> «الأيام» علوي بن سميط/ عبدالله بن حازب/ سعيد شكابة:

طفل يحاول رفع مروحة من بين الأنقاض في مشطة الأحد الماضي
يقول المعمر حميد: «ماحدث قبل أسابيع شيء من الله ولا راد للقضاء والقدر، سيل لم أر مثله طيلة حياتي، لم يكن متوقعا أن يأتي إلى هنا- حيث يجلس عند المسجد- لأن المكان بعيد جدا عن ممر السيول»، ويشير بيده إلى الأمام نحو 100 متر :«انظروا هناك كان بيت السيد صالح محمد الشيخ أبوبكر منزل قديم عمره أكثر من 190 عاما أضحى كومة طين، وهذا المسجد عمره أكثر من 900 عام، لم يصل إلى هذه الأماكن السيل من قبل، ولكنه وصل مشطة كلها، وأهلها كلما انتقلوا إلى مكان مرتفع وبه بيوت ظنوا أنهم ابتعدوا عن السيل، فإذا به يصل، ولم يكن من بد إلا الصعود إلى الجبل».
بقي منزل الشيخ حميد بن ساحب صامدا بوجه السيول، ويقع على سفح الجبل، ومع أن منازل تجاوره في الارتفاع لكنها انهارت، وتجمع عنده في البيت أكثر من 200 شخص احتموا بالمنزل ليغادروا بعدئذ يتسلقون الجبل، وحتى بعد أن هدأت الأمور مازال يستضيف أسرا متضررة وأكثر من منزل في مشطة لم يتضرر ينزل فيه إلى اليوم العائلات والصغار والأقارب والجيران، مشهد من المفارقات الجميلة.. التكافل والرحمة والأخوة ميزة في كل المناطق المتضررة، والضيف والمضيف أحوالهم المعيشية متساوية، ولكن القلوب واسعة في هذه الملمات.
كيف نجا السكان؟
تشاور الشباب والعقلاء في مشطة إثر وصول خبر السيول الجارفة، ظهر الجمعة صعدت الأسر من البيوت المتقدمة واستقبلتها البيوت التي ترتفع عن الأرض على حافة الجبل، مفترضين أن القادم لن يصل إلى هذا الحد، وفجأة يتركون المنازل التي احتموا بها ويفزعون بذعر تصاعدا إلى الأعلى، مخلفين كل الممتلكات، وحتى منتصف الجبل اجتمع الكل، سكان بلدة كاملة درست كل الاحتمالات، ووضعت كل تدابير للنجاة، وهو ماحصل، بدأت البيوت تتساقط تحتهم، ومن فوق شاهدوا كل هذا بعيون حائرة وأفواه مشدوهة.

نساء في مشطة في شارع منهار الأحد الماضي
حل الليل بوحشته وهدير السيل صداه بين صخور الجبل مزمجرا، يرتجف الصغار والظمأ يزداد، الجبل وحده احتضنهم، ولكنه لم يخفف عنهم الجوع.. الخوف والقلق يختفي عند التضرع والدعاء، وتشرق شمس اليوم التالي، لاحت من فوقهم في الثامنة من صباح السبت طائرة تتبع إحدى الشركات النفطية قدمت لهم الأكل الجاهز والبطانيات.
ويصف عمر عيسى سعدان:«الحمدلله ساعتها بدأت تلوح بشائر الفرج، لم نذق شيئا الجمعة والسبت.. الله معنا».
ويقول الناس الذين تجمعوا حولنا (فريق «الأيام») الأحد الماضي:«لقد قدم الأخ ضياء السقاف من أملاكه الخاصة، وفي ظل هذه الظروف وجبات جاهزة تم طباختها جماعيا، وقدم المؤن الغذائية الأخرى لإخوانه جميعا سكان مشطة جزاه الله خيرا».
وحتى مابعد ثلاثة أسابيع أطل علينا من بين أكوام منزل الأسرة المهدم كل من الأخوين صالح سعيد هويدي وحسن باغريب يبحثان عن أشيائهما بين الأكوام، عمال كهرباء تريم يعملون على تمديد أسلاك آثار دهشتنا وهي باتجاه منازل منهارة.. ماهذا؟ قلنا لهم جاء الرد محزنا.. لم يطق رب أسرة أن يبقى في العراء مشردا، ففضل العيش مستورا في شق من بيته، ظل قائما لم نصدق، ولكننا شاهدنا ذلك، تلك تداعيات التشرد والمعاناة تتقاذفك الخيام أو حتى ضيفا مرحب بكل جيرانك أو أقاربك، ولكن تشعر أنك ثقيل عليهم أو لاتحبذ إزعاجهم، تلك صورة من صور عزة أبناء حضرموت وأحاسيسهم الرقيقة حتى بعد أن فقدوا كل شيء، ويبدو أن مشطة تنهض وبإعياء، كما قال لنا شباب من آل الشيخ أبوبكر وآل ساحب، حتى بعد انحسار السيول مخلفة دمارا كاملا: 149 منزلا و4 مساجد، وأكثر من ثلاثمائة من المواشي، وجرفت 7 سيارات و12 دراجة نارية وأكثر من 10 مزارع.
طائرة تتبع شركة وجمعيات أول الواصلين
كان الوصول صعبا إلى هذه البلدة، فالطرق مغلقة ومستنقعات عميقة تشكل موانع، والماء والكهرباء معدومان، ومع ذلك اقتحمت قوافل الإغاثات السريعة وسط الخطر، فوصلت كما قال الأهالي جمعية الرأفة الخيرية، وتلتها جمعيات الإصلاح والضمير والإحسان وغيرها، وانتشل الواصلون وضع مشطة نحو العافية، ووصلت الفرق الطبية، وخلال الأسبوعين الماضيين جاءت شركة (شرم برجر) النفطية بفريق طبي ضم د. فائز باعوضة من أبناء شبوة ود. إبراهيم الهادي من أبناء تريم، وعملا أسبوعين لعلاج الأهالي وقدما العلاجات مجانا، ودعمت الشركة مستوصف مشطة الصغير بأدوية، وجدنا يومها الفريق الطبي السنغافوري المكون من اختصاضي باطني ، نساء، أطفال يعملون بتفان وتطوع، ومعهم محمد إبراهيم الكاف ومحمد عيدروس (سنغافوريان) يدرسان بحضرموت يقومان بعملية الترجمة لفريق بلادهم.
ويقول رئيس الفريق لـ«الأيام»:«إن مستوى التعامل من قبل المواطنين جيد وراق، ونقدر تعاونهم وكذا تعاون السلطات في وادي حضرموت، ولم تظهر من خلال عملنا أي أمراض وبائية وإنما أمراض عادية، ونقدم كافة العلاجات مجانا للمرتادين»، ويرافق الفريق السنغافوري شاب من الكوادر الصحية بالوادي هو الأخ طالب بن شملان.

حياة اعتيادية.. مواطن يحمل أغراض يومية يعبر في شارع مدمر
يوم الجمعة تعرضت قرية حصن فلوقة إحدى ضواحي تريم الجنوبية الشرقية إلى إنذار قبل ست سنوات 2002م حاصرتها السيول، ودكت نحو 14 منزلا، ويوم الجمعة الأخيرة من أكتوبر الماضي فلقت السيول (فلوقة) وجرفت ممتلكات من داخلها نحو المجهول بسرعة غير متوقعة وحصد هذا السيل 34 منزلا، ولله الحمد لم يصب أحد بأذى حتى يوم الأحد، ومنذ 2008/10/24م فإن المتضررين من سكان فلوقة، الذين أضحوا بدون مأوى يسكنون مسجد القرية الوحيد الذي أصابه أيضا التصدع، فيما العائلات من النساء والأطفال تحتضنهم وتأويهم الأسر الأخرى التي لم تتضرر منازلها.. هكذا التكافل والتآزر، لكل منطقة بوادي حضرموت طريقة في امتصاص حدة مخلفات السيول إنسانيا وجميعها تتفق بأن تحافظ كل منطقة على أبنائها المنكوبين.
يقول د. قحطان التميمي من أبناء حصن فلوقة :«إن الأهالي شكلوا عقب صلاة الفجر يوم الجمعة لجنة أهلية، ووضعت التدابير وبدأ الشباب بعملية إجلاء السكان إلى المنازل المرتفعة»، ويروي حكاية قصيرة:«ظلت إحدى العجائز متشبثة بمنزلها لاترغب الخروج منه ، وتقول إن السيل لن يصل إلى هنا، ولكبر سنها تعلم ذلك، الكل بدأ يرتفع إلا هي لم يستطع أحد إقناعها حتى ابنها، ولأنها تحبه كثيرا وتتعلق بأحفادها استجابت لهم وما أن خرجوا من المنزل، وعلى بعد مسافة قصيرة حتى سارع السيل بمداهمة البيت وجرفه، الحمدلله جميع الناس سلموا بالمنطقة».
ويضيف د. التميمي الذي كان أول من اتصل بنا قبل ست سنوت أيضا عن الكارثة التي لحقت بفلوقة 2002م، ونقلنا حينداك نداءه إلى الجهات المسئولة عبر الصحيفة، يقول:«هذه المرة استقبلت البيوت المرتفعة السكان، وكم كان المنظر مؤلما، ولكنه مصحوب بالإيمان، والناس ترى منازلها تنهار أمامهم، وهم لم يأخذوا إلا ماهو على أجسادهم من ملابس، وصلتنا في اليوم التالي طائرة تتبع إحدى الشركات بالمياه المعدنية وغذاءات أولية ساعدت على سد رمق الجائعين»، وبصفته طبيبا سألناه عدة أسئلة فجاءت الإجابة:«كنت أتوقع، وهذا شي ء طبيعي أن تكون هناك حالات عصبية جراء فقدان كل شيء على المتضررين، ولكن ولله الحمد اتصف هنا الناس بالصبر والرضا بالقضاء والقدر، بل لاحظت الجميع يواسون أنفسهم ويعملون كفريق مشترك، بالنسبة للمياه فإن المعونات الأولى من مياه الصحة سلمت للأسر بدرجة أولى لمن معهم أطفال حتى يضاف لللبن تجنبا للشرب من مياه أخرى قد تكون ملوثة، كنا نخاف من انتشار الأوبئة بعض الحميات لكن مسيطر عليها والأوضاع الصحية بالمنطقة مستقرة ولله الحمد".
أما الأخ سالم عيظة العامري، من فلوقة متضرر وعضو اللجنة الأهلية يقول:«لدينا مقترحات لعملية تسكين المتضررين الذين فقدوا منازلهم، وقدمنا ذلك للجهات المعنية بما فيها الجمعيات الخيرية، ونأمل أن يستجيبوا جزاهم الله خيرا، حاليا وضع المتضررين العوائل لدى الأقارب والرجال بمسجد القرية وفي الخيام، الغذاءات والمعونات قدمت من عدد من الجمعيات والمؤسسات الأهلية كالإصلاح والرأفة وطيبة والحكمة والإغاثة الإسلامية العالمية وبرنامج الغذاء العالمي والعديد آمل أنني لم أغفل أحدا من الذين سارعوا لنجدة إخوانهم المتضررين، شاكرين لكم متابعاتكم ووصولكم إلى عندنا، وللحقيقة الناس هنا فتحت أبواب بيوتها للإيواء، جزاهم الله خيرا، الممتلكات جرفت والمنازل تهدمت، والنفوس سلمت».

منزلان ورغم ارتفاعهما في سفح الجبل لكن السيل وصل إليهما
كما أن الثناء لفاعلي الخير والجميعات الخيرية التي ساعدت مباشرة في إغاثة المنكوبين.
أسرة تطلب معونة عاجلة
صادفتنا بعض الحالات المؤلمة، فكما أعلنا في عدد الإثنين 3 نوفمبر الجاري عن حاجة أسرة من غرب الوادي مكونة من 20 فردا لم تستلم من الإعانة الحكومية الرسمية سوى فراش واحد فقط، شاهدنا منظرا آخر الأحد عقب زيارتنا لمواقع المناطق المتضررة شرق الوادي, وتحديدا مقابل حصن مطهر قبل الوصول إلى تريم حالة صعبة ومنذ انهيار منزل الأسرة وجرف السيول لمواشيهم وتضررهم الكامل من الجمعة 10/24 وحتى 11/15 استلمت خيمة وقطمة رز وقطمة سكر فقط، أسرة مكونة من 12 فردا تصورا ذلك.. هذه المشاهد مؤشر لمستوى الإغاثات الرسمية تحتفظ الصحيفة باسم رب الأسرة، ويحمل تأكيدات من عاقل المنطقة وعضو مجلس محلي بتريم تؤكد أنه يحتاج سريعا للإغاثة، ياترى هل تمر مواكب المسئولين القادمين من صنعاء مرورا سياحيا لمشاهدة الأوضاع والوقوف فقط على أنقاض المتضررين أم أن مواكبهم للمزايدة والتشدق؟ ثم أين القوافل الإغاثية التي نشاهدنا في التلفاز تحمل أطنان الرز والسكر وغيره، وهذه حالة تشهد، 12 شخصا بقطمة رز وقطمة سكر ومنذ مايزيد على 25 يوما من الكارثة؟!.
وسؤال يحق للمواطن أن يطرحه في حضرموت لماذ تجلب فرق طوارئ هندسية وفنية بل ويدوية عضلية من خارج المحافظة، من العاصمة، وكأن الناس هنا لايفقهون شيئا حتى الغرافات والجرارات لرفع الأنقاض وإزاحة العوائق استقدموا سائقيها من خارج حضرموت؟ الكثير من متضرري الوادي يستغيثون بأهلهم في الخارج أعينونا يدا بيد، والحليم تكفيه الإشارة، ومن حصن فلوقة نواصل إلى القوز وكودة آل تميم.