الحلقة الأخيرة.. الدورة الثامنة والعشرون أثينا 2004 والعودة إلى مهد الأولمبياد

> قطر «الأيام الرياضي» عن الجزيرة الرياضية:

>
حطت الألعاب الأولمبية بنسختها الثامنة والعشرين في العاصمة اليونانية أثينا للمرة الثانية في العصر الاولمبي الحديث بعد باكورة الدورات العام 1896, وتلك كانت المرة الأولى التي عادت فيها الألعاب إلى قارة أوروبا منذ دورة برشلونة 1992.

دارت المنافسات ما بين الثالث عشر من آب/أغسطس حتى التاسع والعشرين منه ضمناً,وسط مشاركة تخطت المئتي دولة. افتتح الألعاب الرئيس اليوناني كونستانتينوس ستيفانوبولوس (1995-2005), وردد قسم الرياضيين السباحة زوي ديموسكاكي, وقسم القضاة حكم كرة السلة اليوناني لازوراس فورياديس, وأضاء الشعلة البطل الاولمبي في الشراع نيكولاووس كاكلاماناكيس. أما تعويذة الدورة فكانت بيفوس وأثينا وهما أخ وشقيقته يحملان أسماء آلهة يونانية قديمة.

تشديد أمني

منحت أثينا شرف الاستضافة في المؤتمر السادس بعد المئة للجنة الاولمبية الدولية في الخامس من أيلول/سبتمبر 1997 في لوزان. وجاء فوز أثينا آنذاك بعد سبعة أعوام من خسارتها صراع استضافة أولمبياد 1996 أمام أتلانتا. وقد نالت أثينا النسبة الأكبر من الأصوات, وتقدمت روما في خامس جولات التصويت بخمس وعشرين صوتاً, 66 مقابل 41, فيما استبعدت مدن الكاب أو كايب تاون الجنوب أفريقية, وستوكهولم السويدية وبوينس آيرس الأرجنتينية من جولات سابقة.

واجهت تحضيرات دورة أثينا عراقيل جمّة أوجبت تشديد الضغط على اللجنة المنظمة لتسريع ورفع مستوى وتيرة العمل البطيء والمقصِّر في إنجاز الملاعب والمنشآت المدنية الخاصة بالدورة, فقبل عام واحد من الافتتاح أي العام 2003 لم تكن الجهات المنظمة قد أنجزت سوى مبنى واحداً مخصصاً للجان الإعلامية, وقد أرجعت أسباب التأخير لعوامل عدة منها سياسية مثل الفساد الإداري, تضارب المصالح بين الوزارات وأصحاب القرارات التنفيذية, ضعف في الاتصالات بين مختلف اللجان المسؤولة, ومنها تقنية وقانونية مثل نقص في الخبرات والمعرفة, إقفال الأسواق أمام الالتزامات الأجنبية, اكتشاف آثار أثناء الحفريات في أمكنة المنشآت الخاصة للأولمبياد, تصورات ورؤى سيّئة وشحّ في الموازنات المرصودة.

استوجب لتذليل هذه الصعاب تدخلات متعدّدة الأطراف أفضت لتسريع وتيرة العمل, فمن تصعيد في لهجة الإعلام العالمي, مروراً بارتفاع أصوات رعاة الدورة والدول الخائفة على مصالح وأمن ومستقبل لاعبيها, وصولاً للخوف الداخلي الناتج عن الكبرياء والسمعة القومية والوطنية للبلاد من الوقوع في مستنقع الفشل, ارتفعت وتيرة العمل بل تضاعفت الجهود, لكن ذلك استلزم زيادة كبيرة في الإنفاق خصوصاً أن العمل كان بوتيرة مستمرّة ليلاً نهاراً, وقابل كل ذلك حوادث نتيجة ضعف في الرقابة التفتيشيّة, نتج عنها وفيات كثيرة بين العمال وصلت إلى العشرين, كما أن تسريع إيقاع الأعمال أظهر عدم قدرة السوق المحلية على تلبية الاحتياجات كافة فكان اللجوء ليد عاملة أجنبية غير قانونية لسد الاحتياجات.

لسوء حظ اليونانيين لم تكن مشاكل التحضيرات يتيمة, بل فرض أمر آخر نفسه في واجهة الاهتمام, متقدماً على ما سبق وذكر من تقصير ألا وهو العنصر الأمني الذي بات الشغل الشاغل للمنظمين واللجنة الاولمبية الدولية وسائر الدول, فالتحضيرات للدورة رافقتها خضّات أمنية على مستوى العالم مع ارتفاع صوت الإرهاب عالياً وبقوة من اعتداءات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأميركية وصولاً لتفجيرات القطارات في مدريد في الحادي عشر من آذار/مارس العام 2004, فكان أن رفع مستوى التدابير لتوفير الأمن اللاعبين وحماية المنشآت خصوصاً بعدما زادت حدة الخوف مع ورود رسائل تهدد بهجمات إرهابية بالإضافة لانفجارات متفرقة شهدتها اليونان قبل أسابيع من الدورة.

وتجلت المخاوف من هجمات إرهابية بتخصيص موازنة قيمتها 1,2 مليار يورو لتأمين سلامة الدورة, ونشر مئة ألف شرطي متنقلين وثابتين مهمتهم حفظ أمن البطولة, وبتثبيت ألف كاميرا مراقبة في أرجاء أثينا المدينة, مع دعم جوي من طائرات حلف شمال الأطلسي الذي وفّر أيضاً سبع بوارج في البحر وغواصة جابت أعماق المياه راصدة أي تحرك مشبوه. وأثمرت هذه التدابير الواسعة عن استتباب كامل للأمن طيلة أيام انعقاد الدورة الخمسة عشر. ولم تحدث إلا حادثة واحدة طريفة بجوهرها تمثلت بتأخير لبضع ثوان تعرض له عداء الماراتون البرازيلي فاندرلي دي ليما بعدما أعاقه شخص مختل عقلياً سرعان ما ألقت الشرطة القبض عليه.

بالعودة لأحداث الدورة فقد جرى الافتتاح في الثالث عشر من آب/أغسطس أمام 72 الف متفرج في استاد أثينا الأولمبي, و قرابة الأربع مليارات شخص على شاشات التلفاز. اشترك في العروضات المستوحاة من الحضارات الإغريقية قرابة الـ9 آلاف راقص وراقصة وافتتح الألعاب الرئيس اليوناني كونستانتينوس ستيفانوبولوس ثم أطلقت الأسهم النارية ودخلت البعثات وفقا للترتيب الأبجدي للغة اليونانية ورافق الافتتاح تحليق لمنطاد عسكري مجهز بكاميرات مراقبة لإحباط أي محاولة للخل بالأمن. وجلس كبار المدعوون خلف زجاج مضاد للرصاص في المقصورة الرئيسية.

شارك في الدورة مئتين ودولة, أي جميع أعضاء اللجنة الاولمبية آنذاك, والدول الجديدة كانت كريتابي, بالاوس وتيمور الشرقية بشكل رسمي, بعدما تمّت دعوتها في الدورة السابقة, كما نافست يوغوسلافيا تحت مسمى صربيا ومونتينيغرو ولم تكن فيها لجنة اولمبية وطنية, الوفد الأضخم كان الأميركي الذي تالّف من 536 لاعبا ولاعبة. أما القارة الأكثر تمثيلاً فكانت أفريقيا بـ53دولة, ثم آسيا بـ48 دولة فأوروبا بـ43 دولة, ثم أميركا (الجنوبية والشمالية والوسطى) بـ42 دولة وأوقيانيا 15 دولة.

مثّل تلك الدول 10625 رياضي ورياضية, منهم 4329 من الإناث, نافسوا في ثماني وعشرين رياضة شملت 301 مسابقة, والرياضات هي ألعاب القوى, الشراع, بادمنتون, بايسبول, كرة سلة, ملاكمة, كانوي كاياك, دراجات, فروسية, سلاح, كرة قدم, جمباز, رفع أثقال, كرة يد, هوكي على العشب, جودو, مصارعة, الخماسي الحديث, رياضات مائية (سباحة, سباحة إيقاعية, غطس, كرة ماء), سوفت بول, تايكواندو, كرة مضرب, كرة طاولة, رماية, قوس ونشاب, ترياتلون, تجذيف, كرة طائرة. وتصدرت الولايات المتحدة جدول الميداليات بـ102 ميدالية منها 36 ذهبية, أمام الصين بـ63 ميدالية منها 32 ذهبية, وروسيا بـ92 ميدالية منها 27 ميدالية, فيما نالت اليونان الدولة المستضيفة 16 ميدالية بينها 6 ذهبيات. وبلغ عدد الدول التي دونت اسمها على جدول الترتيب العام 74 دولة.

المسابقات الرياضية

جديد المسابقات الرياضية كان جدولة رياضة المصارعة للسيدات على البرنامج للمرة الأولى, أما أبرز الأسماء التي لمعت في المنافسات كان ومن دون منازع الأميركي مايكل فيلبس الذي اكتسح الحوض وخطف الأضواء بفوزه بست ذهبيات ومجموع ثماني ميداليات. وسطرت الهولندية ليونتيان زيليارد-فان مورسيل اسمها في التاريخ الأولمبي حين باتت أول سيدة تفوز بأربع ميداليات ذهبية وست كمجموع في مسيرتها في رياضة الدراجات, وكذلك فعلت لاعبت الكانوي البريطانية بريجيت فيشر حين باتت أول من يحرز ميداليتين في كل من الدورات الأولمبية الخمس التي شاركت فيها. وتألق العداء المغربي هشام الكروج بفوزه بسباقي الـ1500م والـ5000م, وكذلك قدم الأرجنتين بنيلها ذهبية المسابقة دون دخول مرماها أي هدف, وقد جاء العراق رابعاً في هذه المسابقة.

إذا كان الرائع مايكل فيلبس الذي سيحضر في بكين, نجم الدورة الأوّل, فالسباح البالغ 19 عاماً وقتها, بدأ بالفوز بسباق الـ400م متنوع بفارق تخطى الثلاث ثوان عن الثاني مع رقم عالمي جديد, بعدها بيومين حل ثالثاً في الـ200م الذي فاز به الأسترالي أيان ثورب أمام بيتر فان دين هوغنباند في سباق أطلق عليه «سباق القرن», لكن فيلبس عاد لتوسّط منصات التتويج بفوزه بالمئة متر فراشة متقدماً مواطنه ايان كروكر بأربعة أجزاء الثانية ثم بالمئتي متر فراشة, وأتبع النصر الأخير بعد ساعة واحدة بآخر حين شارك في سباق البدل 4×200م حرة الذي انطلق فيه أولاً ونالت ذهبيته الولايات المتحدة أمام أستراليا.

تابع فيلبس حصد الذهب حين فاز مع فريق بلاده بذهبية البدل 4×100م سباحة متنوعة, علماً انه شارك في التصفيات فقط, ثم نال لقب الـ200م متنوع وبرونزية 4×100م حرة. وبات مايكل فيلبس مع لاعب الجمباز الروسي ألكسندر ديتياتين الرياضي الوحيد الذي نجح في الفوز بثماني ميداليات في نفس الأولمبياد, وسيسعى فيلبس في بكين للفوز بثماني ذهبيات لتحطيم رقم مواطنه مارك سبيتز الفائز بسبع ميداليات ذهبية في اولمبياد مينويخ 1972.

وقد تمكن سباحو الولايات المتحدة وأستراليا في الفوز بنصف ألقاب السباحة تقريباً, فنال الأسترالي أيان ثورب ذهبيتي الـ200م والـ400م حرة, ومواطنته بيتريا توماس ألقاب 100م فراشة والبدل 4×100م حرة ومثلها إنما متنوع, فيما الأميركي احتفظ غاري هال جي آر بلقب الـ50م حرّة فيما نال مواطنه آرون بيرسول لقبي الـ100م والـ200م سباحة ظهر وذهبية البدل متنوع. وشكلت هذه الدورة الانطلاقة الأولمبية للسباحة الفرنسية المتألّقة لور مانوندو وقد فازت بذهبية الـ400م وفضية الـ800م وبرونزية الـ100م ظهر. وتصدّرت الولايات المتحدة ميداليات السباحة بـ12 ذهبية أمام أستراليا بـ7 واليابان 3.

وفي ألعاب القوى سيطرت الولايات المتحدة روسيا ونالا سوية حوالي ثلث الألقاب. أسرع عدائين في الدورة كانا الأميركي جاستين غاتلين والروسية البيضاء يوليا نيستورنكو. وأضاف رجال أميركا لقبي الـ200م والـ400م ليحتكروا السرعة عبر شاون كراوفرد في الأول وجيريمي وارينر في الثاني, علماً أنهم نالوا ثماني ميداليات في سباقات الرسعة الثلاث ولم تفلت منهم إلا فضية الـ100م التي نالها البرتغالي فرنسيس أوبيكويلو بفارق 0,01 بالمئة عن غاتلين, ونفس الزمن عن موريس غرين الثالث.

أما في المسافات المتوسطة والطويلة فكان العنوان مغربي لدى الرجال عبر هشام الكروج الذي نال ذهب الـ1500م مسجلاً 3,34,18د, امام الكيني الشهير برنار لاغات 3,34,30د, والبرتغالي روي سيلفا 3,34,68, كما فاز بالـ5000م بزمن 13,14,39د أمام الاثيوبي اللامع كينينيسا بيكيلي الذي نال لقب الـ10 آلاف متر في الدورة مع رقم عالمي, وقد تقدم الكروج منافسه بفارق جد مريح بلغ 20 ثانية. وحذت البريطانية كيلي هولمز حذو الكروج لكن بسباقي الـ800م والـ1500م. كما شكلت الدورة بروز الروسية الرائعة ايلينا ايسينباييفا بفوزها بذهبية الزانة.

وشهدت منافسات كرة السلة الخسارة الأولى لفريق الحلم الأميركي الثالث, والأولى للأميركيين منذ العام 1988 في سيول, حين هزموا أمام بورتوريكو في الدور الأول 73-92, ثم تلقوا خسارة ثانية في نصف النهائي أمام الأرجنتين التي نالت اللقب وقتها بفوزها على إيطاليا في النهائي, فيما نالت سيدات الولايات المتحدة ذهبية فئتهن بفوزهن على أستراليا في النهائي.

أما كرة القدم للرجال التي شاركت فيها منتخبات تحت سن الـ23 عاماً مع سماح بوجود ثلاثة لاعبين فوق السن المذكور, فشهدت سطوة أميركية جنوبية قادها المنتخب الأرجنتيني الذي فاز بجميع مبارياته دون أن تدخل مرماه أي كرة, مسجلاً سبعة عشر هدفاً, نصفها لهداف البطولة كارلوس تيفيز الذي سجل ثمانية أهداف بفارق ثلاثة أهداف عن الثاني خوسيه كاردوزو من باراغواي, وقد جاء خط هجوم المنتخب العراقي ثانياً في الدورة مناصفة مع باراغواي ولكل منهما تسعة اهداف. وكان العراق تصدر مجموعته الرابعة في الدور الأول وفاز في ربع النهائي على أستراليا وخسر نصف النهائي أمام باراغواي 1-3, والميدالية البرونزية أمام إيطاليا 0-1. فيما نالت الأرجنتين الذهبية بهزمها باراغواي 1-0.

عربياً حصد العرب أربع ذهبيات وفضيتين وأربع برونزيات, الذهبيات جاءت اثنان للمغرب عبر هشام الكروج في الجري لمسافتي الـ1500م والـ5000م, ومصر عبر مصارعها كرم إبراهيم في وزن الـ96 كلغ, والإمارات عبر أحمد المكتوم في رماية البندقية, أما الفضيتين فنالهما المصري محمد علي في الوزن الثقيل للملاكمة, والمغربية حسنة بنحسي في الجري لمسافة 800م, أما في البرونزيات فنالت مصر ثلاثاً منها عبر محمد السيّد في الملاكمة وزن ثقيل, وتامر بيّومي في التايكواندو وزن الـ58 كلغ, وأحمد إسماعيل في الملاكمة وزن الخفيف الثقيل, فيما نالت سوريا البرونزية الرابعة عبر ناصر الشامي في الملاكمة وزن الثقيل.

وقفات بارزت

المصارعة النسائية

سجلت المصارعة النسائية بدايتها الأولمبية في أربعة أوزان ونجحت مصارعات اليابان في نيل ميدالية في كل وزن, في حين نالت كل من فرنسا والولايات المتحدة ميداليتين. أول ذهبية نالتها الأوكرانية ايريني ميرليني التي نجحت في التفوق على أربع منافسات في وزن الـ84 كلغ.

إنجاز الكروج

تمكن العداء المغربي الشهير هشام الكروج في أن يصبح أول عداء منذ الفنلندي بافو نورمي العام 1924, يجمع بين لقبي الـ1500م والـ5000م. في الـ1500م تخطاه برنار لاغات على اللفة الأخيرة, لكن رغم ذلك عاد وفاز بسباق مثير. وفي الـ5000م تقدم من الخلّف وهزم بطل مسابقة الـ10000م كينينيسا بيكيلي. وتم انتخابه في أثينا عضوا في اللجنة الأولمبية الدولية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى