أبين والماء.. كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ ..ومؤسسة المياه .. بين الواقع المتدهور والبديل المغيب

> «الأيام» شكري حسين:

>
عندما هممت بالكتابة عن مشاكل المياه في أبين استذكرت على الفور البيت الشعري الشهير ..(كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ... والماء فوق ظهورها محمول) لوقوفها على بركة مياه هائلة بلغت بحسب الدراسات المقدمة من الخبراء الروس عام 1986م حوالي (5) مليار متر مكعب، ومع ذلك تعيش العاصمة زنجبار وباقي المدن الكبيرة (جعار والحصن والكود والمخزن وغيرها) أوضاعاً مأساوية شديدة وأزمة حادة في إمدادات المياه بلغت ذروتها خلال الأشهر القليلة الماضية، وإدارة غير عابئة رغم امتلاكها كوادر فنية مؤهلة، وواقعا مأزوما وبديلا مغيبا وخلافات محمومة بين فرقاء المؤسسة يدفع ثمنها المواطن الباحث عن شربة ماء تروي عطشه وأطفاله .

مئات الملايين صرفت في برامج استثمارية تحت يافطة إمدادات المياه لمديريتي زنجبار وجعار وضواحيهما دونما فائدة .

مليارا ريال تم استثمارها بحسب مصادر عليمة لإصلاح ما أفسده (عطار) المؤسسة، والمشكلة لازالت قائمة والأجواء ضبابية والـحلول الناجعة يكـتنفها الغموض .

مستخلصات مالية لمقاولين وشهادات إنجاز عديدة ومشاريع كثيرة (وتصاميم هندسية ودراسات فنية واجتماعات شبه يومية) وجعجعة لا أول لها ولا آخر .. والمياه عن معظم الأحياء مقطوعة.

آلآف العدادات تم صرفها على أساس تركيبها للأحياء والمناطق السكنية ومبالغ مالية طائلة ومقترحات ومناقشات وإقرار بناء خزانات جديدة .. وحنفيات المياه في المنازل (خاوية) أليست هذه مسخرة ؟؟

مظاهرات واعتصامات واحتجاجات تشهدها زنجبار وباقي المدن الرئيسة للمطالبة بشربة ماء هانئة، لكن (عشم إبليس في الجنة) في ظل سياسة عدم الإحساس والشعور بالمسؤولية التي تنتهجها المؤسسة وانقسام كبار القوم فيها إلى ثلاث جهات متناحرة بداعي (مرض) الزعامة والنرجسية المطلقة .

زنجبار أنموذج المأساة..

وكأن زنجبار المدينة التي تحاصرها (القمامة) ويستوطنها الإهمال وتكتم أنفاسها روائح مياه (الصرف الصحي) المشهد اليومي وإن شئت أسميته (معلمها) البارز في شوارعها الممتلئة بالقاذورات والأوساخ.

وهل ينقصها الهموم والبلاوي حتى تضاف إليها مشكلة انقطاعات المياه عن معظم أحيائها وبشكل أكبر أحياء (باجدار والطميسي وأجزاء من العصلة) .

وفي ظل غياب المحاسبة وتلاشي صور العقاب تهدر الملايين من الريالات في مشاريع وهمية باسم تحسين الإمدادت ولايستفيد منها إلا بعض المتنفذين الذين لايقيمون للأخلاق وزنا، ولا للمسؤولية شرفا وذمة.

ويتعجب المرء .. كيف أن مئات الملايين ضاعت تحت يافطة إمدادات المياه لمدينة زنجبار وضواحيها رغم أن فترة تنفيذ شبكة المياه الأخيرة تعود إلى ماقبل (4) سنوات فقط بينما ستلظى سكانها بنيران العطش وتلفح أجسادهم حرارة (الانتظار) .

لايختلف اثنان على أن مؤسسة المياه في أبين عاجزة غير قادرة على المعالجة والإمساك بخيط المشكلة الحقيقي وتكتفي فقط لتجميل صورة عملها بإجراءات ترقيعية وحلول عشوائية دون دراسة متأنية وتفحص مهني وهندسي دقيق .. مثلاً الشبكة الحالية للمدينة خلت تماماً بحسب رأي أحد المهندسين من التصاميم اللازمة والحسابات (الهيدروليكية) وتحديد مناسيب الأرض والأعماق، حيث نفذت بأعمال الشبكة الحفريات وتركيب المواسير والوصلات التركيبية من محولات ومشتركات وصمامات أمان (فتح وإغلاق) دون دراسة الضغوط في الشبكة الرئيسة (الخط الناقل) وتحديد سرعة المياه في المواسير، حيث الضغط يجب ألا يقل في الخطوط الرئيسة عن 25م إلى جانب أنها قد خلت من الحسابات العملية والتصرفات والكثافة السكانية والاحتياج الحالي والمستقبلي، فمثلا بعض الخطوط تم تغييرها من قطر (12) إنش إلى قطر (10) إنش وبعضها من (3) إنش إلى (2) إنش دون حسابات هندسية وسكانية لتقدير الاحتياج ومعرفة التصرفات وما يناسبها من أقطار تسمح بتغذية السكان بالمياه المطلوبة .

والمشكلة الأخرى .. أنه عند تنفيذ الشبكة الجديدة في زنجبار لم تتم عملية التنظيف المطلوبة لخطوط الشبكة وهو ما يعني تراكم الأحجار والأتربة والحصى في المواسير مما يؤدي إلى انسدادها وعرقلة تدفق المياه بانسيابية داخل المواسير بالسرعة والضغط المسموح به ، ناهيك عن أن معظم السكان في المدينة لايزالون يحصلون على احتياجاتهم من الماء من الشبكة القديمة التي تؤدي غرضها لجزء كبير ، وهي بذلك تعمل على كسر الضغط داخل شبكة المواسير الجديدة .. إذن العملية لاتعدو كونها إهدار ملايين من الريالات والعبث بالمقدرات المتاحة وتسخيرها لمصالح شخصية بعيداً عن تلمس احتياجات المواطن ورفع المعاناة عنه .

باجدار والطميسي .. آمال وآلام

مابين الإحساس والشعور بالأمل وانقشاع سحب الألم يظل ساكنو حي باجدار والطميسي الأكثر (معاناة) خاصة أن بعض المنازل فيها لم تدخلها قطرة ماء واحدة منذ (5-4) أشهر، وهي بالتأكيد مأساة كبيرة ووصمة عار وخزي على جبين مؤسسة المياه، ومفارقة غريبة أن تنام زنجبار وتصحو على ثاني أكبر (بحيرة) ماء في البلاد، وأبناؤها (يدركون) الليل مع النهار في سبيل الحصول على شربة ماء لهم ولأولادهم .

وتكمن معاناة أبناء باجدار في أن المشكلة بحسب رأي أحد الفنيين هي أن المنطقة مرتفعة قليلاً ولم تتم مراعاة الكثير من الأمور الهندسية عند تنفيذ الشبكة ولم تأخذ مناسيب الحضيرات بشكل دقيق إلى جانب عدم وجود صمامات منع ارتداد .. على العكس من حي الطميسي الذي إما أن تكون الشبكة فيه غير مستكملة أو أنه قد تم استحداث أعمال تركيبية غير معروفة وهي غائبة عن المهندسين .

وبالنظر إلى كل ما تقدم سنخلص إلى حقيقة أن المؤسسة العامة للمياه في أبين موجودة على الورق وفي أروقة المكاتب أما على أرض الواقع فليس لها أثر وإلا ماذا يعني عدم مقدرتها على حل إشكالية المياه المتفاقمة وعجزها عن تشخيص الداء ومن ثم وضع الدواء.

ويكمن الحل ..

في سلسلة من الإجراءات الفنية والأعمال الهندسية مصحوبة بقدر كبير من الأمانة والمسئولية وتكليف أحد مهندسي المؤسسة وما أكثرهم بشرط أن يكون قد عرف بأمانته وإخلاصه ومنحه المسئولية الكاملة بحيث يلازم عمله ضغوط كافية داخل الشبكة الفرعية والرئيسة وقبل ذلك يأتي ضمان المصدر حتى تتم المعالجة بطرق مدروسة من شأنها إعادة الحياة إلى الكثير من الأسر التي أرهقتها عملية الشراء المستمرة لبوز المياه والمضافة أصلاً إلى أعباء الحياة الأخرى .. وإلا فأبشروا بطوفان من الاحتجاجات التي لايعرف أحد إلى أين ستؤول .

إشارات عابرة ..

-يقال والعهدة على الراوي أن مركزية العمل وتعدد الجهات المسؤولة وغياب روح المجموعة والفريق الواحد قد أسهم بشكل مباشر في ضعف أداء مؤسسة المياه وافتقارها إلى الهيكل التنظيمي أثناء العمل .

-لايستطيع أحد أن ينكر أن داء الفساد قد استشرى في جسد المؤسسة، وإلا ماذا يعني اختفاء أكثر من (400) عداد كما جاء في أحد تقارير الجهاز المركزي للمحاسبة .

-بصورة إحصائية فإن المبالغ التي صرفت لتحسين أداء الشبكة وتطوير مصادر المياه ستكفي لمعالجة مشاكل المياه ليس في زنجبار وجعار فقط ، ولكن في جميع المدن والقرى التابعة للمديريتين.

- مشاريع أخرى غير مستكملة وتعاني من مشاكل جمة بحسب إفادات المواطنين وبعض المتضررين في الكود والحصن والمخزن .. ما رأي السلطة المحلية في ذلك.

-عمليات السرقة من تموينات المياه والاستفادة منها لري بعض المزارع لازالت قائمة ..والكل ساكت ويتفرج .

- أحد المهندسين في المؤسسة قال إن تقرير الجهاز المركزي قد أوضح عددا من الاختلاسات وفقدان مواد ومبالغ بقيمة لاتقل عن (27) مليونا ..ومع ذلك لم نسمع أن أحدا قد تم تقديمه للمحاكمة !!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى