حيث يتمركز أكبر تجمع سكاني قديم حديث في آن واحد .

زقاق الحياة لايفتح بصيص أمل للفارين من خرز فالعائلات متراكمة والأكواخ لا تفي بالعدد والبطالة سبب في حلول العديد منهم بشوارع عدن باحثين عن لقمة العيش سواء من الشحاذة أو السرقة وغالباً ما يكون مصيرهم المحتوم خلف قضبان السجون .

مرارة الحياة تشرع أمام اللاجئ كل وسيلة في سبيل البقاء على قيد الحياة، فحمدية بنت السبعة عشر عاما بعد أن ألقى القراصنة الصوماليون بها وأسرتها وأصدقاء لها في عرض البحر نجت وصمدت رغم كل مالقيت من أذى .

فبعد رحلة النزوح التى يذهب ضحيتها العشرات من الصوماليين والإثيوبيين عند رميهم في البحر بالقرب من السواحل اليمنية تعود قوارب التهريب أدراجها ملتقطة أي صيد ثمين من السفن الأجنبية أو العربية لابتزازها وطلب الفدية كوسيلة للكسب السريع للمال وهو أمر حافل بالمخاطر، وقد لا تتوانى عن قوارب يمنية قد تستفيد منها برحلة تهريب للبشر .

تقول حمدية إن فقدانها عائلتها وأصدقاءها ووصولها إلى الشواطئ اليمنية بمساعدة الصيادين كانا الخطوة الأولى ثم حظيت بامرأة كريمة قامت بتربيتها وكانت تهتم بها كابنة لها إلا أن وفاتها دفعت حمدية للبحث عن العمل والقدوم إلى منطقة البساتين .

قامت بالعمل كعاملة نظافة في (سوبرماركت) بعدن إلا أن تعرضها للإساءة من ابن مالك السوبرماركت عندما حاول التحرش بها جعل ها ترحل بعيدا عن المكان لطلب الرزق وكانت البيوت هي البديل فعملت خادمة وطوقت نفسها بالنجاة من مكر الثعالب وسواد الليالي ، مع صديقتين لها تعيشان في غرفة بالبساتين تأوي إليها عندما يسدل الليل ستاره بعد كل يوم عمل .

سعيد الذي أملت أن يكون دليلي في البساتين وخرز كان الحظ حالفه بعمل جديد بعد سنوات أمضاها يبحث عن حلول لمشاكل إخوته الصوماليين في أقسام الشرط بسبب فقدانهم فرصة الحصول على عمل بمجتمع لم يكفل لأبنائه الوظيفة فما بال اللاجئين فيه فيذهب الكثير ضحية السرقات ويكتوون بنار الجوع أو السجن ، كما كان يلاحق مشاكلهم في البحث عن العلاج ويأمل في كل باب يطرقه حلا لطفل أو امرأة تعاني علة ما في جسدها.

بالعودة إلى مخيم خرز، حيث أقيم احتفال باليوم العالمي للشباب وجدت الشباب انقسم إلى ثلاثة أقسام يترحم لهذا الشعب الذي قهرته سياسة الحرب الدائرة رحاها بيد رؤوس مفرغة تماماً من الحب والمسئولية والرغبة بالسلام وظلوا يلعنون ذاك الوضع، وآخرين صبوا غضبهم على المنظمات التي يجب أن تلتفت لللاجئين بصدق وتهتم بهم، والقسم الأخير بقي يثني على اللاجئين صبرهم ويأمل من اليمن أن تصون حقهم في الحياة الكريمة في ظل الدعم المتوفر لهم .

الشجر كان حاضر الحفل، حيث سلمت شجيرات صغيرة للاجئين من الشباب اليمني علها تنمو باجتهاد المخلصين ليعم الخير على الشباب الصومالي واليمني .

الرقصات والكلمات الصومالية وخاصة عندما غنى الأطفال النشيد اليمني جعلني أتذوق كلماته لأول مرة، حتى أنني شككت بنسياني إياه بسبب إفراط الأمل بلا جديد يبدد الألم، وكان النشيد رائعا بصوت الصغار ورسالة حب وسلام وأخوة عربية تمنيت لو يدرك الحكام معناها ويتحول الحلم العربي إلى واقع .

نشد الرحال فنعود إلى البيت إلى عملنا إلى أهلنا إلى مجتمعنا ويبقى اللاجئون بعيدين عن أوطانهم في عزلة مفروضة وبعمل مفقود وبرزق يحلمون من أين يأتون به، ويبقى الحال على ما هو عليه بالنسبة لهم، ولكن الله وحده يعرف متى وأين وكيف سيتغير الحال إلى الأفضل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى