طريق وعرة بين الكوتا ووثيقة الزواج

> المحامية عفراء الحريري:

> يمر الطريق الواصل الذي قطعناه لكي نصل إلى نظام الكوتا بكثير من مشاهد ووقائع الخراب والهدم للمرأة الإنسان، والدليل قانون الأحوال الشخصية، نصوص قانون الجرائم والعقوبات.

وكنا نظن بأنها ستظل على جانبي الطريق، وسنتمكن في القريب العاجل من نزع أبوابها الحديدية، لكن أحلامنا أُحرقت، وقفزت إلى السطح غارة سوداء مجسدة في نموذج (وثيقة الزواج) الصادرة من وزارة العدل متضمنة سلاحا جرثوميا يصيب المرأة وحدها بالإعاقة التامة، حيث ألغيت خانة توقيع المرأة عليها والاكتفاء بتوقيع ولي الأمر، في حين أننا ما نزال نعاني من وعورة الطريق بموافقة ولي الأمر وحده على الزواج دون الأخذ برأي المرأة: كهلة، شابة أو طفلة.

هذه الأرضيات الوعرة تكومت فوقها مصائبنا نحن النساء في جميع طرق الأمل للمشاركة في التنمية ومناهضة العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي، وقبل أن نناضل للحصول على بقايا آثار مقاعد في البرلمان، أو كراس بأرجل عرجاء في مرفق آخر، أو في مطبخ يمتلئ بمواد غذائية متعفنة وحطام صحون وفقا لنظام الكوتا الموعود، ويبدو أنها لن تغير شيئا من مصائب الطريق الوعرة بنسبة %15 فقط .

كل شيء في بلادي يشهد على الرحيل المباغت للمرأة وعلى العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي الفوضوي للمد الجديد الذي لا أظن أن له علاقة بمبادئ الشريعة الإسلامية وديننا الحنيف، الذي كرم الإنسان (رجلا وامرأة).

إذ لن تنجو المرأة من هذا المصير المباغت والصعب حتى وردة الدفلة في الجنوب وزهر القرنفل في الشمال وغيرها من الأشجار والشجيرات حتى وإن كانت شائكة - وأعني بها النساء من مختلف الأعمار- فإن كان جميع الذكور مازالوا لا يؤمنون بدور المرأة، فهي ما تزال تزين الأرض وتحيط بالمساكن تضفي عليها جمالا وتحدد ملامح الحدائق وتزيدها بهاء، حتى هذا الدور يتضح أنه سوف يلغى وكل ذلك لن يبقى منه سوى صفوف من السواد والرماد ، في حين أننا نعتقد حسب أقوالهم وأقوالهن أن الكوتا لا يضاهيها علاج لمصائب الطريق الوعرة لحيويتها وثرائها وجمال ما ستحققه لنا، هكذا خدعونا عن الكوتا - بقولهم وقولهن حسناء - وها هي صورتها الآن قبل أن تولد وتكون، إذاً ماذا تبقى؟ وماذا لم يتبق لنا؟

كل موقع تحتله المرأة شكليا إلا في النزر اليسير جدا فقد دمر نموذج الوثيقة شأنها شأن الأمور الأخرى أوضاعا كثيرة مازلنا نسعى دائما لتغييرها. ولأن العلة فينا نحن النساء - وهذا اعتراف مخز - ظلت المصائب و الطريق الوعرة، ربما بمزيد من الإملاءت الذكورية والأحكام النصية القانونية والقرارات لأننا نقبل الانحناء في مفترق الطريق الوعرة، لم نستطع في الاتحاد ولم نتفق حتى في أن نرى سربا ورديا وأبيض من طيور الفلامنجو والحمام والبجع، ليسافر ويغني، ولم نبصر أجنحة الفراشات وهي مجتمعة تضرب بأجنحتها لتعيش، وسرب عاملات النحل يعمل بجد واجتهاد وينتج، كل هذا الجمال لم نلذ به. توقفنا لننصت للذكر لكونه (سي السيد) ، ولي الأمر، الحاكم ، الإمام ....إلخ وهو يرعانا كقطيع غنم وماعز.

على الرغم أن كل ذلك الجمال الذي خلقه المولى عز وجل هو دور من أدوارنا القيمة والنبيلة يمكننا القيام بها عوضا عن أن نستخدم في مرعى الوطن كماشية معظمها مسروقة وفي كل مكان راعيها لا يغيب عنها أبدا.

بالطبع ماشية، مع اعتذاري لبنات جنسي من النساء، لأن الحقول تظل مهجورة إن استمر جهد النساء مبعثرا في الرأي والكلمة والتفاعل والنشاط ، إذ إن الماشية المسروقة من مواقعها ومناصبها وأدوارها مازالت وستظل منظمة من قبل الذكور لأنها مصاحبة لأعمال التدمير التي ستلحق بالنساء وبالتالي لابد من أن تنعكس على البلاد .

فالنساء الباسقات ينبغي أن يكن كأشجار الغابات بغض النظر عن نوعها صنوبر أو مريمرة .. وغيرها عليهن أن يكن متراصات، متقاربات ، متفقات ... غير متناثرات، فهن بذلك الشأن يصفن نظيراتهن من الشابات والفتيات الصغيرات «الشجيرات» لتعرض أجمل الفروع القوية ، الصلبة فتفرض ذاتها بقوة نموها وتشبثها بالأرض، فلا تشج ولا تقطع ولا تبتر، تتكاتف وتقترب، تسطر رفضا وتصوغ غضبا واحدا متحدا متفقا عليه - ولتكن ما كانت تسميته - بيانا، منشورا، مظلمة، شكوى ، اعتصام.. كي يصبح الطريق الوعر قصيرا، سهلا ، منبسطا ، متسعا .. لنسير فيه معا فوق رؤوسنا ورد الدفلة وزهر القرنفل وورد الفل وفؤوس ومعول وعصي إن تطلب الأمر حينها سنقاوم اشتداد حرارة الشمس وعثو الرياح.

فنحن الكنوز النفيسة التي تنجب لعمار الوطن ونحن الأشجار الشامخة العالية التي تعطي الثمار لغذاء الأرض وتنتج الأخشاب لبناء البلاد، أما الفعاليات المنفصلة لنساء منفصلات - وأنا مثلكن - فلن تجدي في أي شيء وكل شيء، بل ستزيدهم عبثا بنا وبكل دور نؤديه وسيظل الذكور يمنحونا فتات أفكار وبقايا قماش ممزق وافد من مكان ما، ويعيدون خياطته وتطريزه ويرمونه صدقة علينا لأنهم يعلمون سلفا أن الطريق وعر (فالكوتا منحة منهم وأدق خصوصيات علاقاتنا الزوجية في قانون الأحوال الشخصية مسلوبة وإنسانيتنا منهوبة في قانون الجرائم والعقوبات ودخلنا الوظيفي ودرجاتنا فيه يجعلنا أشباه متسولات) مازالت كلها تخضع لما يختارونه من أسلوب للسفلتة وذلك ما يجعلنا في أيديهم قشا لترقيع حوائط بيوت شيدوها هم ولا أسقف لها وحفنة قشرة برا وذرة لعصيدة غذائهم أيضا .. فأي قضية صغيرة أو كبيرة تخصنا بوسعنا أن نجعلها كل صباح وقبل طلوع الفجر طريقا لسيرنا ونصطف أشجارا متلاصقة ، متوغلة في بطن الأرض ، شامخة ترنو إلى السماء مورقة بفروع طرية قوية إن بتر أحدها نبتت فروع مثمرة وناضجة وحولنا عشب وورد وزهر وعلى جذوعنا تصنع النحل خلاياها وعسلها وتبني الطيور أعشاشها وفوق العشب حولنا تخيم الفراشات.

ولن يكون الطريق وعرا بين الكوتا ووثيقة الزواج لأن كل ما في الطريق والغابة وكل الأرض لا يصلح إلا بالجنسين ذكورا وإناثا وهكذا خلقنا الله عز وجل فليست هي مشيئة الذكور لقوله المولى (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى