في ندوة نقدية تحليلية لمشروع التعديلات الدستورية في المركز اليمني للدراسات واستراتيجية المستقبل

> صنعاء «الأيام» بشرى العامري :

> تواصلاً لوقائع الندوة نقدية تحليلية لمشروع التعديلات الدستورية التي نشرها جزئها الأول أمس وفيما يلي الجزء الثاني والأخير منها.

استعرض الأستاذ أحمد عبدالله الصوفي، الأمين العام للمعهد اليمني لتنمية الديمقراطية، القضايا الأساسية في التعديلات الدستورية مطالبا أن يكون هذا آخر تعديل للدستور «الذي يكاد أن يكون انقلابا كاملا على الدستور» مشيرا إلى أن مفهوم الدستور في هذه التعديلات« ما زال غائباً ومازالت مواد التعديل تتجاهل أنه قانون أعلى للدولة وأنه يحدد أسس نظام الهيئات وأنشطتها وهو في الأخير لا يخضع للقلق التشريعي ولا يحوي عملية إخضاع الهيئات للقانون». وأضاف:«أتت التعديلات الدستورية من أجل تطوير آليات عمل هذه المؤسسات لكنها في الحقيقة تكرس الإرباك وربما لا أجانب الصواب إذا قلت إنها ستعقد الفوضى وتشرعن الارتجال ولن تحمي في آخر المطاف هذا الدستور حتى وإن عدل فلا بد من الحاجة إلى تعديل آخر خلال أمد زمني قريب»، وقال:«لقد اقتبس من أعد المشروع تقنية سائدة في الدول الديمقراطية (نظام الغرفتين التشريعيتين) وهذا أمر حسن لكنه في القوالب القانونية والمواد المتصلة بالصلاحيات تجاهل الأمور التالية :

إن نظام الغرفتين يكون فعالاً في بيئة مؤسسية واضحة المعالم وتكون عوائقها كبيرة في ظل النظام الرئاسي، وفي ظل استقلال فعال للسلطة القضائية لكن المشروع تجاهل هذا الأمر في أكثر من ناحية.

صلاحيات المجالس الثلاثة (النواب - الشورى - الأمة) جعلها متنامية عند التئام المجلسين ليعطي مجلس النواب مركزا أول ويصبح مجلس الشورى ملحقاً بمجلس النواب من حيث نطاق الصلاحيات التشريعية التي يتمتع بها داخل مجلس الأمة دون أن يراعي حقيقة أن مجلس الشورى لايتمتع بأرضية شعبية تخوله امتلاك هذه الصلاحيات لينتهي بنا الأمر إلى اكتشاف أن التوازن بين السلطة والتكامل والاتساق غائبين بل نواجه تنازعاً للسلطات في المادة (85) حيث نرى مجلس الشورى منفرداً يقف وحيداً أمام مجلس النواب وهنا نلاحظ أن المُشرِع أخطأ في فهم التجربة الأمريكية في حال اجتماع المجلسين (الشيوخ والنواب) المنعوت بالكونغرس أي المؤتمر التشريعي فيما أطلق المشرع صفة التمثيل للأمة متجاهلاً ثوابتنا العقدية والقيمية وإيماننا بأننا كما ورد في الدستور وفي المادة الأولى منه أن الشعب اليمني جزء من الأمة العربية والإسلامية. فكيف أصبحنا أمةً فيما ما يزال رئيس الجمهورية رئيساً لشعب ودولة هي جزء من الأمة ؟

تستوقفنا شروط العضوية في المجلسين (النواب - الشورى) فالأول لا يشترط سوى القراءة والكتابة أما الثاني فبالإضافة إلى ذلك أن يكون لديه خبرات، وإذا عدنا لترجمة هذا النص وقابلناه لهدف رسالة الأخ الرئيس من هذه التعديلات القاضية تطوير المؤسسة التشريعية فإننا سنجد أمامنا حقيقة قاسية هي أن المؤسسة التشريعية حكرٌ على الأمية فيما مؤسسة الشورى وعاء يحتوي ما تلفظه الوزارات ومجلس النواب ومن يُقصون من مراكزهم في المحافظات والهيئات الدبلوماسية و بالتالي نحن إزاء تأطير المؤسسة التشريعية لتلبية حاجات التخلف وليس التقدم، فلابد من مراجعة شروط العضوية في المجلسين بالإضافة إلى المتطلبات السياسية ، كما أن من الضروري إضافة بعض المتطلبات المتصلة بالمهارة التشريعية الهادفة إلى تطوير النظام.

الصوفي:التعديلات تكرس الإرباك وتشرعن الارتجال وستعقد الفوضى ولن تحمي الدستور

دور مجلسي النواب والأمة هذان المجلسان يمثلان قيداً على نشاط حكومة تعتمد على المساعدات والمعونات التي تتطلب سرعة البت فانعقاد مجلس الأمة من شأنه أن يعيق سرعة إقرار القوانين والاتفاقيات والعقود الأمر الذي يستدعي تغييراً في دواعي اجتماع المجلسين فبدلاً من أن تكون لأغراض التشريع لابد أن تكون لأغراض رسم السياسات أو لأغراض الرقابة على الحكومة أو محاسبة أحد أفرادها ، ولكي يتحقق ذلك لابد من إعادة صياغة شخصية المؤسستين وتوزيع السلطات بينهما بشكل متوازن على أساس أن يتولى مجلس النواب- مثلاً- تأسيس صحيفة اتهام الوزير أو أعضاء الحكومة فيما يتولى مجلس الشورى مع السلطة القضائية التحقيق في ذلك الاتهام أو إجراء المحاكمة . إن بقاء تنازع السلطات بين المجلسين لايمكن لمجلس النواب أن يحله بل يفرض على هذا المجلس الغرق طواعية في مناقشات عقيمة تجعل من هذا التطوير يتحول إلى إعاقه وتأخير ، إذ بقاء المؤسسات الرقابية على المال خارج سلطة البرلمان والمؤسسة التشريعية يعد واحداً من المطالب الجوهرية التي ستدفع بدور المؤسسة التشريعية إلى الأمام في الرقابة على الأداء الحكومي وحماية المال العام .

إن قوام مجلس الشورى ومصادر سلطته التشريعية تستدعي المراجعة بل أن الهدف من توسيع صلاحياته باعتباره بيت خبرة تستلزم مراجعة القوام وتغيير مصادر اكتساب الشرعية كأن ينتخب (%51) من قوامه من الشعب فيما يُعين رئيس الجمهورية (%49) شريطة أن تكون معايير التعيين والترشيح متطابقة ويراعى فيها بصورة خاصة الغاية النوعية من وظيفته».

وأضاف:«تشير المادة (80) إلى أنه لا يجوز الجمع بين عضوية مجلسي النواب والشورى أو عضوية أي منهما وعضوية المجلس المحلي أو أي وظيفة عامة لكنها تختم بالتالي :(ويجوز الجمع بين عضوية مجلس النواب ومجلس الوزراء) هنا يحدد المشرع بصريح العبارة أن مبدأ فصل السلطات التنفيذية والتشريعية قد ألغي وأصبح بإمكان عضو مجلس الوزراء أو عضو مجلس النواب أن يكون متنقلاً ومتحرراً من تلك الحدود التي تميز الدساتير ويصبح بالتالي كل عضو في مجلس النواب أو الوزراء هو المشرع وهو المنفذ.. هو المحاسِب وهو المحاسَب. ومن هذه الإرباكات المادة (79) التي تنص على النقيض من ذلك أو توصي بذلك حين تستخدم كلمة لا يتدخل في أعمال السلطتين التنفيذية والقضائية من قبل عضو مجلس الأمة فإذا كان عضو مجلس النواب يحق له أن يكون عضواً في مجلس الوزراء، وإذا كان مجلس الأمة يتكون من عضوية المجلسين فهل هذا يعني أن الجمع هناك والتدخل هنا يعنيان شيئين مختلفين ؟ أم أن ركاكة الصياغة جعلت لا يجوز لعضو مجلس الأمة أن يتدخل في الأعمال التي تكون من اختصاص السلطتين يرمي إلى الحد من الوساطة ، فهل القلق من الوساطة والتدخلات الفردية تستدعي إيراد مادة في دستور دولة؟

من مظاهر تداخل السلطات المادة (68) والمادة (139) والمادة (93) جميعها أدلة قوية على تداخل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وإقصاء أو حلول مكان السلطة القضائية . فالمادة (68) من مشروع التعديلات تخول مجلس النواب بدلاً عن القضاء إقرار صحة عضوية أعضائه في موضوع يتصل بقضية انتخابية سياسية يفترض أن يكون القضاء بين المختلفين حول مشروعية التمثيل في البيان من صلب مهامه، لكن المجلس يتولى هذا الأمر باعتباره سلطة متكاملة وليس جزءًا من السلطات تزكي شرعية عضوية أعضائه بنفسها. أما المادة (139) فتُخوِل رئيس الجمهورية ومجلس الأمة محاسبة وإحالة رئيس مجلس الوزراء للمحاكمه رغم أن رئيس الجمهورية يمثل رأس هرم السلطة التنفيذية. أما المادة (93) فتمنح مجلس النواب سلطة سحب الثقة من الحكومة وهذا يتعارض مع حقيقة أن مجلس الأمة هو أعلى سلطة تشريعية ورقابية للدولة ، ومن التعارضات العصية على الاستيعاب تلك المتصلة بالمادة (101) التي تمنح رئيس الجمهورية ضمن ضوابط محددة حل مجلس الأمة لكن المادة تقضي بدعوة الناخبين لانتخاب مجلس جديد للأمة والمعروف أن المجلسين (الشورى والنواب) يتم انتخابهما بطريقتين مختلفتين ومن مصدرين مختلفين فكيف يستفتي الشعب الذي انتخب جزءاً من مجلس الأمة (النواب) وكيف يدعى الشعب لانتخاب مجلس أمة جديد ، وثلث المجلس أو أكثر ينتخب من هيئة منتخبة ومعينة.

ومن التعارضات الصادمة بين السلطات، هناك شكل آخر يتمثل في تبلور ثلاث هيئات تشريعية هي مجلس النواب، ومجلس الشورى، ومن اجتماعهما يتكون مجلس الأمة. وإذا كان مجلس الأمة حسب الدستور يمثل الشعب اليمني كما يمثل مجلس الشورى المحافظات، بتمثيل متساوِ، فمن يمثل مجلس النواب في هذه الحالة المنفردة؟ كما أن العدد الإجمالي لأعضاء مجلس الشورى إذا كان حسب مشروع التعديلات سيتكون من (131) عضواً يشتمل على الـ(%25) الذين سيعينهم الرئيس فإن هذا العدد إذا ضُم إلى عدد أعضاء مجلس النواب المكون من (301) عضو فإن مجلس الشورى في هذه الحالة سيمثل أقلية كمعبر عن المحافظات. وإذا كانت القوانين ستقر في إطار مجلس الأمة فإن إرادة مجلس النواب ستبقى مهيمنة ولا يكون وجود لمجلس الشورى كخبرة وكعمر وكممثل لمصالح المحافظات أي وزن يُذكر ، ناهيك أن تشكيل مجلس الأمة الذي أتى بهدف تجويد القوانين وتفعيل المؤسسة التشريعية وتسريع وتيرة النشاط التشريعي فإن الواقع وما يعرضه المشروع من خطوات لحركة القوانين التي تبدأ في مجلس النواب أو الشورى ثم تُحال إلى الأخير لتنتهي ثالثاً لمجلس الأمة الذي يقرها في وقت قياسي ربما أكثر من أي دولة في العالم لأننا إزاء حالة استثنائية يلعب العُمر والمصلحة والخبرة والمعرفة بين جيلين أو أكثر دوراً في تعطيل سرعة بت وإصدار وإقرار القوانين. ويمكن للقارئ للمشروع أن يتبسم حين يقرأ هذه الفقرة من المادة (75) (عضو مجلس الأمة يمثل الشعب) كيف لمفهوم الأمة أن تكون معبرة عن الشعب إلا إذا كان المجلس ممثلاً لنطاق أوسع من الجمهورية اليمنية أو أننا بصدد ضم دول أخرى تحت سيادتنا فلابد أن تكون عربية حتى يستقيم المعنى ويكون هذا المجلس لا يعبر عن الدولة الحالية بل عن دولة محتملة قادمة وهذا يندرج ضمن الصياغات الركيكة والتعبيرات المبهمة والإنشاء الخالي من الرصانة والتماسك كالمادة (62) في المشروع نفسه. إن المثال الصارخ على تداخل الصلاحيات والسلطات هو المادة التي تلزم المجالس المحلية تقديم المشروعات والخطط لمجلس الأمة لإقرارها ، والمجالس المحلية هي إحدى السلطات التنفيذية».

موضحا أن مسامات جهاز الدولة «ستظل تعاني من الانسداد وتعمل على تغذية حاجتها من المشرعين من داخل هذا الجهاز بالإضافة إلى أن شروط العضوية في مجلس النواب وكذا الشورى هي أقل فاعلية من شروط عضوية مجلس محلي ، وهذا أمر لا يؤدي إلى تحقيق الهدف الرئيس من هذه التعديلات».

مشيرا إلى أن وزن ودور مجلس الشورى كبيت خبرة «ينتفي عند الجمع بين الهيئتين بسبب العدد وبسبب نوع الشروط للعضوية القائمة على مصدرين مختلفين أو متعارضين ما يجعلنا نجزم أن الهدف من إحداث نظام غرفتين هنا قد سقط نهائياً»، قائلا:«الذي نراه في التعديلات غرفة رئيسية وبهو أو ممر ملتصق بها وهذا ناتج عن نقص بيّن في ثقافة توزيع السلطات بل وسوء في استعارة تجربة نظام الغرتين كما هو معمول بها في النُظم الديمقراطية». وقال:«التعديلات الدستورية حملت في المجال التنفيذي تغييرا في هياكل السلطة التنفيذية فبدلا من بنيتها الراهنة القائمة على رئاسة الجمهورية والحكومة فإن التعديلات تقترح إنشاء هيكل ثالث هو نظام الحكم المحلي كجهاز تنفيذي محلي وهو عنصر جديد ومرغوب إلاّ أن نطاق حريته ومسؤوليته وتداخل العلاقة مع مجلس الأمة قد أضفى على المشروع إرباكا غير محمود ، فتوسيع الصلاحيات للسلطة المحلية لايعني بالضرورة نشوءاً للحكم المحلي، فالحكم المحلي ضمن التجارب الدولية يعني شيئا أكثر من ذلك ويكرس لأهداف تنموية صرفة، الأمر الذي يجعلنا نلفت النظر إلى أهمية مراجعة هذا الباب حتى تتخذ هذه المفاهيم صورتها وهيئتها الطبيعية، خاصة وأنه دستور وليس قانوناً».

إلى هذا عقب الأستاذ عبدالرحمن الجفري رئيس حزب رابطة أبناء اليمن (رأي) على ذلك بالقول بأن الإشكالية «هي في التحدث عن النتائج دون الاتفاق على الأسس وعن نظام الحكم الذي نريد». ورأى أن يتم تحديد مفاهيم يجب الاتفاق عليها قبل أي تعديل دستوري وهي نظام الحكم والدولة وماذا يراد للمرأة ثم يتم التحدث عن أنظمة انتخابية، مشيرا بالقول:«إذا ما تم الاتفاق على الهدف الأسمى سيسهل الاتفاق على الآليات والأدوات».

كما دعا إلى تحقيق المواطنة السوية وتحقيق عدالة في توزيع الثروة بين جميع المواطنين وديمقراطية محققة للتوازن في المصالح الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بين فئات الوطن وتحقيق التنمية الشاملة المتوازنة، معتقدا أن النظام الرئاسي هو الأمثل لتحقيق كل ذلك بينما النظام البرلماني هو جيد لغيرنا قائلا: «لايمكن أن نتوقع رئيس اليمن جالسا في القصر يوقع بروتوكولات». وأكد على أنه دون نظام حكم محلي كامل الصلاحيات لن نطمع في إقامة دولة في اليمن، ورأى أن نظام النسبية هو النظام الوحيد الذي يمكن أن يحدد مشاركة سياسية للمرأة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى