> في صباح كل يوم ومسائه تجده سائرا يسابق الزمن ويلف ويدور حول نفسه، متحمسا في البحث يجوب الشوارع والطرقات، متلفتا باحثا عن شي فقده منذ وقتاً طويل، وقد أعياه البحث عنه طويلا في كل مكان, نصفه الآخر تاه عليه في خضم الحياة، لقد ضل الطريق، في كل مرة يقف أمام المرآة ساعات طويلة يحملق فيها ويتفحص ويتقلب يمينا وشمالا كالأبله وأحيانا أخرى يمد يديه يتحسس بها ملامح وجهه المعروف، مار بأنامله المرتعشة فوق تقاطيع وجهه الشاحب المصفر ليتأكد من ذلك.. لقد أعياه البحث والتقصي لآثاره وسط الناس لعل وعسى يجده هنا أو هناك، وأحدهم يدله عليه، لكن الناس تسخر منه ومن أفعاله الهوجاء، ولم تسأله يوما كي تفهم وجهة نظره إن كانت صائبة.

تجده واقفاً في وهج الظهيرة يتفرس في وجوه المارة حتى شك الناس في تصرفاته هذا واتهموه بالجنون.

لايترك أحدهم يمر حتى ينظر إليه حتى يتوارى عن ناظره، محدقا فيه من أعلى رأسه حتى أخمص قدميه، منقبض الجبين، مكفهر الوجه، حاقد عليهم.. ياليت شعري ألتقي بهذا الإنسان لأسأله لعله يرى أشياء لم نرها نحن، ولاتخطر على بالنا، من يدري الحياة أسرار تظهر لذوي البصيرة وتختفي لأصحاب الأبصار.