قــطــوف مــن هــجــرة الحــضــارم التاريخية

> «الأيام» عبدالقادر باراس:

>
الجالية الحضرمية في مدينة يارنق اباد بالهند
الجالية الحضرمية في مدينة يارنق اباد بالهند
الحضارمة من أكثر أمم الأرض إقداما على الأسفار، حيث انتشروا في معظم بقاع العالم، ليلعبوا دورا مؤثرا في صناعة تاريخ الحضارات خاصة التاريخ الإسلامي، وإليهم يرجع الفضل الكبير في اتساع الرقعتين الإسلامية والعربية جغرافيا، وتؤكد العديد من المصادر أن هجراتهم ترجع إلى أربعة آلاف سنة أو أكثر، واستمرت إلى ما بعد فجر الإسلام والحقب التي تلتها، وتوالت هجرات القبائل الحضرمية إلى شتى أقطار الأرض الإسلامية في جميع أدوار تاريخهم إلى اليوم، ومثلت هجراتهم أحد المنعطفات والعلامات البارزة في تاريخهم .

فمن هجرات الحضارمة تلك التي خرجوا فيها لـ (الجهاد)، وشاركوا مشاركة واسعة وكثيفة في جيوش الفتح الإسلامي سواء في العراق أو الشام أو في مصر أو الأندلس وغيرها من بلدان الفتح الإسلامي، تبعتها في فترات لاحقة هجرتهم لـ(الدعوة) ونشر الإسلام وكذا التجارة، في سواحل وجزر إفريقيا وجنوب شرق آسيا، ومن ثم اقتصرت هجراتهم إلى المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي بعد أن تعرض الحضارم لنكبات في دول مهاجرهم، كالنكبة الإندونيسية والنكبة السواحلية، فضلاً عن الهجرة المعاكسة التي كان يقوم بها عدد كبير من الحضارمة من دول المهجر إلى حضرموت ثم إلى الحجاز ثم إلى مصر للدارسة في الأزهر الشريف.

ومن أهم الهجرات التي قاموا بها هي هجرتهم إلى إندونيسيا ومصر وبلدان الساحل الإفريقي، والسعودية ودول الخليج العربي، والأندلس.

وترك الحضارمة في بلدان مهاجرهم بصمات بارزة، حيث نقلوا حضاراتهم أينما حلوا بأساطيلهم الشراعية وبرعوا في عدد من المجالات، وأدوا أدوارا مهمة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في كل المواطن التي وصلوا إليها.

تفتخر حضرموت بأنها شكلت عصباً رئيساً في الفتوحات الإسلامية الكبرى، حيث هاجر أبناؤها أفراداً وجماعات إلى مختلف أرجاء المعمورة تلبية لنداء ذروة سنام الإسلام، وهو (الجهاد) في سبيل الله، ونشر الدعوة الإسلامية، وكان من أبرز المهاجرين (الفاتحين) الحضارمة معاوية بن حديج السكوني الكندي، وخالد بن سعيد الصدفي الحضرمي، وأثير هاني الحضرمي، ويونس بن عطية، وعبدالرحمن الغافقي، وأبو العلاء الحضرمي .

وكان لمشاركة الحضارمة في الفتوحات الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين والدولة الأموية بأفواج جماعية الأثر البالغ، حيث استوطن الكثير منهم في البلدان التي فتحوها.

وفي الفترات اللاحقة هاجر الحضارمة إلى شرقي إفريقيا وجنوب شرق آسيا للدعوة والتجارة، وحققوا هناك نجاحات اقتصادية هائلة دونما إغفال عن ما تميزوا به من سمعة طيبة في نشاطهم وتعاملاتهم التجارية والاجتماعية والدينية خلقت التآلف الحميم مع سكان البلدان التي هاجروا إليها، ومكنتهم من بلوغ أعلى مراتب الحكم، حيث أصبح منهم في مرتبة الوزير والأمير والسلطان في العديد من الإمارات والسلطنات، ومنهم من كان من الرواد في نشر التعاليم الإسلامية السمحاء. تميز الحضارمة بنشاطهم وتفوقهم في الأعمال التجارية وسعيهم للرزق، وكان لإمانتهم واستقامة خلقهم وهمتهم وصبرهم وذكائهم أثره في سكان البلدان التي هاجروا إليها، فناسبوا سكان مهاجرهم واتسعت تجارتهم ونمت ثروتهم، ويرجع تفوقهم في التجارة إلى عامل تاريخي، وهو أنهم ورثوا من أسلافهم صفات الأمانة في معاملتهم وإتقان عملهم.

كما قاموا من خلال أسفارهم بدور الوسيط في العديد من المناشط التجارية، ونقلوا نمط معمار البيئة التي هاجروا إليها إلى موطنهم (حضرموت) ليلعبوا دوراً فعالاً في تطور البناء المعماري باستخدام الطين وتمكينها من مواكبة متطلبات العمارة الوافدة.

اختلف المؤرخون في ذكر أسباب ودوافع هجراتهم، منهم من أشار إلى أنها تعود لأسباب اقتصادية، كضيق سبل العيش وصعوبتها والجفاف والقحط ، حيث كانت أحد العوامل التي دفعت بهم للهجرة، والآخرون ذكروا النكبات بفعل الحروب الأهلية بين حكام حضرموت من جانب، والاقتتال والثأرات بين العشائر في الحقب الماضية من جانب آخر.

العمارة الطينية مستوحاة من نمط البناء في شرق آسيا
العمارة الطينية مستوحاة من نمط البناء في شرق آسيا
علماً أن الحضارمة الذين عملوا على نشر الإسلام في البلدان التي وفدوا إليها كانوا من العلماء والدعاة وليس كما قيل من التجار، فهؤلاء العلماء ذهبوا إلى تلك المناطق لنشر الإسلام والدعوة.

ثم مارسوا النشاط التجاري كعمل شريف حتى لا تمتد أكفهم للغير.

المصادر بتصرف:

- الفكر والمجتمع في حضرموت/ كرامة مبارك سليمان بامؤمن.

- حضرموت .. فصول في التاريخ والثقافة والـثـروة جـمعها وقدمها د. محمد أبوبكر حميد .

- دراسات يمنية في الهجرة / كتاب الثوابت (15) .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى