قصة قصيرة .. حوارية الأصابع

> «الأيام» بشرى أحمد حيدرة باعوين :

> ليلة البارحة وعلى مائدة العشاء احتدم النقاش بين أصابع يدي، وتغيرت ألوانها وامتقعت وجوهها، والسبب هو إصبع يدي الصغير (الخنصر) الذي هو دائم الشكوى والتذمر من أتفه الأسباب، وهو يغار هذه المرة من أخيه الأكبر الإصبع (البنصر)، والذي كان جرمه الوحيد أنه جميل رشيق القوام، وفيه توضع الخواتم الجميلة التي يحبها الخنصر كثيرا.

سالت دمعة حارة من عين الخنصر، والتفت مخاطباً الوسطى التي كانت كاسمها وسطى في كل شيء، كان يحسدها على موقعها المحبب ومكانتها بين أخواتها الأصابع، وقال بلهجته الغاضبة والحاسدة: أما أنت يا وسطى فالكل يجسدك فشكلك متناسق جميل ورأسك جميل ومدور ويعجبني كثيراً.

أخذ الخنصر يندب حظه ويصيح ويولول، ولكم سالت دموعه غزيرة حتى بللت كف يدي فرق قلبي له، وحزنت لأجله، ومع أن الأصابع مستغربة من طريقة تفكيره، إلا أنها حاولت معه بالحسنى للعدول عن حكمه على نفسه بالفشل والإحباط، إلا أن الخنصر أبى إلا أن يتم حديثه فصاح بالسبابة التي كانت تتقطع غيظاً وحاجباها مرفوعان- هكذا تفعل إصبعي السبابة عندما تغضب-: أنت ياسبابة تتشهدين في كل صلاة في حين نبقى نحن الأصابع مكاننا ننظر إليك ونراقب!.

هنا طفح الكيل، ولولا أن الوسطى والبنصر أمسكا بالسبابة لطالت الصغير نارها ولاحترق.

قطب الخنصر حاجبيه، وهمس لإخوته: حتى الإبهام كبير وضخم الجثة ويزيد بياض شعره من وقاره وهيبته، ثم إنه موصوف بالحكمة، حتى نقول نحن معشر الأصابع: «حكيم كالإبهام».

اختلفت الأصابع حول ما سيكون عليه عقاب الخنصر هذه الليلة لتطاوله الذي لايجب أن يسكت عنه، وتنوعت العقوبات، فارتأت السبابة حرمانه من العشاء، وارتأت الوسطى أن يغسل الصحون بدلاً عنها هذه الليلة، أما البنصر فاقترح أن يضرب حتى يتأدب، ولكن الخنصر صغير ويحتاج إلى أن يفهم، وهذا مالم تفهمه الأصابع الأخرى.. وفجأة تدخل الإبهام وأخذ الخنصر بعيداً وراح يخاطبه وينصحه، والأصابع مذهولة منتظرة ما يراه الإبهام الحكيم، ومراقبة لوجه الخنصر وهو يضحك تارة ويبكي تارة أخرى.

ليلتها نام إصبع يدي الصغير والدموع تملأ عينيه، ولكن كلي ثقة من أنه حين يكبر سيفهم حتماً أهميته ودوره في الحياة، وأن الرضا والقناعة هما أساس الإبداع، خنصر يدي الصغير سيكبر ويفهم ما تعنيه يد بلا خنصر.

كلية التربية - صبر

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى