لماذا يذهب الناس إلى السينما؟ «People sitting together»

> «الأيام» أديب قاسم :

> قضية جديرة بالبحث. والعبارة الإنجليزية في هذا العنوان، هي الرد السديد، من مواطن في الغرب- صدفة كنت قد التقطتها عندما جاءت يدي على المحطة الفضائية للقمر الاصطناعي (24 Franace) أي فرنسا 24 ساعة التي تبث بالإنجليزية، وفي اللحظة الأخيرة لطرح السؤال نفسه على لسان المذيع التليفزيوني.

نعم، لماذا.. نذهب إلى السينما؟.. وفي هذا البلد الذي لم يعد فيه من وجود لدور السينما!.. فالقوى السلفية بتواطئها مع النظام الحاكم، قد أثرت في المزاج العام المحكوم بثقافة السلطة، وهي تعيش في خصومة مع العصر.. (وعبر كل العصور) التنويرية التي نهضت فيها شعوب الأمة العربية - والإسلامية، لتمضي في ركب الحضارة الإنسانية ولتعيش هذا الانغمار بوحدة الشعور الإنساني بمدى أهمية وسائل العصر وآليته المتقدمة مع مسار الحياة الطبيعي.. وهو ما كان يراه الأديب العربي طه حسين (رحمه الله) من سنن الحياة والأحياء، عندما نظر إلى تلاقح الحضارات فيما نقله العرب عن الهند والفرس واليونان.. وماهي عليه حال جزيرة العرب في أربعينات القرن الماضي من ارتكاسة في الأدب، وفي طرق النقل والاتصالات، والتواصل مع العالم بما أشاعه الغرب من وسائط الفن والثقافة في وسطه وفي محيطه الإنساني. وكان طه حسين قد شرع يغذي السينما بنتاجه الأدبي!

في القاموس السلفي لفظ «سينما» يعني (إلغاء المسجد) تراها هذه الجماعة لهواً من عمل الشيطان.. صناعة من عمل الجن!.. ففيها إغراء بالإقبال على الدنيا ومباهجها والابتعاد أو التلهي عن الصلوات.

عند الشيخ محمد الغزالي (رحمة الله) في كتابه:«شبهات حول الإسلام» يرى أن لا شيء يمنع المسلم من التداخل مع مفردات العصر: السينما، الراديو، التليفزيون، القطار، السيارة، الطائرة، وكل ثمار التقدم في مضمار الحياة.. وإنما عليها أن تجسد قيم الحياة!

شيء جيد ما يراه هذا العالم الكبير.

في (اليمن اليوم) كل شيء هو بيت أبيض يؤمه الناس للصلاة، وقميص أبيض (ساده) يلبسه الناس زينة للحياة الدنيا والإقبال به على الله سبحانه أي زي الملائكة.. ولحية سوداء، والأفضل بيضاء، تفترش الوجه.. غير هذا فهو كفر!

ثم..

يتنافسون على الظهور عبر شاشات التلفزيون ليفسروا لنا(وخلق لكم من البغال لتركبوها.... ومما لا تعلمون) وكيف سخر الله سبحانه الجن لسليمان (عليه السلام) فتصنع له قدوراً وآنية وتماثيل.. وبساطا يسافر في الفضاء ويصل إلى أقصى الأرض عبر ريح غدوها شهر..

ومن الجلي أن كل ما هو خير، هو من عند الله سبحانه الذي كرم الإنسان: القطار.. السيارة.. حتى الصاروخ وسيلة السفر إن شاء الله في عالم الغد..

فما الضرر من السينما؟ وأن تذهب إليها حتى «المرأة»؟.. فلتُحذف من شرائطها ما يخدش الحياء.. ويسيء إلى رسالة المسجد في الإقبال على الآخرة، وفي عمارة الحياة، أما أن نذهب إلى الصحراء!.. فلا نشهد غير خيمة من النجوم.. ونعتزل ما يبعث المسرات، ويثير حوافز الذهن إلى الإبداع، ويحث على التقارب بين الشعوب على اختلاف إلسنتها (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا).. فهذا كله ضد مسار علوم الأحياء من طلب العلم واستثمار كل وسائل المعرفة!

هذه الدولة تعيش بنظمها وأفكارها وريبتها في ذيل المجتمع العالمي.. ترفع شعار «الديمقراطية» وتكرّس «العُرف القبلي».. وتفتح أبواب التجارة العالمية.. وتنغلق في الداخل، وتتشقّر على السينما من خلال نافذة التليفزيون.. وتغلق المسارح، ودور السينما، وأندية السباحة ومعارض الصور، وحفلات الغناء الموسيقي.. وكل وسائل الترفيه الاجتماعي!

والآن نأتي إلى موضوع السؤال: لماذا.. نذهب إلى السينما؟

نحن نذهب إلى السينما لنجتمع بغيرنا.. لنلتقي المجتمع.. لنجد الصديق العزيز الذي لم نشاهده لأسابيع أو لشهور وربما لسنوات!.. لا سيما بعد أن عزلنا أنفسنا عن المجتمع، وأحلنا بيوتنا سجوناً.. فصرنا نجلس إلى التليفزيون، ورغم فضاءاته الواسعة، نشعر بأننا قد اعتزلنا العالم.. واعتزلنا الحياة.. رغم أن هذه الوسيلة قد قرّبت منا العالم!

يذهب الناس إلى المسرح ليجدوا وسيلة للترفيه، يتعلموا ويستمتعوا بقيمة العروض الفنية.. ويسعدوا بمشاركة غيرهم.. والضحكة في عرض كوميدي حين تكون كبيرة من جمهور كبير، تملأ أقطار النفس بالبهجة أكثر مما لو شاهدت العرض في غرفة مغلقة!.. وتجتمع الناس على (مادة) ثقافية تذهب إلى عقولهم جميعاً لتبعث في نفوسهم الرغبة في التغيير.. وفي الإقبال على الحياة.

ويذهب الناس إلى السينما كذلك الحال، وللاستمتاع بمباهج العالم، ومشاهدة أجناس أخرى.. تتحرك شأن تحركهم: تتزاوج وتحب، وتعاني.. وتفكر.. وتمتلأ وجوهها بالدموع للأسباب نفسها التي تملأ وجهك بالدموع.. وعندما يشرق وجهك.. وتتعرف إلى عنصر من هذا العالم تفصلك عنه مئات الآلاف من الكيلومترات لنقل إنه «جريجوري بيك» أو «آلن ديلن» فتحس أنك تعرفه وبداخله يقيم الشعب الأمريكي أو الفرنسي، وغيرهما.. أصبحت قطعة من هذا العالم!

غير أننا نذهب إلى السينما لنلتقي المجتمع الذي يشاركنا «وحدة» الشعور العام بهذا العالم.. نخرج إلى الحياة.. نتهندم.. ونتسلى في السير مسافة نقطعها حتى نصل إلى السينما.. (في العالم اليوم مجمع سينمات) فتذهب لتجلس في المقهى أو كافتيريا السينما، وتحت ظلال الأشجار والأضواء.. وحولك انتشرت المكتبات الشعبية أو الصغيرة ومحلات بيع الآيسكريم.. وأماكن أخرى للألعاب أو اللهو البريء لمجرد الاستمتاع مع وجود آخرين يشاركونك هذا المحفل الفرائحي!.. وأن تشاهد عرضاً جديداً (طازجاً) لأحد الأفلام (وأنا هنا لا أتحدث عن أفلام أكشن Action المتعطلة عن كل مضمون فكري أو فني)، بل التي ما إن ترجع إلى منزلك لتجلس إلى التلفاز أو تتصفح إحدى المجلات الفنية حتى تسمع ما يدور حول هذا «الفيلم» من أحداث وحقائق، وكيف حصد الجوائز في مهرجان كان.. وكيف تحولت هذه الرواية إلى عمل عظيم يعرفها العالم في كل مكان.

فما أحبَّ من أن تذهب إلى السينما وأنت لا تستطيع أن تسافر إلى العالم!.. وأحسن من كل ذلك أن تشارك في صناعة سينمائية لتدخل بها المنافسات العالمية..

(هذا خيرٌ من أن تعيش في الكهوف).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى