لاتقفلوا شباك الوفاء ..في وجه خليل الفن

> «الأيام» أحمد المهندس:

> عندما كتب الرائد الشاعر التربوي الراحل/ محمد عبده غانم، أول أغنية للندوة العدنية التي أسسها مع صفوة من أهل الفن والأدب العدني في خمسينيات القرن المنصرم بعنوان (حرام عليك تقفل الشباك) ليغنيها خليل محمد خليل، أحد أهم المطربين في تلك الحقبة الذهبية للفن والثقافة وممن ساهم في تأسيس الندوة وأهدافها من أجل نشر الأغنية العدنية لتتبوأ مكانها في سماء نسيج الأغنية اليمنية وألوانها الغنائية الصنعانية واللحجية واليافعية والحضرمية، ويغنيها بصوته الجميل وبلحن بدت فيه النغمة والإيقاعات العدنية المميزة واضحة مما ساعد في انتشارها وتقبل الجمهور اليمني بكل مناطقه لها .

لم يكن شاعرنا الكبير يتصور أو يتخيل وهو في البعيد بعد أن رحل إلى دار البقاء ورحل الكثير من المبدعين ورواد تلك الندوة الشهيرة التي كانت من أسباب تطور وازدهار الأغنية العدنية .. أن عنوانها سيكون يوماً ما مقالاً يكتبه أحد المهتمين بهذا الفن والتراث الإنساني من البعيد وخارج جغرافية اليمن.. ليطلب من خلاله من المحبين للفنان الرائد خليل محمد خليل، ومن أسعدهم سماع أغانيه وعرف تاريخه وما قدم للحياة الفنية اليمنية على امتداد أجيال .. أن لاينسوا هذا الفنان الذي يعيش خريف عمره .. قابعاً في منزله في الطويلة يقاوم أمراض العمر والتعب التي لقيها على امتداد تاريخه من العمل في الحياة العامة كمسؤول عن دار إصلاح (السجن) وكفنان ملتزم قدم فناً راقياً عدني المزاج والإيقاع يمني الهوية والألحان ..ولازال يردد أغانيه الناس من البحر إلى البحر.

فلم نرَ تلفزيون وطنه بقنواته الأرضية والفضائية يسارع إلى تكريمه واستضافته أو استضافة من عاصروه من جيله ليتحدثوا عنه وما قدم من أعمال غنائية وألحان خالدة في الوجدان.. أو يمنح وسام تقدير وامتنان من الدولة باسم الفن كأحد رواده .. أو تتغني الأجيال الغنائية الجديدة في الحفلات والإذاعة والتلفزيون بأغانيه وألحانه مرة أخرى .. أو تتفضل الدولة ممثلة في وزارة الثقافة بإرساله إلى الخارج للعلاج .. أو الوقوف معه في محنته .. أو تناوله أحد النقاد والكتاب الفنيين في دراسة أو مقال شامل .. يذكره بالخير ويستعرض أغانيه الناجحة ودوره في انتشار ورسوخ الأغنية العدنية .

هل ينتظرون كالعادة .. رحيله عن الدنيا لتبدأ تراتيل الرثاء واللوعة للفراق وذكر محاسنه ..في الوقت الذي يكون فيه غير محتاج لمثل هذا الاهتمام والبكاء، حيث يكون بل يحتاج لذكر محاسنه وما قدم من عطاء وجهد إنساني وإخلاص لوطنه وأهله وناسه وهو لازال يعيش بينهم ويتنفس هواء بحر صيرة .. فوق الأرض لا تحتها؟!.

آخر مرة سمعت فيها صوت هذا العملاق على الهاتف وأنا في صنعاء قبل 5 سنوات أو يزيد .. بعد إلقائي محاضرة عن (فن اليمن وتاريخه) وهاتفته للاطمئنان على صحته، فقال لي بصوته المميز : أنا مريض ولم أعد أسمع كما أول ونظري ضعف .

وإن كانت روحه المعنوية مع كل هذا الألم والمعاناة لازالت قوية وعالية .

وتمنيت له الشفاء وطول العمر .. ليعود ليمتعنا بأغانيه وألحانه .. وكأنني سمعت ضحكته الساخرة من جملتي الأخيرة ولمست فيها الحزن .

ولم ينس أن يودعني بكلام لا يصدر إلا من رائد في قامته بعد أن أثنى على كتاباتي واهتمامي بفن الغناء اليمني وأهله .

فماذا تنتظر جهات الاختصاص في وزارة الثقافة اليمنية أو الزملاء والأساتذة الأكارم من النقاد والفنانين والأكاديميين وأهل الفن والثقافة .. وحتى جمهور الفن اليمني الذي لطالما صفق إعجاباً وطرباً لأغاني خليل محمد خليل، الفنان الكبير والإنسان .. حتى يمارسوا دورهم المطلوب والإنساني في تكريم هذا الرائد ورد جزء من الجميل الذي قدمه لأهله ووطنه .. ليشعر بأهميته وبأنه أدى الأمانة على أكمل وجه.

لاتقفلوا شباك الوفاء في وجه هذا الفنان، حتى لا تصح المقولة التي لطالما رددها أستاذنا المؤرخ السعودي الراحل محمد حسين زيدان .. بأننا شعب دفان (؟!) .

اللهم هل بلغت الله فاشهد ..وسلامتكم .

*صحفي وأديب سعودي - جدة

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى