ذرفها الشعراء قهراً وحسرة وحنيناً ..لحج دموع الشعر الباكية

> «الأيام» سند حسين شهاب:

> يقال مجازاً أن للشعراء عاطفة مزدوجة تشكل معادلة الحب لديهم، فلا يمكن للشاعر أن يكتب عن حبيبته أو يتغزل بها من دون أن يكتب عن وطنه وتعلقه به، والعكس صحيح، وإذا اكتمل هذان العنصران عند أي شاعر فإن هوية هذا الشاعر تكتمل ليصبح رقماً أساسياً يمكن أن يشار إليه بالبنان.

إذا كان مثل هذا الطرح يمكن أن نطلقه على أي شاعر في أي وطن في هذا الكوكب، فكيف سيكون هذا الحال عندما يتعلق الأمر بوطن ذي خصوصيات معينة وشعراء محسوبين عليه.

على مر التاريخ وجد شعراء لحج أنفسهم ينتمون إلى أرض ترابها مقدس محروسة تكتنز الخيرات ظاهراً وباطناً، وقد حباها الله بكل الطيبات فأصبحت جنة الله في الأرض، ومع كل هذا العطاء الرباني فإننا نجد أن إنسان لحج ظل دائماً على مدى هذا التاريخ هو الأكثر بؤساً وشقاءً وحنيناً إلى وطنه بينما كان الآخرون هم من يقطفون كل هذه الثمار في كل تلك المراحل التاريخية.

إذا كان الشعر اللحجي قد تغنى بكل هذه العطاءات الربانية التي تتميز بها لحج، فإن هذا الشعر نفسه قد بكى كل هذه المنغصات التي كابدها إنسان لحج.

تعالو نبحر مع مجموعة من هذه القصائد التي تحكي هذا الحال.

حب الأوطان صفة عقائدية ينشأ عليها الناس منذ صغرهم ولأن حب الأوطان من الإيمان فإن إيمان الشاعر الأستاذ عبدالله هادي سبيت بوطنه لحج ظل ثابتاً لا يتزحزح قيد أنملة. عندما يجد الشاعر سبيت تراب هذا الوطن وقد أضحى لقمة سائغة ينهشها الآخرون من كل صوب فإن قريحة سبيت لم تصمت، بل هبت مدافعة عن هذا الوطن الهوية بأبيات شعرية تكشف كل هذا الغول الذي ينهش في تراب الوطن معرياً كل أساليب هؤلاء الطامعين ومحذراً من فتنتهم. ولا يقف شعر سبيت عند هذا الحد، لكنه يوضح لهؤلاء القادمين زيف اعتقادهم إن هم توهموا أن تربة لحج وأبنائها لقمة يسهل مضغها، بل عليهم أن يعلموا أن الموت أهون من ضياع الهوية والانتماء:

يا لحج هذه صباباتي يقطعها
عودي لينشر أفكاري وآرائي

قد عشت فيك بوجداني ومن ألم
إني أعيش بقلب النازح النائي

يا لحج هذه كنوز الأرض قد دفنت
في الترب لكن لقوم غير أكفاء

هذه يد الغير قد مدت لتنهبها
كأننا اليوم فيها غير أحياء

يا لحج ماذا جنينا غير أن لنا
كرامة لم تهن يوماً لإغراء

الظالمون أرادوا سحق أنفسنا
ونحن من لم نلن يوماً لأعداء

أيحسب الغير أنا لقمة سهلة
وأنـنـا للـمنـايا غـيـر أكفاء

وإنه سوف يطوينا بفتنته
كما طوى الناس عن جهل وإغفاء

قد فاته أن شمس الوعي مشرقة
على العقول فلن نحيا بظلماء

عندما يجد الشاعر نفسه في ليلة حالكة غريباً عن وطنه يتوق للعودة إلى مرابع الصبا والشباب فلا يجد إلا الشعر ملاذاً، هذا ما وصل إليه حال الشاعر الأمير عبده عبدالكريم ذات ليلة فلم يملك إلا إطلاق العنان لهواجسه الشعرية ليدغدغ بها عواطفه علّها تهدئ من ثورة الشوق التي تعصف به بعد أن ظلت تختمر لعقود عدة.

ولأن قلوب الشعراء لا تحتمل قساوة الابتعاد، فقد كان الحنين هو مداد يراع هذا الشاعر الذي التصق بلحج وعشقها بكل جوارحه فكيف لعاشق أن يجد نفسه بعيداً عن معشوقته. أبى الأمير عبده عبدالكريم في أبياته الشعرية هذه إلا أن يصل إلى معشوقته ولو حتى على جناحي الشعر، وراح يذكرها بكل أوصافها ومزاياها ليؤكد لها أنها لاتزال في قلبه وعقله حتى وإن ابتعد عنها، وأنى لحبيب أن ينسى محبوبته حتى وإن فارقها قسراً:

هيا الليل يانسري للحوطة وللشقعة
لاحمى ولا سقعة

بين لحج الخضيرة حيث الزرع والترعة
وأصناف الزهور بدعة
بقعة أحسن البفعة

ياأهل الوفاء والود

من ماءكم بادفعه
باشربها كرع حالي

صافي عذب من نبعه جرعة تنطح الجرعة

سبعة ضرب في سبعة

ياكرمة الألحان

وين ألحانش الروعه

كلين يقتبس منش وأنتي حاضرش بدعه
قهراً سالت الدمعة

أن ينشأ الشاعر على تاريخ منير يتكئ عليه وطنه غير أنه لم يجد أمامه سوى واقع بائس يخدش نور عيونه كل يوم ويحطم بقية آمال ظل يتعلق بها تعيد ما يمكن استعادته من تلك الصور الجميلة لوطنه.

الشاعر اللحجي عارف كرامة ظل يتكبد مرارة هذه المشاهد الأكثر إيلاماً فلم يملك إلا نفسه الشعري ليطلقه موضحاً ما آل إليه حال بلدته التي أضحت في خبر كان على حد تعبيره.

ولما كان عارف شاعراً لا يتصنع نظم الكلمات فإن شعره يأتي عفوياً صادقاً يجسد كل ما يود أن يقوله أهل بلدته:

وآ.. لحج رحتي فطيص
الهم وين.. لش كان

الوجه حارق قصيص
وآ.. زين كل الحسان

شطو الكساء والقميص
وصبحوش عروان

خلوش مثل اللعيص
تقالبش الأسنان

باعوا ترابش رخيص
وضيعوا الشجعان

والشعب فتوه ربيص
خلو العزيز مهتان

يقال إن المثقف هو المسئول الأول عن وطنه ويأتي الشعراء في طليعة المثقفين وعندما يرى الشاعر وطنه في حال لا يسر الخاطر يظل القلق الذي يسيطر على هذا الشاعر هو الذي يضخ التساؤلات شبه اللحظاتية عن هذا الحال وكيف يمكن تغييره فتأتي القصيدة لتعبر عن هذه التساؤلات.

الشاعر الأستاذ رشاد مشبح، أحد أبناء لحج الذين لا يسرهم حال مدينتهم في وضعها الحالي.. ولأن رشاد يعلم أن هذا الحال الذي أضحت عليه مدينته لا يمثل البتة أي امتداد لتاريخ لحج وريادتها وثقافتها ونهضتها فإن قلمه يسطر أبياتاً لتساؤلات مشروعة تقذفها الألسن كل لحظة عن زمن الوصول لغدٍ مشرق لهذه المدينة المغبونة:

متى يا لحج بانوصل

لبكره المشرق الأفضل

متى بانحس بالتغيير

متى بايكون لنا تقدير

عام ولى وعام أقبل

ونحنا للأمل نأمل

متى يا لحج بانوصل

جنانك عابسة بس ليه

عليش قسيو تقولي ليه

سؤال باسأل الأول

عن الأحوال ومابش حل

فهل لك ياحلا من حل

متى يالحج بانوصل

لأنك جزء من بلقيس

ولك تاريخ ولك تأسيس

جميعاً كلنا نفديش

ولانطلب نملي الخيش

لأن أخلاقنا أفضل

متى يالحج بانوصل

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى