يحبهم ويحبونه

> «الايام» علي بن عبدالله الضمبري:

> «إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة» رواه مسلم من أوائل (كتاب الإيمان) ورواه الترمذي في (جامعه).. في هذا الحديث النبوي يوضح النبي الأعظم أن الله «يحب» خصلتين عظيمتين، وسلوكين راقيين هما : الحلم والأناة.

قال ابن منظور في (لسان العرب): «الحلم - بكسر الحاء وسكون اللام- الأناة والعقل، وجمعه أحلام وحلوم، ورجل حليم من قوم أحلام وحلماء، (وفعله) حَلُم (بفتح وضم) يحلم حلما: صار حليما، وحلُم عنه وتحلّم سواء، وتحلّم: تكلف الحلم، وتحالم:أرى من نفسه ذلك وليس به، والحلم نقيض السفه.. والحليم في صفة الله عزوجل:«معناه الصبور، وقال: معناه أنه الذي لا يستخفه عصيان العصاة، ولا يستفزه الغضب عليهم، ولكنه جعل لكل شيء مقدارا».

أما (الأناة) فهي مشتقة من الفعل «أنى الشيء يأني أنْياً وإنّى وأنّى، وهو أنيٌّ: حان وأدرك. قال الفراء: يقال: ألم يأن (بكسر النون لجزمه)، وألم يئن.. وأجودهن مانزل به القرآن العزيز.. ألم يأن للذين آمنوا، وهو من أني يأني، وآن لك يئين».

إن (الحلم) و(الأناة) صفتان حضاريتان تدلان على حس مرهف، وذوق رفيع، وسلوك رفيق، وشعور مفعم بالتؤدة والاتزان، والصبر والتروي، والحزم والتأني، والصدق والتثبت، والهدوء والتبين وهاتان الصفتان (يحب) الله من يتصف بهما، لأنهما تدلان على كمال الإيمان وجمال الإحسان، أليس هو الله (الحليم) الذي يحلم عن العاصى حتى يؤوب ويتوب ويثوب ويعود؟! فيفرح به ويقربه ويدنيه، ولا يغضب عليه، ولا يستفزه العاصي فيطرده فيقصيه، بل يقول:«علم عبدي أن له رب يغفر الذنوب فاستغفرني فغفرت له».

وأما (الأناة) فهي ضد السفه والطيش والتهور والتسرع والاستعجال والخفة، والحق جل علاه كما وصفه نبيه الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم (رفيق) فقال:«إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله» متفق عليه..وقال:«إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف» رواه مسلم.

ومن الصفتين السالفتين ندرك سر وكنه الحب الإلهي لمن يتصف بهما: فالحق - تقدست أسماؤه- رفيق يحب الرفق، وبالتالي فهو يحب الرفقاء الرحماء المتئدين المتزنين غير الطائشين ولا المتهورين وهو «يعطي» على الرفق مقدرة على الصبر، وصبراً على التحمل، وتحملاً على النزق الأحمق، والطيش المتهور.. كما أن الرفق «زينة» تزين السلوك، وتحسن التعامل، وتسمو بالعلاقات الإنسانية ولذلك قال:«إن الرفق لايكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه» رواه مسلم.. بل حذرنا من «حرمان الرفق» فقال:«من يحرم الرفق يحرم الخير كله» رواه مسلم وأحمد وأبو داود.

فيا أيها المسؤولون، اتقوا الله في أبناء وطنكم عاملوهم بالحلم والأناة والرفق، فقد ولى زمن «الصراع الطبقي» ولم تبق سوى قيم الإسلام العظيمة الخالدة، لا تنعزلوا بالحراسات، لا تتعززوا عن المواطنين، ولا تستكبروا بالمناصب، فهي ظل زائل وعرض حائل.. بل تعززوا بأخلاقيات من «يحبهم الله ويحبونه».

ويا أيها الآباء والأمهات والمرشدون والخطباء والدعاة والإعلاميون اعلموا أن الله إذا أحبكم هيأكم لتجليات أسمائه عليكم فيجعل في سلوككم حلماً ورأفة، وفي قلوبكم رقة ورحمة، وفي تصرفاتكم أناة وحكمة، بها تحبون الناس فيحبكم الله، وإنما يكون (القرب) على قدر (الحب).. اللهم املأ عقولنا بالعلم، وأفئدتنا بالسلم. وقلوبنا بالحِلم.. آمين

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

* مدرس بكلية التربية

جامعة عدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى