تركيز أمريكي على الحروب غير النظامية.. تشكيل الخيارات الأمريكية الخاصة بالبلدان الواقعة فى مفترق طرق استراتيجية

> «الأيام» عن «الخليج»:

> أفادت الاستراتيجية الدفاعية الجديدة للولايات المتحدة، التي أعلنت في نهاية يوليو من العام الجاري، أن الولايات المتحدة ستضطر إلى خوض حروب غير نظامية ضد «مجموعات إرهابية». وقد تدخل في حروب تقليدية طويلة ضد جيوش نظامية، كما أن روسيا والصين تمثلان تهديداً استراتيجياً محتملاً للولايات المتحدة، وعليها أن تكون مستعدة لمواجهة قدراتهما العسكرية المتزايدة.

دعت الاستراتيجية الجديدة إلى التركيز على الاستعداد لخوض حروب غير نظامية معقدة، على غرار ما يشهده العراق وأفغانستان، والتدرب على «مكافحة التمرد»، بأشكاله المختلفة.

وقال البنتاغون إن القوات المسلحة الأمريكية ستكون في السنوات القادمة أكثر ميلاً لأن تشتبك في حروب غير متكافئة، عوضاً عن الحروب التقليدية ضد دول ذات قوة متنامية.

وأن الهدف العسكري الأساسي للولايات المتحدة يتمثل في كسب الحرب الطويلة ضد الحركات «المتطرفة والعنفية».

وجاء في نص الاستراتيجية الجديدة: «علينا أن نهزم التطرّف العنفي بوصفه تهديداً لنمط حياتنا، كمجتمع حر ومنفتح، وعلينا أن نشجع وجود مناخ معاد للمتطرفين الجانحين للعنف وكل أولئك الذين يدعمونهم».

وكانت آخر استراتيجية دفاعية للولايات المتحدة قد صدرت في مارس من العام 2005، عندما كان دونالد رمسفيلد وزيراً للدفاع. وعلى الرغم من ذلك، فإن الخيارات العسكرية الأمريكية الراهنة قد وجدت إحدى مرجعياتها الأساسية في الوثيقة الأخيرة من المراجعة الدفاعية التي تصدر كل أربع سنوات (Quadrennial Defense Review)، التي أعدها البنتاغون في العام 2006. وقد حددت هذه الوثيقة، المعروفة اختصاراً بـ (QDR)، أربع أولويات سيتم التركيز عليها من قبل الولايات المتحدة، وهي: هزيمة «شبكات الإرهاب»، الدفاع عن الوطن في العمق، منع الدول المعادية والجهات غير النظامية من حيازة أو استخدام أسلحة الدمار الشامل، وتشكيل الخيارات الأمريكية الخاصة بالبلدان الواقعة فى مفترق طرق استراتيجية. وركزت الوثيقة على ما يعرف بـ

At the same time, this wartime construct requires the capability to conduct multiple, overlapping wars وجوهر التخطيط القائم على القدرات (capabilities-based planning)، وهو تحديد القدرات التي يمكن أن يستخدمها أعداء الولايات المتحدة، وتعريف القدرات المتاحة للأمريكيين أنفسهم، ومن ثم تقييم التفاعلات المحتملة بينها، ونتائج ذلك على الصعيد الميداني. ورأت الـ (QDR) أن تحقيق متضمنات الاستراتيجية الدفاعية الأمريكية لن يكون ممكناً إلا عن طريق الحفاظ على تحالفات عالمية دائمة. وأن هذه التحالفات تعد أحد أكبر مصادر قوة الولايات المتحدة. وتشير الوثيقة إلى أن واشنطن قد حافظت خلال السنوات (الأربع) الماضية على تحالفها الراسخ مع حلف شمال الاطلسي (الناتو)، كما عززت تحالفاتها الثنائية مع كل من استراليا واليابان وكوريا الجنوبية، ودول عديدة أخرى؛ الأمر الذي سهل

These alliances make manifest the strategic solidarity of free democratic states, promote shared values and facilitate the sharing of military and security burdens around the world

«تقاسم الأعباء العسكرية والأمنية» على صعيد دولي. وأوصت (QDR) باعتماد مجموعة واسعة من خيارات الردع التقليدي، مع الحفاظ في الوقت ذاته على الردع النووي.

وأوضحت الوثيقة بأن البنتاغون قد قرر تحويل عدد من صواريخ «ترايدنت» الباليستية، لاستخدامها في هجمات تقليدية، فيما يعرف بالضربة السريعة العالمية (prompt global strike). وفي الأصل، فإن صواريخ «ترايدنت» مجهزة برؤوس نووية، ويتم إطلاقها من الغواصات.

واقترحت (QDR)، من جهة أخرى، زيادة قوات العمليات الخاصة (U.S. SOCOM) بنسبة 15 في المائة، وتأسيس قيادة بحرية لهذه القوات. وكذلك إنشاء سرب من الطائرات بدون طيار (UAV)، يوضع تحت إمرتها. كما أوصت الوثيقة بزيادة أفراد جهاز عمليات الحرب النفسية والمدنية بـ 3700 عنصر، أي ما نسبته 33 %. وسيشهد الجيش، ومشاة البحرية (المارينز)، زيادة في عدد العناصر الموجودة في الخدمة الفعلية تصل إلى 92 ألف عنصر خلال السنوات الأربع القادمة. وستبلغ الزيادة في الجيش 65 ألف عنصر، بحيث يرتفع عدده من 482 ألفاً و400 جندي إلى 547 ألفاً و400 جندي بحلول العام 2012، مما يزيد عدد الفرق المقاتلة من 42 إلى 48 فرقة. أما سلاح مشاة البحرية فسيتمكن من استكمال عديد قوة الرد السريع البرية-الجوية الثالثة بحلول العام ،2011 من خلال إضافة 27 ألف جندي، مما يرفع عدد قوات المارينز من 175 ألفاً إلى 200 ألف.

ويتضمن مشروع الميزانية، الذي قدمه الرئيس الأمريكي جورج بوش للعام المالي 2009، نفقات عسكرية (عدا نفقات الحرب في العراق) تصل إلى 4515 مليار دولار. وسوف تزداد ميزانية الدفاع الأمريكية بنحو 36 مليار دولار، أو بنسبة 7 بالمائة، مقارنة بالعام 2008، وهو العام الذي ازدادت فيه ميزانية الدفاع بنسبة 30 بالمائة قياساً بمؤشرات العام 2000.وقد خصص أكثر من ثلث ميزانية البنتاغون للسنة المالية 2008 (التي بدأت في أكتوير 2007) للتحديث الاستراتيجي، وتطوير معدات وقدرات قتالية مستقبلية. ويعتزم البنتاغون إنفاق 8،176 مليار دولار لتزويد سلاح البحرية بثماني سفن إضافية، بينها ثلاث سفن مقاتلة جديدة، وجيل جديد من حاملات الطائرات، وشراء مزيد من المقاتلات المتقدمة، كطائرة (Joint Strike Fighter) (الطائرة القتالية المشتركة)، وتزويد الجيش بعربات حربية جديدة، والاستثمار في الاستخدام الناجح للمركبات الجوية غير المأهولة، من نوع بريديتور. وتضمنت نفقات الميزانية كذلك نحو تسعة مليارات دولار تم تخصيصها لوكالة الدفاع الصاروخي، بهدف تحسين أنظمة الصواريخ الدفاعية، المنصوبة حالياً على الأرض وفي البحار، وتطوير أنظمة جديدة.

ومن بين القضايا التي كانت عالقة بين البنتاغون والكونجرس طلب الأول تخصيص مبلغ قدره 88 مليون دولار إضافية لإنجاز تطوير عاجل للقاذفات من طراز بي - 2 (furtive bombardier B-2 Spirit)، حتى تتمكن من إلقاء قنابل تجريبية موجهة بالأقمار الصناعية، تزن 13،6 طناً، وتخترق التحصينات العميقة، لتضاف إلى مبلغ 83،5 مليون دولار تمت الموافقة عليها سابقاً، لإنجاز تطوير هذه القنبلة و2،4 مليون لتعديل قاذفة بي - 2.

وفي مقاربتها لدور الولايات المتحدة العالمي، تؤكد الاستراتيجية الجديدة للبنتاغون على الجمع بين أمرين أساسيين، هما: زيادة الارتباط وخفض التكاليف. ولا يتعلق هذا فقط بالمهام الأمنية، بل أيضاً بالأنشطة المشتركة، الخاصة بتأمين خطوط الملاحة، والتدخل السريع على خلفية ظروف طبيعية.

وحسب وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس، فقد كانت هناك «درجة معقولة» من اليقين بشأن المنطقة التي يمكن أن تدعى إليها القوات الأمريكية لمواجهة التهديدات. ولكنه تبين خلال السنوات الـ25 الماضية أن التهديدات يمكن أن تظهر في أي مكان من العالم تقريباً. ورأى غيتس أن الجيش قد استجاب، في السنوات الأخيرة، للتهديدات من خلال برنامج التدريب والتجهيز العالمي، وهو برنامج تديره وزارتا الدفاع والخارجية. وأشار غيتس إلى أن البرنامج يركز على «الأماكن التي لسنا في حالة حرب معها، ومن المحتمل ظهور تهديدات فيها. وهذا سيقلل من احتمال استخدام قواتنا في المستقبل».

ووفقاً لبيانات البنتاغون، فإن برنامج التدريب والتجهيز العالمي قد ساعد قوات الأمن اللبنانية على «دحر جماعة مرتبطة بتنظيم القاعدة»، وزود القوات الخاصة الباكستانية بالأدوات اللازمة لشن عملياتها على طول حدودها المشتركة مع أفغانستان. ويقوم حالياً بدعم الجهود التي تبذلها إندونيسيا وماليزيا والفلبين، للحد من مخاطر الإرهاب والقرصنة على سواحلها.

وتوجد حالياً أكثر من سبعمائة قاعدة أمريكية حول العالم، تستخدم في أغراض عديدة، منها التدريب، وتخزين الأسلحة والمعدات العسكرية، الخاصة بالجيش الأمريكي. وهذا بخلاف القواعد العسكرية المنتشرة داخل الولايات المتحدة ذاتها، والتي تصل إلى ستة آلاف قاعدة. وبعد أن كان هناك 255 ألف جندي أمريكي حول العالم في العام 2002، ارتفع العدد حالياً إلى 325 ألفاً.

ومنذ ثمانينات القرن العشرين، ركزت الولايات المتحدة جهودها للسيطرة على الممرات البحرية الستة عشر الأساسية في العالم، بما يضمن لها محاصرة القوى البحرية المعادية أو المنافسة، وإغلاق الملاحة في وجه الدول الأخرى في زمن الحرب. وفي العام 1992، قامت الولايات المتحدة بنقل مقر قيادة الخدمات الخلفية للأسطول السابع إلى قاعدة بحرية في جنوب شرق آسيا لتعزز بذلك فرص السيطرة على الخطوط البحرية المهمة في الإقليم، وخاصة في مضيق ملقا. ويأتي التأثير الأمريكي على هذا المضيق الحيوي، بصفة أساسية، من جزيرة كوانغ داو، حيث توجد قاعدة غوام العسكرية، التي تقع على ملتقى خط الولايات المتحدة المحيط الهندي، وخط اليابان - استراليا، وحيث يمكن إرساء الأساطيل الضخمة فيها، وإقلاع وهبوط القاذفات الاستراتيجية بعيدة المدى من طرازي (B-2) و(B-52).

ولمواجهة منافسيها المحتملين، شرعت الولايات المتحدة في توثيق تحالفها مع استراليا، وأعلنت كلاً من تايلاند والفلبين حلفاءً من الدرجة الأولى، وأبرمت اتفاقية تحالف استراتيجي مع سنغافورا. وقام البنتاغون بنشر قدرات عسكرية جديدة في المنطقة، تتضمن غواصات مهاجمة، ومُدمرات صاروخية، وقنابل بعيدة المدى.

وفي القرن الإفريقي، وافقت جيبوتي على بناء قاعدة عسكرية أمريكية فوق أرضها، يفترض أن تكون قادرة على التحكم في مضيق باب المندب. ويدور الحديث حالياً عن مخطط أمريكي لإنشاء خمس قواعد عسكرية جديدة في إفريقيا، وذلك بنهاية العام 2008.

وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت، في فبراير من العام 2007 ، عزمها تشكيل قيادة عسكرية خاصة بإفريقيا، عرفت باسم (AFRICOM). وحتى اليوم، فإن مشاركة القوات الأمريكية في مهام بالقارة الإفريقية لا تزال موزعة على مجموعة من القيادات العسكرية التابعة للبنتاغون، وهي القيادة الأوروبية والقيادة الوسطى وقيادة منطقة المحيط الهادي. وقد وصف غيتس توزيع المسؤولية على هذا النحو بأنه «ترتيب عفى عليه الزمن، بل هو من مخلفات عصر الحرب الباردة». ولن يكون لأفريكوم مقر رئيسي في دولة إفريقية محددة، بل سيوزع العاملون فيها على عدة مواقع في جميع أنحاء القارة. وسيتم تعيين مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأمريكية في منصب نائب القائد العسكري للقيادة. ولن يقتصر عمل المسؤول المدني على كونه مستشاراً سياسياً للقائد العسكري، كما هو متبع في القيادات العسكرية الأخرى، بل سيوضع ضمن الهيكل التنظيمي للقيادة.

وعلى صعيد الاستراتيجية الأمريكية في البحر المتوسط، حدث في السنوات الأخيرة تطوران رئيسيان: تمثل الأول في انخراط الولايات المتحدة في عملية المراقبة الدائمة للممرات البحرية، خاصة من خلال ما يعرف بعملية «المسعى النشط» (Operation Active Endeavour)، التي يقودها حلف شمال الأطلسي (الناتو). وتمثل الثاني في تعزيز القدرة الاستطلاعية والهجومية الأمريكية في منطقة المتوسط وعلى تخومها. وقد تم ذلك من خلال بناء علاقات عسكرية جديدة مع عدد من دول شمال البحر المتوسط، وكذلك إبرام اتفاقات خاصة بتشييد قواعد عسكرية متقدمة في دول قريبة من المنطقة، وتحديداً في بلغاريا ورومانيا.

وعلى مستوى البحر الأسود، كانت أول سفينة حربية أمريكية قد دخلت هذا البحر في العام 1983، بعد انقطاع تاريخي طويل. وقد كانت تلك المرة الأولى والأخيرة إبان العهد السوفياتي. وبعد تفكك الدولة السوفياتية، سعت كل من الولايات المتحدة وحلف الناتو إلى تكثيف الحضور العسكري البحري قرب الحدود الروسية، فدخلت تسع سفن حربية أطلسية إلى البحر الأسود في العام ،1991 وأبقى الناتو تالياً على نحو 20 سفينة حربية تقيم بصفة دائمة هناك.

وفي وقت مضى، كانت قوات حلف وارسو هي من يهيمن على البحر الأسود، الذي نظر إليه الغرب على أنه منطقة نفوذ سوفياتي بالغة الحساسية، وذلك على الرغم من طول الشواطئ التركية عليه.

بيد أن الوضع قد تغير الآن على نحو كلي، إذ إن بلغاريا ورومانيا أصبحتا عضوين في الناتو، وأصبحت أوكرانيا وجورجيا دولتين مستقلتين مواليتين للغرب، أما مكانة تركيا في حسابات الأطلسي فقد تحوّلت على نحو كبير. وما دام الناتو ينظر إلى أوكرانيا كمرشح مضمون لعضويته، فمن المنطقي أن تكون المياه الإقليمية الأوكرانية ميدانا لعمليات الحلف، وتلك أحد المكاسب بعيدة المدى للعلاقات الأمريكية الأوكرانية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى