قصة قصيرة .. نظارة

> «الأيام» مختار مقطري:

> نظارتي انكسرت منذ أسبوعين.. ومن ذلك الحين... بدأت أرى بوضوح..!

عمري كان خمس سنوات عندما خدعوني بأن نظري ضعيف.. فوضعت النظارة فوق عيني أربعين عاماً.. انكسرت أكثر من مرة ، وفي كل مرة كنت أشتري نظارة جديدة في اليوم التالي.. هذه المرة ليس بمقدوري شراء نظارة جديدة.. ولماذا أشتريها ما دمت أرى جيداً.

زوجتي التي وصفوا لي جمالها ليست جميلة.. عيناها ضيقتان، وأنفها أفطس.. أسنانها صفراء.. ابني (سند) وحيدي .. فرحة عمري.. عوني في كبري. ليس كما كنت أراه من خلف زجاج النظارة.. شاباً وسيماً.. قوي الجسد.. مفتول العضلات.. رأيته بعد انكسار النظارة.. شاباً هزيلاً.. ضامر الوجه.. مهدود الجسد والحال.. عيناه ذابلتان.. وتحتهما بقعتان سوداوان من الإفراط في العادة السرية وإدمان الأقراص المنومة.

المقالات السياسية التي أدمنت قراءتها في الصحف، ليست مطمئنة.. والأمور ليست على ما يرام كما كنت أقرأ عنها في الصحف قبل أن تنكسر نظارتي.

طارت قدام عيني ذبابة فعرفت بسرعة أنها ذبابة وليست فراشة.. وفي الشارع صرت أميز الفرق بين السيارة الـ(برادو) وبين سيارة الأجرة.. وبين المجانين والموشكين على الجنون.. وبين الشبع القليل والجوع الكثير.

نظارتي انكسرت قبل أسبوعين.. فصرت أفرق بين اللون الأبيض وبين اللون الأسود.. والفرق بين ما تعرضه لوحات الإعلانات وبين شراء علبة طماطم من البقال.

بدأت أكتشف حقيقة أصدقائي في وجوههم.. الصادقون قلة..راقبت الأطفال في الشوارع.. فوجدتهم معذبين وبائسين. وفي الحدائق العامة وجدت الأشجار ميتة.. وبين وجوه المرشحين للانتخابات على الجدران لم أجد وجهاً مألوفاً فشعرت بالخوف.

يا الله.. كل هذا القبح والزيف من حولي؟!!

انكسرت نظارتي لكني نظرت في المرآة.. عليهم لعنة الله.. كذبوا عليَّ بأني لست وسيماً.. وأن نكد السنين شوه وجهي وأبقى عليه ملامح الغباء.. كلا.. أنا وسيم.. وفي عينيّ يلمع ذكاء.. وفي أنفي شموخ وأنفة.. وعلى شفتي إغراء يوشك أن يتحدث.

انكسرت نظارتي منذ أسبوعين.. لكني أقسم بالله العظيم.. لن أشتري نظارة جديدة حتى إذا توفرت لي النقود.

أكتوبر 2008م

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى