الأهالي ينقذون أنفسهم و(ثبي) منطقة خالية تماما وآثار الدمار قائمة

> «الأيام» عبدالله بن حازب:

>
حي كامل مدمر وسط ثبي شاهد حتى أمس الأول
حي كامل مدمر وسط ثبي شاهد حتى أمس الأول
وصلنا إلى قرتي (البدع والكودة) اللتين تنبئان أن القادم مهول. في خيمة من خيم الهلال الأحمر الإماراتي يجلس أربعة شباب يتناولون إفطارهم، وعلى الرغم من نكبتهم أبوا إلا أن نتقاسم وإياهم إفطارهم هذا اليوم وهو شاي بالحليب وبيض و روتي.

وفي خيمة أخرى لا تبعد عنهم شباب أيضا، الجميع قالوا إن أسرهم مازالت هناك في موقع الإيواء بمدارس في تريم قريبا من البدع. يجلس الشباب في الخيام كما قالوا لنا «بين فترة وأخرى نذهب إلى مكان الإيواء، ونتواجد هنا لحماية المنطقة، كما ترى كل البيوت إما متضررة أو انهارت كليا».

طلبة من جامعة حضرموت يعانون صعوبة الانتقال إلى مبنى الجامعة يذهبون يوميا من بين الركام يبحثون عن مواصلات وأسرهم بعيدة عنهم ووجدناهم بعزيمة مؤمنة، تحدث إلينا رائد عبدالله بازهير وأنور وشوقي صالح بازهير وزاهر بازهير وانضم إليهم أبناء علي سعيد رزق من أبناء البدع ضواحي ثبي وقالوا:«منازل أسرنا تضررت وأصبحنا بدون مأوى، والحمد لله على كل حال نقلنا إلى مواقع الإيواء، ونشكر جمعية الرأفة التي تقدم لنا الغذاء يوميا ولكل المنكوبين، وكذا مساهمة الهلال الأحمر الإماراتي».

حي آخر مدمر وسط ثبي
حي آخر مدمر وسط ثبي
وفي موقع بالبدع قال لنا العبد بن شيبــان التميمي وأحمد سالم العبد التميمي: «إن ما حصل قضاء وقدر، والحمد لله على سلامة الجميع، ولكن ما نطلبه هو التعجيل والإسراع في بناء مساكن للمتضررين، وعن الأكل والإغاثات فإن الهلال الأحمر الإماراتي وجمعية الرأفة حقيقة لم يقصروا وكل الجمعيات، وكانت جمعية الرأفة أول ما استقبلت المتضررين، وتقوم بأعمال منها الواجبات اليومية للمتضررين سواء في البدع أو المناطق الأخرى». سرنا بين أطلال منازل لم يعد وجود لساكنيها في البدع، لم نجد إلا أعدادا من الشباب والكل (أطفال ونساء) في مخيم الإيواء.

وفي الكودة القريبة بل المجاورة للبدع تستقبلك البيوت المنهارة والورش أكثر من 25 منزلا انهار كليا، ونحو 24 غير قابلة للسكن وآيلة للسقوط . مجموعة من الشباب من آل الزعبي وآل تميم وآل باخميس وآل مؤمن وبلسود يقفون بجانب حوش هائل، وورشة مهدمة، هكذا قال شباب الكودة لنا:«الوضع منذ 24 الشهر الماضي على هذا الحال، الكل فقد منزله، والمتضررون يعيشون بالمدارس، والإغاثات جاءتنا من جمعية الرأفة والهلال الأحمر، كما حصل المتضررون على إغاثات من جمعية الإصلاح.

حصيلة بحث متضرر في ثبي أوراق.. أمس الأول!
حصيلة بحث متضرر في ثبي أوراق.. أمس الأول!
وعبر «الأيام» نناشد بسرعة إصلاح المنازل وتسكين المتضررين في بيوت».. حقيقة كان هذا طرح الجميع في كل الأماكن والمناطق المتضررة التي زرناهـا.. دخلنا بعدئذ ثبي، وشاهدنا كيف دمرت، وهنا بعض المنــازل القــائمة لم ينته تساؤلنا حتى جاءت الإجابة، ونحن على يسار المدينة أكوام بل تلال طينية.. هنا 104 منازل اختلطت ببعضها كأنما حاولت التماسك للوقوف أمام السيل الذي اكتسح المنطقة وفكك أحياء بكاملها.. فرق كبير جدا بين سيول 2002م وسيول هذا العام، كنت هناك قبل ست سنوات للتغطية، وعدت اليوم للغرض ذاته لأجد معالم لم تعد قائمة بل آثارا للدمار واضحة، هذا العام دمرت السيول أضعاف أضعاف ما حصل قبل أعوام (راجع «الأيام» العدد (3544) 2004/4/24 صـ2 «في ثبي أكثر من 60 منزلا متضرر»).

واليوم أكثر من 104منازل انهارت كليا و26 منزلا تضررت جزئيا، وغير قابلة للسكن وثلاثة مساجد ومجمع تربوي انهارت، وإتلاف عدد من المتاجر ونفوق مئات المواشي ليست هذه مقارنة، فالفرق خلال ست سنوات كبير ومهول إلا أن الأهم أن السيول لم تقض على أحد ولم تجرف أو تذهب ضحيتها أنفس، لم يأت السيل على حين غرة، ولكن لم يتوقع أحد قط أن يكون بهذا الحجم الذي أغرق ثبي، وشرد في بداية الأمر كل سكانها، كانوا حتى الجمعة 24 أكتوبر كغيرهم من سكان الوادي تحت وابل المطر الغزير، يدعون جميعهم أن يكون غيث رحمة، وأضحى فيما بعد سيول رحمة دمرت الممتلكات، وأبقت البشر.

ممتلكات متواضعة سلمت من جرف السيول
ممتلكات متواضعة سلمت من جرف السيول
يقول الأخ عبد الرشيد عصبان رئيس اللجنة الأساسية للطوارئ ومتابعة أضرار السيول بمنطقة ثبي، الذي التقيناه مع مجموعة من اللجنة الأهلية ليحدثنا كيف واجه السكان الخطر المحدق، وكيف نظموا أنفسهم، وبدأنا بسؤاله عن الوضع الحالي فأجاب:«الوضعية الحالية، الناس التي فقدت منازلها أو التي خرجت منها لتضررها يتواجدون بمدرستين واحدة بالرحبة والأخرى في تريم، وتقوم الجمعيات الخيرية بتكفل غذاءاتهم منذ اليوم الأول ثم بدأت مرحلة أخرى وهي أن قام بعض الإخوة المتضررين بتأجير منازل تكفلت بها مؤسسة وادي حضرموت وجمعية الرأفة وازدحمت المنازل جراء التأجير، وللأسف فإن الكثير من الملاك عندما شاهدوا متضرري ثبي يبحثون عن بيوت في تريم ومناطق أخرى لاستئجارها رفعوا الأسعار ليس إلى 10آلاف ريال، بل البعض يطلب مقدم ستة أشهر للإيجار دون تقدير لوضع المتضررين، وجزاء الله هاتين المؤسستين الخيريتين اللتين تكفلتا بالإيجارات». ما هو الحل برأيكم؟ أجاب عبدالشكور حميد عصبان: «يوجد مخطط قريب من ثبي يمكن أن تصرفه السلطات للمتضررين لتسكينهم، وأعتقد أن هذا سيكون حلا عمليا وناجعا».

قربة الماء بديلا عن الثلاجة في منطقة الكود
قربة الماء بديلا عن الثلاجة في منطقة الكود
عندما وصل السيل أين كان أهل ثبي؟.. «كان الموقف صعبا لابد من إجلاء السكان دون استثناء، يوم الجمعة 25 شوال بدأت السيول تتدفق، ولكنها سلكت طريقا آخر لم يعهده أو يعرفه حتى كبار السن.. تحت المطر المستمر بدأ الشباب والعقلاء يناقشون الوضعية، الوجوم على كل الوجوه.. المستقبل القريب لا بل الحالي لايعرف عند أحد شيئا إلا الخالق سبحانه وتعالى، اجتمع هؤلاء وشكلوا لجنة لكيفية التصرف حيال الموقف».

بلاد كاملة ترحل تاركة المنازل والممتلكات

بدأت السيول كالعادة وبدأ أهل ثبي تساورهم المخاوف من قدوم السيول الكبيرة، وكالعادة أيضا يستفسر سكان كل مناطق وادي حضرموت من المرتفعات والمناطق الواقعة عند مصادر السيول عن كثافة السيل القادم، وفعل خيرا أهل ثبي عندما تواصلوا مع ساه هاتفيا، ساه تبعد عنهم بأكثر من 105 كلم، وجاء الرد محذرا أن سيل عدم قادم وقوي الجريان.. كان الخبر فجر الجمعة، وبدأ الناس بالتشاور وجاءت الاحتمالات الفرضية بأن السيل ربما يصل إلى هذه النقطة من ثبي أو يرتفع إلى هذه البيوت، البعض رأى أن الاحتمالات مجرد توقعات، فلماذا لا نترك الجدل ونبدأ العمل، وتكونت بالفعل أول لجنة أهلية ربما على مستوى وادي حضرموت، وتدارست فيما بينها، كان هناك اتصال من أمن تريم إلى عاقل الحارة بثبي يوم الجمعة 24 أكتوبر، بدأت ساعات الصباح كئيبة والمطر مستمر والغموض يلف الوادي الكبير.. ثبي تلملم أنفاسها وبدأت المساجد واللجنة توجه الناس للرحيل المرتقب. يقول عصبان: «كان الوضع صعبا علينا أن ننقل أكثر من 4500 نسمة ونحن في حصار، بدأت مؤشرات السيل تنبئ بقوته، بدأ التجمع في الساحات العامة والمسجد الجامع، صلى الناس يوم الجمعة الظهر والعصر جمعا وقصرا، فالظروف تتسارع، نظمنا أنفسنا وتطوع الشباب».

تاريخ وقوع الانهيار على منزل في الكودة
تاريخ وقوع الانهيار على منزل في الكودة
بدأت رحلة المسير نحو المجهول، الناس تحمل أطفالها وكبار السن والمرضى، وضع ومشهد لا يمكن تصويره على الإطلاق، لنتصور مدينة كاملة برجالها ونسائها وشيوخها وأطفالها تجابه الخطر وتجلي نفسها بنفسها.. تقاطر الكل، بكاء الصغار وهم يرحلون، الفتية والشباب وأعضاء الطوارئ الأهلية يطمئنون الناس، بكل تأكيد الارتباك سيد الموقف.. دموع الخوف وأكف الدعاء سمة ثبي ذاك اليوم، سمعنا الكثير من ذلك المشهد.. الكل انتظر بطرف المدينة، المطر الغزير وبدأت الأعين تشاهد ارتفاع غبار ودخان، وهم على أهبة الاستعداد للرحيل يقفون على قناة (ساقية) تفصلهم عن بر الأمان.. وجاءت العزيمة قدم أهل الرحبة ومناطق تريم لنجدتهم وتم نقل أهل ثبي في ظروف صعبة، الإعياء والحزن ودموع الناس وابتهالات الكبار مزيج من دراما دنيوية، الفجيعة والإيمان في آن واحد، والكل أسلم للخالق المصير.. قال أعضاء اللجنة:«حملت السيارات الكبيرة الكل وبقيت الديار خالية وأضحت ثبي خاوية، وظل 150 شابا فقط لحراسة ممتلكات الناس في البيوت التي هجرها أهلها بعيدا عن الخطر».

150 شابا تجولوا وسط الخطر لحماية ممتلكات أهلهم.. لأول مرة في العصر الحديث ينزح أهل منطقة بكاملها هربا من السيل.. أعضاء اللجنة حمدوا الله على نجاح عملية الإجلاء وكذا استقبالهم وإيوائهم بالمدارس هناك، حيث الظلام وانقطاع الاتصالات وعنصر المفاجأة شكل عوامل مرهقة للفارين من الخطر، إلا أنها تبقى حالة فريدة وبجهود ذاتية أن تنقذ منطقة كاملة بقضها وقضيضها.

منزل منهار في (البدع) جوار (ثبي)
منزل منهار في (البدع) جوار (ثبي)
تكفلت جمعية بتموينهم بالغذاء في أماكن الإيواء، حتى اليوم فإن متضرري ثبي في المدارس وينتظرون حلولا عملية لتسكينهم، شاهدنا ثبي، النساء والأطفال وكبار السن الذين هدمت بيوتهم مازلوا بالمخيمات على بعد كيلومترات، وحتى أمس الأول فالحياة فيها شبه راكدة والحركة لابأس بها، وأعضاء لجنة الطوارئ الأهلية يعملون كل ما في وسعهم ويحظون باحترام الجميع، تحدثنا وإياهم يوم جمعة، وكانت الجمعة الثالثة بعد حلول الكارثة.. بتقديري أن ما حصل في ثبي في عام 2002م كان نكبة بلطف من المولى تغلبت عليها الناس، رغم فقدانهم متلكاتهم ومنازلهم، وهذه المرة كانت أكبر كارثة تحل بهذه المنطقة، تحتاج ثبي للمواساة مثلما تحتاج منطقة الجحيل التي كانت محطتنا الأولى في هذه النكبة والثانية أيضا بعد ست سنوات.

لقد ناشد أهالي الجحيل أثناء حصارهم في 2002م هاتفيا «الأيام» وتكرر الحال في سيول أكتوبر 2008م هاتفيا، ولم يصل إليهم أحد، فروا إلى المرتفعات وبعد أيام سكنوا في المدارس، وحتى أمس الأول ذهبنا إليهم كما ذهبنا لهم قبل ست سنوات وطرحوا مقترحاتهم للخروج من هذا التكرار المدمر عبر كل سيل، فهذه المرة كانت الحصيلة أن 120 أسرة أضحت دون مأوى أو ممتلكات، في عام 2002م كنا قد أشرنا لوضع الجحيل في عدد 25 أبريل 2002م صـ5 بعنوان :«الأيام» تنقل بالصورة مأساة 29 أسرة تأكل في وعاء واحد وتنتظر الإغاثة.. اليوم ارتفع العدد أضعافا مضاعفة.. فكيف هي أوضاعهم هناك؟

في البدع متضررون جامعيون يتحدثون لـ«الأيام» وسط خيمة
في البدع متضررون جامعيون يتحدثون لـ«الأيام» وسط خيمة
هذا ما سوف ننقله في العدد القادم من بين منازلهم المنهارة ومن وسط المدرسة التي احتضنهم كموقع إيواء.. هكذا هو محيط مدينة تريم الغناء تلتفت يمنة ويسرة لترى عيناك مشاهد دمار السيول حتى بعدما يزيد على 20 يوما، أتذكر ما قاله رئيس فريق هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية د. سلطان القحطاني «الوضع الحقيقي لم يطلع عليه أحد»، وهذا هو الواقع.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى