> «الايام» علوي بن سميط:

قام بزيارة هذا الحصن عدد من المهتمين والباحثين منهم: فان دار مولين ووايزمان في 1931، كما قام هارولد انجرامز في 1935م بنسخ لوحين فيهما من الرسومات من بينها مشهد لصيد الأسود يظهر أسدا يهاجم شخصا وأسدا آخر مستلقيا على ظهره في حالة احتضار ومشاهد أخرى لصيد غزلان، كما يوجد تاج منحوت عثر عليه مولين ووايزمان، قاما بتسليمه إلى عدن في القرن الماضي.
من بنى هذا الحصن؟
لم يتم بدقة تحديد باني هذا الحصن، بل إن البعض ذهب جراء مشاهدته بعض النقوش أو التصميمات للمبنى بأن البناء يعود إلى حضارات أخرى موغلة في القدم من الشام أو بلاد فارس، ولكن في تقديري لايعني أن وجود مثل هذا يؤكد أن حضارة أخرى كانت هنا أو جلبت خبراتها، فالمعروف أن حضرموت منذ ماقبل الإسلام لها علاقات واسعة مع بيزنطة ومع بلاد المشرق، ولربما أترك الإجابة نقلا عن أدوارد كيل الذي زار الحصن في 91م، ثم مرة أخرى في مارس 94م، الذي قال في بحثه المنشور في كتاب (الدرسات الأمريكية) المرجع المذكور سابقا أنقل مانصه من صـ303 بقوله :«تشير البقايا الأثرية إلى أن الجزء الرئيس من القلعة قد شيد بعد القرن الأول الميلادي بقليل، ويمكن تأريخ التكوينات الزخرفية فيها بطابعها الأجنبي بحوالي القرن الخامس الميلادي، لذا فإن بناة هذا الموقع أغنياء ذوو خلفية مشرقية شامية تواجدوا في حضرموت مباشرة بعد القرن الخامس الميلادي وبالتحديد من أفراد قبيلة كندة»، ويسترسل في السياق ذاته صـ305: «إن هناك عددا من الاحتمالات، فيما يتعلق بصاحب حصن العر وأفضلها هي أن إحدى عشائر كندة هاجرت من شبه الجزيرة إلى الشام، ثم عادت إلى جنوب الجزيرة».
ويفهم من هذا أن كندة أيا كانت العشيرة هي التي بنت هذا الحصن، أما ما وجد من فنون تشابه فنون الشام أو غيره، فما هو إلا تأثر فنان القلعة أو النحات بأسلوب فن بلاد الشام، لكن المؤكد أن الحصن بني كدفاع وكقصر في أرض كانت غنية بمزورعاتها، وتظل مسألة التحديد الدقيق لباني هذا القصر أو الحصن محل جدل في تقديري لا تحلها إلا مزيد من اكتشافات أهل الاختصاص لتحديد العلاقة ونوعها مع الأمم الأخرى وهذه المنطقة الشرقية في حضرموت للإجابة عن الباني الأصلي للقلعة .. عموما لم تكن القلعة أو حصن العر مجرد أثر، بل إن الحكومات السابقة استخدمته لارتفاعه وموقعه كنقطة عسكرية حتى أنه كان في القرن الماضي مقرا لأفراد من الفيلق العربي الحضرمي (جيش البادية) إلى أن تم نقلهم منه بعد اضطرابات وصدامات بينهم وأفراد من قبائل المنطقة حينذاك.

في بداية الموضوع أشرت إلى أن الأستاذ الأديب والمؤرخ الحامد قال إنه لربما هذا الحصن هو العلعال مستندا إلى أن تاريخ ابن هشام توافق وصفه مع هذا الحصن بحضرموت، بل إنه- أي الحامد- أكد أنه حصن العر، والمعروف أن أي قارئ مهتم باللغات القديمة قارئا وليس باحثا متعمقا سوف يتأكد له أن العر هو الاسم الصحيح لهذا الحصن، القلعة، القصر، فكلمة (عر) في اللغة العربية الجنوبية القديمة تعني (حصن) .. وكما كانت حضرموت على علاقة مع محيطها الإقليمي ماقبل الإسلام، فإن إشارات كثيرة تؤكد أن علاقات وثيقة ربطت «مسيحيي سوريا وحضرموت في مطلع القرن السادس فلقد كان اثنان من القساوسة الأربعة الذين قتلوا في أثناء حملة ذي نواس على حضرموت من قساوسة الأديرة السريانية»، (تاريخ حضرموت السياسي الاجتماعي قبيل الإسلام وبعده) تأليف د.سرجيس فرانتوف، ترجمة د. عبدالعزيز جعفر بن عقيل عن المعهد الفرنسي للآثار صـ93. قصدت من ذلك المثل تبيين أن علاقة حضرموت على مختلف أديانهم ماقبل الإسلام مع الآخر نتجت عن فهم ثقافي متبادل، وما نقلته أعلاه قد لايكون مرتبطا مباشرة بحصن العر، لكن لتأكيد العلاقة خصوصا وأن بعض المهتمين قدروا أن بعض الزخارف هي فن من خارج حضرموت، مع هذا تبقى كل القرائن والشواهد التي تجمع على أن هذا الحصن هو قديم وبناه الحضارم وصدوا غزوات عديدة للاستيلاء على المملكة القديمة.
هذا الحصن اليوم
(العر) كما هو تاريخ وأثر فإنه وبوسائل وإمكانات قليلة يمكن للحكومة اليمنية الاهتمام به كمعلم ثقافي سياحي، ولعل وضعه وصفه المسح السياحي للجمهورية اليمنية 1996م - 1999م في الكتاب الصادر عن وزارة الثقافة والسياحة حينها الجزء الرابع صـ47 «مازالت بقايا آثار حصن العر مع بقايا جدران المنشآت قائمة مبنية من الأحجار المهندمة كبيرة الحجم، كما توجد بقايا صهاريج المياه القديمة». وكما ذكرت أنني زرته قريبا فإنه بوضع سيء .. إنه كنز وغير مطمور للأسف لم نستفد منه ثقافيا أو سياحيا أو حتى لمزيد من الدراسات لاكتشاف أكثر الحقائق.