أربعة منازل ما تبقى من قرية كاملة شمال شرق تريم

> «الأيام» علوي بن سميط/ عبدالله بن حازب

>
منزل متضرر في الجحيل انهار كاملا
منزل متضرر في الجحيل انهار كاملا
قبل أن نغادر (ثبي) نحو 5 كيلو جنوب تريم تحاورنا مع عدد كبير من المتضررين ومنهم: أحمد سعيد حميد رويشد، صالح رويشد سالم، كرامة علي بن حدجة، محمد رزق سعيد بريشان، عبدالله حميد بريشان، سالم باسواد وآخرون، تجمعوا واجتمعت أطروحاتهم وملاحظاتهم في الآتي: «مازالت أسرنا في مخيمات المدارس ونتواجد كما ترون لتفقد أكوام بيوتنا، الحقيقة منذ وقوع الكارثة مباشرة وصلت إلينا جمعية الرأفة وكذا جمعيات عديدة أخرى جزاهم الله خيرا، لم نر في الأيام الأولى للأسف الشديد جهات رسمية تغيثنا بالمعونات، بل إن المعونات وحتى اليوم من الجمعيات الأهلية والخيرية ومنظمات إغاثة دولية، نطالب بترتيب أوضاع كل المتضررين من حيث عمارة منازلنا أو بناء بيوت لنا في مخططات قريبة من منطقتنا».

متضررون يعودون إلى المخيم
متضررون يعودون إلى المخيم
وقال المتضررون:«هناك كثير من الأسباب التي أدت إلى هذه الحالة الصعبة التي عشناها ونعيشها، ولكن أولا وقبل كل شيء فإن ذلك قضاء وقدر، والحمد لله أن الأرواح سليمة، المطلوب إزالة شجرة السيسبان التي ضيقت المجرى وتسببت في ارتداد السيول، ومن الأسباب إهمال الجهات الرسمية لدفاعات المياه والسيول التي أنشئت منذ القدم وحافظت على المنطقة كدفاعات تبدأ من المسيال وإعادة سد مصغر والعمل على تنقية مجاري السيول، إذ إن هذه المرة وصل السيل العرمرم من جهة الشرق، وذلك شيء غير مألوف منذ مئات السنين ربما، ومطلبنا ترتيب سكننا والمزيد من الإغاثات والتعويضات فقد فقدنا كل شيء، وتعلم أن الشتاء وصل، والله وحده يعلم بأحوالنا وأحوال متضرري (ثبي) والوادي عموما».

تحدثنا إلى أسر كل واحدة لا تقل عن 10 أفراد، وبعضهم تصل أسرته إلى 22 فردا، أعضاء لجنة الطوارئ ومتابعة أضرار السيول في (ثبي) لديهم تقرير مفصل ومقترحات منطقية على الجهات الرسمية الاستفادة منها لمعالجة المشاكل الناتجة ما بعد الانهيار، وللحقيقة فهم شباب يعيشون الوضع ويتعاملون معه بروية وبصيرة.

أطفال من الأسر المنكوبة بالجحيل يلعبون تحت المخيم بعيدا عن منازلهم
أطفال من الأسر المنكوبة بالجحيل يلعبون تحت المخيم بعيدا عن منازلهم
قرابة 700 شخص دون مأوى يعيشون في مخيمات

لم نتوقع أن نزور المدرسة ذاتها التي ضمت قرابة 29 أسرة جراء نكبة سيول أبريل 2002م في منطقة الجحيل التي تبعد نحو 15 كيلو عن مديرية تريم، وتقع المدرسة بمسافة لابأس بها عن القرية.. دلفت المدرسة (مدرسة الحد) التي أوى إليها 90 أسرة متضررة هذه المرة، لم أصدق عيني وأنا أشاهد تلك الوجوه ذاتها التي تضررت قبل ستة أعوام، والحقيقة فإنني شرحت للزميل عبدالله بن حازب أنني كنت هنا وهؤلاء هم هؤلاء.. لم أصدق حقيقة أي والله جئت قبل ست سنوات، وكان أحد الآباء يحمل ابنه وعمره سنة فقط واليوم أصبح عمره 7 سنوات، سألت عن الأب قالوا إنه في مدرسة أخرى (مخيم)، هذه المرة دمرت السيول الجحيل تماما، ولم تبق إلا أربعة منازل وهي الأخرى مهددة، الدمار كبير جدا لذلك أوت مدرستان هما الحد وعمر بن الخطاب كل سكان الجحيل.. يا إلهي لقد بنى عدد من متضرري هذه القرية منازلهم المهدمة عقب سيول 2002م فدمرت مرة أخرى، مع كل هذا فقدان المنزل، الأوضاع في المخيمات، نقص من احتياجات متعددة يقابلك السكان بعبارة : الحمدلله أهلا وسهلا بـ «الأيام»، ما وصلنا إليه فريق «الأيام» هو أن كل المتضررين برغم ما حل بهم مؤمنون بالقضاء والقدر، ولم يظهر عليهم أعراض نفسية أو حالات عصبية، والحمدلله على ذلك، تحت مدرسة الحد يلعب الأطفال بلعبة لعلها الشيء الوحيد الذي أخذوه معهم قبل الرحيل، ببراءة الطفل لا يدركون ربما ما الذي جمعهم هنا، ولماذا ابتعدوا عن بيوتهم، ولا يدركون سوى أن هذه اللعبة تساعد قليلا على استيعاب احتياجاتهم الذهنية الصغيرة.

أول حديثنا كان مع الأخ المتضرر هادي مقطوف التميمي الذي انهار بيته أيضا قبل 6 سنوات وعادت لتجرفه السيول مرة ثانية يقول: «الحمدلله على كل حال، الأوضاع حاليا نحن وكثير من المتضررين نريد أن تصرف لنا الدولة أرض وتعطينا فلوس الإعمار، وسنعمر لأنفسنا إلا إذا كانت هناك جدية وسرعة في بناء منازل مقارنة بمنازلنا، وسوف تسلم لنا جاهزة ودون تأخير فهذا أمر أيضا نقبله يا أخي، هذه المرة نريد معالجات سريعة وسريعة، لا نريد أن نظل مشردين ولا نسمع إلا وعودا، وأكرر لكم أن أغلب المتضررين يريدون أن يتسلموا تعويضاتهم بيدهم، الحمدلله نحن أهالي الجحيل منطقة واحدة كأسرة، ونعيش مع بعض ولنا لجنة تتابع أمورنا، وأطلب أن توزع كميات عديدة من الناموسيات لأن الأسر أعطيت لهم من واحدة أو اثنتين والأعداد الفردية للأسر كثيرة، جزى الله خيرا الجمعيات الخيرية هي أول من وصل لنا، ونحن ما زلنا محاصرين من السيول قبل أن نأتي للمدرسة هنا وأشكركم لتفقدكم أوضاع المتضررين».

في مدرسة (الحد) مخيم إيواء منكوبي الجحيل التقينا بالأستاذ قاسم عوض معدل من قيادات اللجنة الأهلية لمتضرري الجحيل ومدير المدرسة التي أضحت مخيما لسكان منطقته، ومن قيادات الجمعية الخيرية الأهلية لأهالي الجحيل التي تكونت قبل وقوع الكارثة بنحو شهرين، سألنا معدل، وهو أيضا انهار منزله ويسكن بالمنزل أكثر من 50 من أفراد العائلة كاملة.. لم يصب أحد قط من الجحيل. يقول مجيبا عن تساؤلاتنا:«الآن فإن 120 أسرة تضررت من المنطقة نقلوا إلى مدرستين (الحد والخطاب) إجمالي الناس الذين فقدوا ممتلكاتهم ومنازلهم 700 شخص، عندما بدأت السيول تتوارد جاءتنا أخبار من مناطق تحذرنا بأن نرتفع وكذا الإخوان في أمن تريم نبهونا، الناس تداعت وجاء السيل بارتفاعات عالية جدا غير المتوقعة نحو الساعة 11 قبل الظهر الجمعة 24/10 قلنا إنه لا يمكن أن يبقى شيء جميعنا أكثر من 700 شخص صعدنا إلى الجبل، وظللنا هناك تاركين أموالنا ومنازلنا.. بقينا في الجبل نشاهد انهيارات بيوتنا والأمطار من فوقنا ولمدة يومين مقطوعين عن كل العالم».

لافتة الفريق السنغافوري كتب عليها (من قلوب سنغافورة)
لافتة الفريق السنغافوري كتب عليها (من قلوب سنغافورة)
ويضيف قاسم معدل:

«كما ترون نحن كأسرة واحدة، المهام موزعة فيما بيننا، و المتضررون يقومون بتنظيف الصفوف، بداية أصاب الأطفال إسهالات، الحمى بدأت، ولدينا في المخيم مستوصف صغير يعني معاينة بعض الحالات، والوجبات الثلاث حتى اليوم تتحملها الجمعيات الخيرية بالتناوب لكل متضرري الجحيل، تقدمها جمعية الرأفة وجمعية الإصلاح ومؤسسة الضمير، جزاهم الله خيرا، وخلال الأيام الماضية وصلت معونات وإغاثات ربما سدت الرمق من جمعيات أهلية وهيئات دولية، وكذا وصل لنا أطباء بلا حدود، وكذا دكتور للوقوف على صحة المنكوبين، وأطالب باسم المتضررين الهيئات الأهلية المحلية والدولية باستمرار عطاءاتها للمنكوبين، وأناشد الحكومة والمسئولين بتخطيط موقع سليم والتعجيل بالتعويضات، وتعلمون أن البرد قارس ويحتاج إلى ملابس تقي الأطفال وكبار السن، وحتى الشباب من ما يمكن أن يحصل جراء ذلكى.

من انهيارات الجحيل
من انهيارات الجحيل
يوم الجمعة قبل سنوات ويوم الجمعة قبل أسابيع جاءت السيول والنتائج واحدة

بالعودة لـ«الأيام» أعداد إبريل 2002م فإن بعض ما نستخلصه أن السيول الماضية طمرت أجزاء من الجحيل يوم الجمعة 12/4 واليوم غمرت سيول الجمعة 24/10/2008 كل المنطقة، وأجبرت أهالي القرية الوادعة على الفرار باتجاه الجبل الذي يطل عليهم، وما بين الجمعتين كان المشهد مهولا، حكى لنا بعض المتضررين أنهم ومنذ الجمعة 24/10 وحتى مساء السبت تناثروا على ارتفاعات الجبل دون مأوى، دون ماء، الصغار يصرخون وأمهاتهم يتألمن لهذا الحال، والكل يدعو الله اللطف وتفريج الكربة.. إنها مأساة بكل المعاني والمفردات.

طفلان بمخيم الجحيل.. عيون بريئة ولكنها حزينة
طفلان بمخيم الجحيل.. عيون بريئة ولكنها حزينة
مساء السبت خاطر شباب من دار المصطفى مع جمعية الرأفة وكذا عدد من أفراد أمن تريم، بل كان معهم زميلي سعيد شكابة الذي قال:«سرنا بالجبل من تريم مسافة طويلة مع الجمعية وعدد من ضباط الأمن ووصلنا بعد ساعات للجحيل نحمل أولى المعونات الأولية كالمياه والغذاء الجاهز، وصلنا إلى سكان الجحيل والجوع والظمأ ينخرهم، وكان موقفا صعبا، تصور لأكثر من يومين لم تصلهم الإغاثات، يشاهدون المروحيات تمر في السماء التي يحتمون بها ولكن ما من مجيب».

طبيب سنغافوري وطالب سنغافوري متطوع شرق الوادي
طبيب سنغافوري وطالب سنغافوري متطوع شرق الوادي
نعم ما سمعته يوم الجمعة 14/11 إنه كارثة بكل المقاييس، قص علينا الكثير من الشباب كيف أنهم قاموا بإجلاء كل سكان القرية إلى المرتفع، وكيف شاهدوا بكل ألم أموالهم يجرفها السيل، وكيف حمدوا الله وشكروه على نجاتهم، بقوا في الظلام يرتجفون ولا يسمعون إلا اضطراب السيل وهديره، وفي الصباح تمر المروحيات فوقهم ولم يلتفت لهم أحد، علما أن المواطنين في هذه المحنة اتصلوا بـ «الأيام» يستغيثون، ونشرنا ذلك في عدد السبت (اليوم التالي للكارثة) كما اتصل مباشرة عصر اليوم نفسه مواطن من أهل المنطقة بإذاعة سيئون، وعلى الهواء قائلا: «نحن محاصرون، نريد إنقاذ، نحن قرية كاملة لم ينقذنا أحد حتى اليوم».

كل وادي حضرموت سمعه وتألم ونشكر إذاعة سيئون التي بثت نداءات كثيرة حقيقة، ولعل المتضررين في مناطق أخرى كانوا يريدون إخبار «الأيام» أو الإذاعة ولكن جوالاتهم نفدت شحناتها.. في 2002م أبلغونا وبلغنا من يهمه الأمر وهذه المرة أيضا.

من الجحيل ذهب فريق «الأيام» يواصل جولاته إلى (مشطة) و(حصن فلوقة) ومشاهدات أخرى كانت عناوينها صبر المتضررين. أمس الأحد 16/11 كان في مشطة الفريق الطبي السنغافوري، يعمل منذ أمس الأول السبت في المركز الصحي بمشطة والازدحام كثير، تحدثنا وقائد الفريق MOHDTAHAR JUMAAT عن نشاطهم الطوعي فقال: «سوف نعمل يومين في مشطة ونتوجه بعد ذلك إلى القوز، وعلى العموم لاتوجد أمراض وبائية ولم نلمس ذلك، الناس بوادي حضرموت متعاونون كثيرا».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى