المدينة الوطن

> «الأيام» عدنان حسن الطريقي / دار سعد - عدن

> تسكرني صباحات عدن الندية.. المشبعة برائحة البحر المنعشة، وهي تتسرب إلى مضاجعنا خلسة، لتلقي علينا تحية الصباح كعادة معتادة مطلع كل يوم.

تأسرني هذه المدينة الهادئة بجمالها الأخاذ وبساطة ناسها الطيبين المحبين، وبكل ما حوت من إبداعات ربانية تتجلى للعيان في موقعها الإستراتيجي الفريد الواقع في الوطن كموقع القلب من الجسد، وسواحلها الذهبية الناعمة ومحمياتها الطبيعية الرائعة وحيودها البركانية المنيفة.

وأسمو بزهو وشموخ مع إبداعات الإنسان فيها إذا ما نظرت إلى معالمها التاريخية العريقة التي تحكي مجد التاريخ لهذه المدينة العظيمة وأبنائها المخلصين اللذين فتحوا الأنفاق العظيمة ونحتوا الصخور وشقوا الجبال وصنعوا الصهاريج وشيدو القلاع الحربية الحصينة وعمروا المساجد والمنارات.

تسحرني هذه المدينة الفاضلة واحترام حضرية أهلها ومدنيتهم الموغلة في أعماق التاريخ.. كيف لا وهي مدينة النظام والقانون ومركز إشعاع الحركات الفكرية والتحررية ومؤسسات المجتمع المدني في وقت كانت فيه كثير من العواصم العربية تعيش حالة من الجهل والتخلف.

عدن المسرح والسينما والصحافة والأدب.. عدن «فتاة الجزيرة» و«الأيام».. عدن محمد علي باشراحيل ولقمان والجرادة.. عدن الحرية.. عدن ماهية نجيب وسعيدة جرجرة وصباح منصر والعملاقة راقية حميدان.. عدن أحمد بن أحمد قاسم ومحمد سعد عبدالله.. إنها عدن المدينة الفاضلة وسيدة المدائن وغرتها وثغرها الباسم الضحوك.. لما حباها الله من فضائل تحنو على الجميع تسمو على جراحها مهما كانت غائرة لأنها ترى الزمن كفيل بإبرائها أو هكذا نرى.

عدن مهبط الحب الأولي ومهوى أفئدة العاشقين، ودوحة المحبين والمتحابين والهائمين.. أحبها الجميع والكل بها افتتن، أما أنا فأكاد أن أجن فقصتي مع عدن بلا حدود كالزمن، أحببتها منذ الصبا مذ كنت طفلا لايعي معنى انتمائه للوطن، ومرت السنون بي لا أدري كم هي، لعلها عقود بل إنها كذلك أربعة أم خمسة تنقص أم تزيد، ما عادت تهمني لأنها انقضت في سفر حبي للأبد لهذه المدينة الوطن، ولا أغالي إن قلت لاتبدو اليمن سعيدة إلا بعدن.

هكذا أرى عدن وقد يرى غيري بأنني مناطقي أدعو إلى عصبية ممجوجة.. بل إن بعضهم سيعتبر مشاعري مساسا بالمواطنة وفصلا للعرى إن لم تنل من الثوابت.. وهذه الثوابت مطلقة، منها إثارة النعرات والفتن وبث ثقافة الكراهية وكل شيء يدخل بهذه الثوابت.. لكنها مشاعري لا يستطيع أحد تعديلها أو ثنيها عما تريد، لأنها- بلا أسف- خارج نطاق سلطتي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى