الشاعر الجنيد: إن شاعرا لايعيش في عدن لايمكن أن يكون شاعرا..!

> «الأيام» مختار مقطري:

> شاعر رقيق كنسمة، محلق كعصفور أخضر، في فضاء شعري أبيض، جناحاه إرث وحداثة، وهو بارع في هذا وفي ذاك، وخلاصة اتجاهين وحدهما في عمود حداثي وفي حداثي لم يغلقه غموض، لقدرته الفائقة على ابتكار صور مدهشة ومعانٍ نابضة بالجدية، يكسوها رونق أخاذ يغزله بأساليبه التي تترك في النفس انبهارا ونشوة، لهما طعم عشق خالد ومذاق التوجع في قلب ينشد الحرية بعشق جديد، لذلك يغني، ولذلك يرقص، ولذلك لايكف عن العشق، ولايتوقف عن كتابة أغنيات شاعرية يتناغم فيها اللوز والضوء والموسيقى، ويتكثف فيها الألق والاندهاش والصمت والحزن الجميل والفرح الوردي.

إنه الشاعر القدير د.جنيد محمد الجنيد.. واحد من أبرز شعراء السبعينات والثمانينات في اليمن، بكل ما مثلته وتمثله تجربة هذا الجيل من انعطاف حداثي كبير في الشعر، فصارت تجربة رائدة في حركة الشعر اليمني والعربي لايمكن إلغاؤها عند الكتابة عن تاريخ الشعر العربي المعاصر.

وكان منتدى (الباهيصمي) الثقافي بمديرية المنصورة في عدن قد احتفل بالشاعر د.جنيد محمد الجنيد في فعاليته ليوم الخميس الماضي 9/11 حضرها عدد غير قليل من أدباء وفناني ومثقفي عدن، في مقدمتهم الأستاذ فرحان علي حسن عميد المنتديات في عدن ولحج وأبين، الشاعر عبدالرحمن إبراهيم، الشاعر مبارك سالمين، الشاعر محمد ناصر شراء، الشاعر والملحن حسن عبدالحق، الفنان محمد المسلي، أحمد العفيفي، عبدالقادر بركات، جمال أحمد سالم، عادل بن عبدالعزيز، وكان ضيف الفعالية الأستاذ محسن عوض الكوز، مستشار وعضو الجالية اليمنية بحائل في السعودية.

وفي بداية حديثه عن تجربته الإبداعية قال الشاعر الجنيد: «أنا سعيد بوجودي في هذا المنتدى الذي أسمع عنه كثيرا، ولم أزره إلا قليلا، والسبب أن مشاركاتي نادرة في المنتديات لأسباب خاصة».

وقد تحدث عن مراحل تجربته الإبداعية، فقال عن الأولى إن البيئة التي نشأ فيها ساعدته أن يكون شاعرا، فقد ولد وتربى بمدينة تريم بحضرموت، حيث الأجواء العابقة بالروحية والصوفية والمشيخات الدينية، ويبدو أنه ورث الشعر، فجداه لأمه وأبيه كانا شاعرين، الأول هو أبوبكر بن شهاب صاحب قصيدة (بشراك هذا منار الحي نعرفه) والثاني هو زين العابدين الجنيد، أحد مشايخ رباط تريم، وقد تتلمذ على يده الشيخ محمد سالم بيحاني، وفي هذا المناخ قرأ كتب التراث والشعر الجاهلي وشعر المتنبي، وتعمق في قراءة مقامات بديع الزمان والحريري، ودرس بحور الشعر بمفرده عن كتاب ميزان الذهب لأحمد الهاشمي، ثم انتقل إلى عدن للدراسة الجامعية بكلية التربية، وفيها انفتحت له نوافذ جديدة على آفاق شعرية مختلفة، فوجد شعراء يكتبون الشعر على غير النمط التقليدي الذي تشكل عليه، ومع ذلك لايمكن إلغاء المرحلة الأولى لأنها إحدى مراحل تكوينه الشعري، التي تعلم فيها بحور الشعر واللغة العربية وقرأ كتب التراث، وفي الثانية قرأ لشعراء كبار مثل السياب ونزار وحجازي وسعدي يوسف واحتضنه الشاعر السوداني جيلي عبدالرحمن وغير مساره الشعري، وهي مرحلة حضرية- كما قال- عرفتها عدن وشكلت جيله من الشعراء، مثل محمد حسين هيثم وعبدالرحمن إبراهيم ومبارك سالمين ونجيب مقبل ومحمد شراء.

وأكد أن شاعرا لايعيش في عدن لايمكن أن يكون شاعرا، وأن من يريد أن يصبح شاعرا عليه أن يمر بعدن، ثم أشار شاعرنا إلى ديوانه الأول (أكليل لامرأة قتبانية) الذي نشر قصائده في صحيفة «14 أكتوبر» أحمد سالم الحنكي، لأن شاعرنا يتخوف دائما من نشر شعره، وللحنكي يعود الفضل لنشر ديوانه الأول بمشاركة من سعدي يوسف، ثم تطرق لمرحلة الدراسة في بلغاريا، حيث حصل على الدكتوراه في الرياضيات، وتعرف على شعراء وأدباء من مختلف البلاد العربية، وللشاعر ديوان آخر منشور هو (أعراس الجذور)، وله دواوين مخطوطة لم تنشر بعد، ولشاعرنا أيضا تجربة في كتابة الشعر الغنائي بدأت مبكرا، لأن المرحلة آنذاك -كما قال- كانت مشبعة بالغناء، فكتب الأغنية على هامش الشعر الفصيح وكانت أغنيته الأولى (حبيبي لاتغني) التي لحنها حسن باحشوان وغناها كرامة مرسال ولاقت حينذاك شهرة واسعة، ومؤخرا غناها وسجلها في شريط كاسيت الفنان عوض مفتاح، وقد قرأ شاعرنا نماذج من شعره الحر والعمودي، ومن العبث التعليق على شعره هناك بأسطر قليلة، فتجربته الشعرية كتجربة زملائه تحتاج إلى بحوث ودراسات نقدية أكاديمية، إلا أنني أخشى أن أقول ولعلي مخطئ إذا قلت إن شعر العمود خسر الشاعر القدير جنيد محمد الجنيد.

وكان الشاعر القدير عبدالرحمن إبراهيم هو المتحدث الرئيس عن تجربة شاعرنا الجنيد الشعرية، حيث قال: «جنيد لايكتب إلا عندما يعاني، فهو صادق، شعره نابع من تجربة واقعية وشعور يخلو من الزيف، إنه يؤكد مصداقية نزار قباني في قوله:

شعرت بشيء فكونت شيئا

بعفوية دون أن أقصد».

ويضيف إبراهيم: «عندما نقرأ- سواء كانت القراءة لقصيدة أم لمجموعة قصائد- نحس أن جنيدا في شعره يعبر عن قصة إنسانية مهما تكن غزلية أم سياسية أم اجتماعية، وهو بذلك يعكس موقفه، ونلامسها حتى وإن تمظهرت شكليا بالغموض، وفي ضوء ذلك نستطيع القول إن شعره غامض فنيا، والغموض ليس متكلفا، وإنما غموض تمليه طبيعة التجربة الفنية، بمعنى أن غموضه ماسي، ليس ذلك الغموض المعتم الذي يتحول إلى ضرب من ضروب الطلسمة، جنيد شاعر متوازن واعٍ لدلالة القصيدة فكريا وفنيا، وهو بذلك يختلف عن غيره من المتطرفين للحداثوية/التجديدية، في حين أن ثمة شعراء لانلمس في ما يكتبون الصدق في التجربة والوعي لهموم التجديد سوى الحذلقة الشكلية التي تؤكد مدى سطحية وعيهم للتجديد، وضبابية الموقف الفكري الفني. الشاعر الحقيقي، والفنان عامة، هو من يلون الأشياء بدمه على حد تعبير أولر. الشعراء الماسخون لايختلفون عن القرود في تنططهم من فرع إلى آخر في الشجر، إنهم ينطون من فرع إلى آخر بدون استحياء أو خجل، والفن والشعر بخاصة، هو في التحليل الأصح، موقف، حتى الفنانون البوهيميون في هلوساتهم، هم يعكسون مواقف رافضة لواقعهم بطرائق معينة.

هناك فرق بين شاعر ذي ثقافة معمقة وبين شاعر ذي ثقافة سمعية مُلقطة، ولا أريد أن أشير في هذا الصدد إلى أحد، بل أترك هذه المسألة للنقد والنقاد والقراء المتخصصين. أتمنى لأخي وزميلي د.جنيد محمد الجنيد، الكبير شعرا ومسلكية حياتية، كل الاستمرار والارتقاء والسمو في حياته العامة».

شارك في الحديث عن تجربة شاعرنا الجنيد الشعرية الشاعران مبارك سالمين ومحمد ناصر شراء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى