قصة قصيرة جدا .. مجنون محمد زياد

> «الأيام» كمال الدين محمد:

> تحت سور مطبعة الكتاب المدرسي افترش الأرض في صهد شمس ظهيرة صيف مفترسة هو ومحمد زياد.

كان يحدج حجراً قريباً منه شزراً، ويخاطبه بالهمهمات غير الواضحة التي تفر من فيه مزبدة لايفهم منها إلا ألفاظ قليلة بالعربية:

- محمد زياد.. هو السبب!! محمد زياد!.

كان المارة ينظرون إليه بإشفاق.. وجه أسود آخر قهوائي حالك متوجس هارب من ليل مغدور ليل جبان، ليل الصومال ليل جبان. أخذ يحرك رأسه لينفي ما قاله وهو ينظر إلى المارة بهلع، يبتسم ببلاهة طفل منتهك بمتلازمة (دون)، جسد قصير نحيف ذو سحنة إيطالية أنيقة، وبشرة رقيقة وشعر أجعد متسخ بالأتربة. تقف متوجسة في عينيه قطعان من خراف التعب. تلوح بطنه ضامرة مطوية، كأنما هو جائع منذ عشرات الأعوام.

كان الحجر الصغير يدنو ويبتعد من عينيه، وهو أشبه بحصان البحر الميت في وهن خرافي. من أين جاء مع الجموع على ظهر السفن. قيل لهم فيها: إن ثمة أقارب وجيرة. كان ثمة سلاحف عمرها قرون، وبيوض نعام، وأرض يحلب منها اللبن.. من هنا جاء الصومال. معناها: احلب. اذهب يازياد.. ووجد نفسه ملقى على الأرض الإسمنتية والسابلة من بعض عاملي مطبعة الكتاب المدرسي، يرمقونه بعطف وإشفاق، وحجر الصومال ملقى على الأرض، وقريب منه حجر آخر أتى به من بعيد.. من أرض الصومال.

كان شعره متسخاً وجسمه الضئيل الأسود القاتم متوتراً كنشاب على وشك أن يطلق سهامه من جديد.

في السابق كان يطير فوق صومال لاند.. والآن لا (لاند) ولا يحزنون. ولم يعد ثمة سوى حجر.. حجر على قارعة طريق الآخرين. حجر يقارعه الحجة بالحجة. يقول له أن يعود. ويقول: إلى أين ولم يعد ثمة محمد زياد!

عدن- أغسطس2008

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى