ثورة إيمري في فالنسيا مذاعة تلفزيونيا

> فالنسيا «الأيام الرياضي» وكالات :

>
كان فابيو يتلقى التعليقات الساخرة من رفاقه ببساطة في كل مرة يخلع فيها سترته الشتوية على مدار الموسم الماضي، كاشفاً عن القميص البرتقالي لناديه المفضل فالنسيا، إلا أن المهاجر البرازيلي المعتاد على لعب الكرة أيام الآحاد من كل أسبوع لم يكن صدره رحباً مع قدوم شهر أبريل الماضي.

فمع نهاية ذلك الشهر كان النادي العريق يتلقى خسارة مفجعة بخماسية من بلباو ألقت به في المركز الخامس عشر في جدول ترتيب أندية الليغا، على بعد أربع نقاط فقط من منطقة الهبوط إلى القسم الثاني، وهو ما كان يفسر إصبع الإبهام الذي كان يشير به رفاق فابيو إلى الأسفل، في محاولة لإفساد يوم ذلك الفتى البرازيلي الشاب.

لم يظهر فابيو مطلقاً بعد ذلك اليوم، ولكن بعد أقل من ستة أشهر من ذلك التاريخ ها هو فالنسيا يعيش أفضل أيامه منذ فوزه باللقب موسم 2004-2003، متصدراً جدول الليغا عقب المرحلة الخامسة للأسبوع الثالث على التوالي، مسجلاً ثاني أفضل هجوم، وثاني أقوى خط دفاع بالمسابقة المرموقة، إلى جانب تقديمه هداف الموسم إلى حد الآن.

ثورة الباسكي

وسائل الإعلام الإسبانية تتحدث عن ثورة حقيقية حدثت في أروقة فريق كان بالأمس القريب مصدراً ملهماً للأخبار الساخنة وأنباء الصراعات الداخلية الحادة، وهو ما كلف الفريق ثلاثة مدربين خلال أقل من عام، إلى جانب تولي ثلاثة رؤساء مختلفين كرسي القيادة خلال نفس المدة.

خواكين سانشيز -أحد كبار المكتئبين من الموسم الماضي- لخص المعجزة في تعقيب قصير قائلاً:«إنه نفس فريق العام الماضي، كل ما تغير هو النظام داخل الفريق، كل فرد يعلم الآن طبيعة مهمته، تحت قيادة مدرب يدرك ما الذي يريده، ولحسن الحط أننا لدينا هذا المدرب حالياً».

خواكين يعني بكلماته شخصاً واحداً يدعى أوناي إيمري، الباسكي الشاب، الذي قدم إلى فالنسيا حاملاً إرثاً ثقيلاً عن زميله كيكي فلوريس الذي أقيل بسبب البداية السيئة مطلع الموسم الماضي، ثم الهولندي رونالد كومان، الذي دخل نفقاً أكثر إظلاماً عرف إحرازه 18 نقطة فقط من 22 مباراة خاضها مع فالنسيا بالليغا حتى نهاية الموسم، كما يملك رصيداً كارثياً بخسارة نصف المباريات التي أقيمت على أرضه خلال ذلك الموسم.

ويبدو أن إيمري أدرك أن ثورته يجب أن تبدأ من قلب النفق المظلم، أو كما يقول خواكين «الأجواء داخل الفريق مختلفة تماماً عن العام السابق، نحن نشعر بهذا بمجرد دخولنا غرفة خلع الملابس، في الماضي كان جميع اللاعبين يرددون الأقاويل مع كل مشكلة تحدث لنا، ولكن الآن نشكل مجموعة لاعبين متماسكة حقا، وعندما تكون بدايتك طيبة فهذا يدعم من تماسكنا أكثر».

بداية قلقة

رحلة إيمري خلال الأشهر الماضية مع فالنسيا تبدو كرحلة فأر فيلم Ratatouille الشهير، ذلك الفأر العاشق للطهي، والذي نجح في إبهار بني البشر بمهاراته، فقدوم الباسكي الشاب -36 عاماً- إلى فالنسيا استقبله البعض بقدر من التوجس، خاصة أنه كان قبل عامين فقط مديراً فنياً لفريق لوركا من القسم الثاني، قبل أن يحقق مسيرة ناجحة برفقة فريق ألميريا، والذي احتل معه المركز الثامن بأول موسم له بالليغا في تاريخه.

ويقول إيمري إن انطباعه الأول عن فالنسيا لدى قدومه إليه الصيف الماضي لم يكن إيجابياً في مجمله، بقوله:«لقد وجدت فريقاً عامراً بالندوب والجروح من داخله، وهي جروح سببت له الكثير من الآلام، وأنا أسعى فعلياً لعلاجها».

ويضيف كاشفاً عن وصفته العلاجية الخاصة:«أنا أسعى دوماً لصنع علاقة وطيدة باللاعبين، أريد معرفة الكثير عنهم داخل وخارج الملعب، إيجاد أجواء داخلية طيبة أمر فائق الأهمية بالنسبة لتماسك أي فريق».

كان على إيمري ينام مع عدوه الأول وهو «عدم الاستقرار»على حد تعبيره، وهو الوباء الذي تفشى في فالنسيا مع انطلاق الموسم وسط حفنة من الإصابات تضم القائد كارلوس مارتشينا، المشاكل الداخلية التي تضمنت أسماء محورية مثل روبين باراخا ودافيد ألبيلدا والحارس الألماني تيمو هيلدبراند، إلى جانب خسارة محبطة لكأس السوبر الإسباني نهاية أغسطس الماضي.

حصاد مبكر

ولكن بعد شهر من انطلاق الليغا ها هو إيمري يخطف الأضواء بصفته آخر منتجات الكرة الإسبانية التدريبية، محققاً نتائج أبهرت الجميع في فعاليتها بصرف النظر عن جمالية الأداء، وهو ما تحقق مرتين على حساب أوساسونا في المرحلة الثالثة، ثم مالاغا في المرحلة الرابعة.. الحصيلة هي 13 نقطة من خمس مباريات، أربع انتصارات، تعادل واحد، ورصيد خال من الهزائم، هداف المسابقة هو دافيد بيا بستة أهداف، 12 هدفاً في جعبته، أربعة أهداف فقط في شباكه، ومرونة كاملة في تشكيلة وأسلوب لعب الفريق رغم كل الظروف المعاكسة التي أجبرت إيمري على تجربة 18 لاعباً خلال خمس مباريات فقط حتى الآن من الموسم.

ويقول إيمري -عن تصوره للأسلوب الذي يجب أن يلعب به مع فريقه الجديد- «أريد أن يتوحد عشاق فالنسيا مع أسلوب لعب فريقهم، أتمنى أن يتمتع فريقنا بأسلوب لعب مميز، يمكنك التعرف عليه من الوهلة الأولى، فريق له هويته الخاصة، أسوأ ما يمكن أن يحدث لأي فريق كرة ألا يعلم تماماً ما الذي يفعله على أرض الملعب».

الأهداف الـ12 التي أحرزها فالنسيا لم يتخللها هدف واحد من كرة ثابتة أو ركلة جزاء، كلها جاءت من ألعاب متفق عليها، تحمل بداخلها اندفاعا هجوميا كاسحا، ولعل هدف خوان ماتا الطائر في أوساسونا أو هدف بيا الثاني في مالاغا، أو الهدف «الهندسي» الثالث في ديبورتيفو الأحد الماضي بقدم خواكين تعد نماذج معبرة عن بصمات إيمري الخاصة، والتي تجعل من فريقه أشبه بفريق كرة قدم أمريكية يسعى لقتل أية مباراة يلعبها باللجوء إلى الهجوم الكاسح، بأكثر من لاعب في كل الجبهات وفي الوقت نفسه.

تشكيلة مرنة

فالنسيا يحقق نتائج رائعةمرونة إيمري في التعامل مع تشكيلة الفريق كانت موضع إعجاب من جانب الصحافة المحلية، خاصة مع تواجد لاعبين شباب في العديد من مراكز اللعب المحورية، مثل إقحام الحارس البرازيلي رينان -23 عاما- ومعه المدافع أليكسيس روانو -23 عاما- إلى جانب أسماء تقليدية مثل راؤول ألبيول، أو الإيطالي إيميليانو موريتي، أو البرتغالي ميجيل.

في خط الوسط كان على إيمري مداواة غياب إصابة نجمه باراخا، ومعه دافيد سيلفا بإعادة ترميم مواهب الفريق المدفونة مثل بيثينتي رودريغز صاحب الهدف الثالث أمام مايوركا، أو خواكين سانشيز و«المكتئب سابقاً» دافيد ألبيلدا، هذا إلى جانب إعطاء الفرصة للبرتغالي الشاب مانويل فيرنانديس -22 عاما- وزميله بابلو فيرنانديز -23 عاما-.

الهجوم يضم -حسب وصف وسائل الإعلام «الماكينة الثنائية»- أو على وجه الدقة دافيد بيا ومعه «النابغة» خوان ماتا ابن العشرين، والذي سجل ثلاثة أهداف، ليصبح مرشحاً بقوة للانضمام إلى منتخب إسباني عامر في الأصل بالمهاجمين من أصحاب الطراز الرفيع.ويعلق ماتا نفسه على بصمة إيمري عليه بشكل شخصي، قائلاً لمحطة راديو ماركا الإذاعية:«لقد أضاف لي إيمري الكثير على الصعيد التكتيكي.. عرف كيف يستفيد من جميع العناصر التي يملكها تحت يديه، نحن الآن نعلم كيف نتمركز على أرض الملعب، لقد جلب إلينا أجواء عمل طيبة، ولدينا ثقة أكبر في أنفسنا».

ويبدو أن عروض فالنسيا الأخيرة نالت اهتماما خاصا من جانب مدربى الليغا، ومنهم ميجيل أنخيل لوتينا المدير الفني لفريق ديبورتيفو لاكرونيا -آخر ضحايا إيمري- الذي علق على مردود منافسه قائلا:«فالنسيا لا يمتلك الآن إمكانات برشلونة على سبيل المثال، ولكنهم عندما يسرقون الكرة منك فمبقدورهم تحطيمك تماما، أعتقد أن تولي قيادة فالنسيا الآن تعد مهمة لذيذة، فقد تطور مستواه كثيراً بعد أن عاش موسما فائتا حافلا بالمعاناة».

بطل الليغا 2009-2008؟

الفوز على حساب ديبورتيفو لاكورنيا يوم الأحد 2-4 في المباراة قبل الاخيرة جسد أفضل عرض لأبناء إيمري في المسابقة حتى الآن، خاصة بعد أن حولوا تأخرهم بهدف لفوز صريح مبهر، لتقفز توقعات مبدئية بإمكانية وصول فالنسيا بعيداً في مسابقة الليغا لهذا العام، وهو ما يثير خيال خواكين نفسه.

ويقول مكوك الوسط:«من المبكر الحديث عن المستقبل، ولكننا نسير على الطريق الصحيح، من الواضح أننا نلعب كفريق مختلف سعيد بتواجده على أرض الملعب، على العكس من الموسم الماضي، ففي الماضي كان من المستحيل أن نحقق الفوز أو حتى التعادل في حال تأخرنا بهدف مثلما حدث أمام الديبور».

وأمام إيمري فرصة ذهبية لتعميق تفوقه المحلي خلال الشهر المقبل، مع مقابلات متوازنة في الأسابيع المقبلة أمام فرق بحجم بلد الوليد، نومانثيا، ريكرياتيفو، راسينغ، خيتافي، سبورتنغ خيخون.

إلا أن الجحيم الحقيقي سينطلق من منتصف نوفمبر المقبل حتى منتصف يناير بعد أعياد الميلاد، مع حروب صغيرة متوالية كمواجهة سيفيليا على أرضه، ثم ريال بتيس، ومن بعده الحلول ضيفاً على برشلونة ثم إسبانيول ثم ريال مدريد، متبوعاً بلقاء أتليتكو مدريد، ومن بعده فياريال، وأخيراً الحلول ضيفاً على بلباو في ختام مباريات الدور الأول.

إيمري لا يعنيه كثيراً اللحظة الحالية، كما كرر على مدار الشهر الماضي، بل يضع نصب عينيه المستقبل، قائلا:

«احتلالنا لقمة الليغا مجرد طرفة، أنا مهتم في الأساس بتطور الفريق المستمر من مباراة لأخرى، نحن ليس لدينا سقف للطموحات، ولكن استقرار الأداء أمر محوري بالنسبة لي».

عدم خبرة إيمري الكبيرة في عالم الليغا المعقد ربما يثير شكوك البعض في إمكانية احتفاظ فالنسيا بتوهجه حتى النهاية، ولكن المدير الفني صاحب النبرة الخجولة لا يعتبرها عثرة في طريقه، قائلا:«أنا أتعايش مع حقيقة عدم خبرتي منذ بداية مشواري، وأعيش مسيرتي الاحترافية بطبيعية شديدة، وبالكثير من تحمل المسؤولية، أنا لا أشعر مطلقا بقلة خبرتي، فأنا أواجه هذا بالعمل الشاق».

وأضاف القارئ النهم لكتب فن الإدارة والتنمية البشرية:«أعتقد أن مزيتي الرئيسة أنني شخص طيب العشرة، حسن النية، أتعامل مع الآخرين بصفاء قلب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى