(حفيظ) ذو السبعة عشر عاماً يروي خبر الفيضان

> حضرموت «الأيام» عبدالله سالم باخريصة :

>
لم تصدق عيناه أن مدينته الدافئة التي طالما لعب فيها وترعرع بين أحضان جدرانها الطينية الجميلة ستنهدّ أمام عينيه دون استئذان جراء سيل جارف، ومن غير سابق إنذار وجد نفسه وأبناء حيه وبلدته شاخصة أبصارهم من أعلى الجبال تتهاوى جدران منازلهم بعد أن نال منها طوفان الله.

(حفيظ)، صبي في ريعان صباه لم يتجاوز بعد سن السابعة عشر من عمره، كان الجبل ملجأ له مع من لجأ من ذويه وأقرانه من أبناء جيرانه وحيّه حينما رأى السيل قادما، قابلناه .. تحدثنا معه ليروي للجزيرة توك حجم الكارثة، ابتسم ابتسامة الأبرياء وبدأ الكلام بصوت متقطع حزين بادت عليه علامات الحزن والإرهاق رغم صغره.

سألناه عن لحظة دخول السيل إلى منطقة (مشطة) بوادي حضرموت بالجمهورية اليمنية، حيث تعد هذه المنطقة من أكثر المناطق تضررا جراء الفيضانات الأخيرة،

فبدأ يصف بتفاعل يديه قائلا: (جاء لنا الخبر الساعة الخامسة والنصف فجرا بأن هناك سيل كبير قادم، وعند حلول الساعة السادسة صباحا تقريبا ترفع جميع الناس إلى البيوت العليا مع نسائهم وأطفالهم وضل الكل مترقب ذلك السيل ولم يأخذوا معهم شيء من منازلهم لعدم توقعهم بحجم هذا السيل، ومع نهاية صلاة الجمعة بدأ السيل يدخل المنطقة، وخرج الناس من المسجد وهم يسبحون تقريبا في الماء، وارتفعنا إلى البيوت العليا، والسيل في طلوع).

بعد الكارثة
بعد الكارثة
وبلهجة الخوف والانفعال أشار (حفيظ) بقوله:

(في الحقيقة إن قدوم السيل كان رهيبا ومخيفا، وحين رأينا قوّته وهيجانه هربنا إلى الجبال حيث كانت خير مأوى لأهل المنطقة جميعا.

وبقي الناس في أعالي الجبال يشاهدون تهاوي أسقف بيوتهم على أنقاض الجدران، يصيحون .. يبكون، والله إنه منظر لم أر مثله في حياتي، وعلى فكرة هناك قصة عصيبة حدثت لأسرتي .

فبينما نحن مهمومون بالسيل وزحفه على المنطقة إلا ويلف أختي ألم الولادة وكانت حامل حينها فأصبحت مصيبتنا مصيبتين، فخرجنا نبحث عن طبيب ليساعدنا في محنتنا .

وبعد فترة وجدنا الطبيب إلا أنه اعتذر في البداية لانهيار مبنى عيادته بالكامل على أدواته الطبية، لكنه في النهاية دبر لنا الأمر إذ كانت عناية من الله لنا ولأختي في وضعها السالم لبنتها، فأطلقنا عليها اسم (نجاة) لنجاتها من الحوادث ولمولدها يوم أن نجا الجميع من الموت وسقوط المباني دون ضحايا بشرية في منطقتنا).

(حفيظ) مازال يتابع سرد روايته العصيبة ونحن نستمع إليه بشغف وانتباه.

وأضاف: (بدأ الوضع يهدأ من جانب الانهيارات المنزلية في حدود الساعة الواحدة ظهرا، غير أن مطرة قوية هطلت علينا إلى الساعة الخامسة عصرا، ونحن حينها في البيوت العليا والحمد لله، وبتنا تلك الليلة دون عشاء، الكل كان يلعق عبراته المريرة وسط صبر قاتل، وفي صباح اليوم الثاني (السبت) خرجنا لنتأكد من الوضع فوجدنا الماء لا يزال مكانه، فأخذنا النساء والأطفال إلى أعلى الوادي عبر الجبال والطريق كان وعرا وذلك لانقطاع الطريق الرسمي، وبعد يومين ولله الحمد جاءت الطائرة محملة بالمواد الغذائية والخيم والأغطية، ويوم (الإثنين) وصلنا خبر حوالي الساعة التاسعة صباحا على أن هناك طائرة أخرى ستأتي فنقلنا كبار السن عبر الحراثات من البيوت إلى الوادي حيث موقف الطائرة.

وتأخرت الطائرة حتى الساعة الرابعة عصرا تقريبا وكنت مرافقا لأولئك الآباء، ونحن أول مجموعة ينقذونها من المنطقة)، وختم (حفيظ) روايته وهو مبتسم كعادته.

لا شك أن الذكريات الأليمة التي عايشها (حفيظ) في فيضان حضرموت الأكبر ستلازمه مهما كان عمره، وكثير هم أمثاله من الصبيان والأطفال والشباب فكيف سيكون المستقبل لهذه الفئة؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى