«الأيام» في أول جولة استطلاعية إلى عزلة الأعبوس حيفان .. مدارس على هاوية السقوط ومستوصف في غرفة الإنعاش

> «الأيام» أنيس منصور:

>
مدرسة الحرية التي تم إنشاؤها عام 65م نصف بنائها من الزنك
مدرسة الحرية التي تم إنشاؤها عام 65م نصف بنائها من الزنك
ما تزال عزلة الأعبوس معزولة عن استراتيجية وجداول المناقصات، لم يصل إليها شيء من خير الثورة، لفظتهم الحياة، كل عام يأتي أسوأ من الذي قبله، يعيش الأعبوس بأحلام وردية، فمسلسل المطالب والمعاناة ليس له نهاية، تشابكت الآهات والأنات فلا ندري من أين نبدأ؟ فما من موضع قدم إلا وتجد من يشكو ويتألم بها لما وصلت إليه الأعبوس.

مدرسة الحرية بين السائل والمجيب

أول مدرسة في البلاد تم إنشاؤها عام 1956م بجهود ذاتية شعبية أهلية وتبرعات من فاعلي الخير، عمرها 53 عاما، تتكون من فصول صغيرة ضيقة بأشكال شعبية قديمة تتساقط أحجارها وتتوسع الشقوقات لتحول الفصول إلى خزانات مائية لا تصلح أن تكون حظيرة للبهائم، فما بالك بمئات الطالبات اللاتي يتجرعن علقم المعاناة.. إنها مدرسة الحرية (بنات) منطقة بني علي، تقول احدى الطالبات :

«هذه المدرسة أول مدرسة بالمديريات الريفية لمحافظة تعز خاصة بتعليم الفتيات».. ويعتلي المدرسة صفيح من قطع الزنك، مقسمة على أنها فصول تعليمية، ثلاث من معلمات المدرسة تحدثن عن عدم صلاحية المدرسة وعن إشعار السلطة بما آلت إليه الجدران الساقطة بكل وضوح.

وقالت الطالبة أروى العبسي:«المدرسة بدون مساحة ولا سور ولا حمامات، فيها تعليم أساسي وإعدادي وثانوي، وهي مدرسة نموذجية تعليمياً لكن كما ترى أمامك».

المعلمة أنيسة مقبل غالب صالح تقول: «لم نجد أي استجابة، هناك متابعات وطلبات بإنشاء مدرسة على حساب مشاريع البنك الدولي والصندوق الاجتماعي للتنمية وهناك مقترحات لجعل هذه المدرسة مجرد متحف أثري للسياح كونها أقدم مدرسة في الجمهورية».

وذكرت الأستاذة أنيسة قصة الظلم الذي تعرضت له فلم تعط لها حقوقها كاملة تم مصادرة بعض العلاوات، وهي حالياً بدرجة وزير لكن مرتبها ضعيف رغم أنها من أقدم الموظفين بالمدرسة. وفي حديثها عن الأنشطة وبعض المستلزمات المدرسية قالت الأستاذة أنيسة إنها قائمة على تبرعات المعلمات «لايوجد أي دعم مادي ولا معنوي للمدرسة وتم رصف المساحة الأمامية للمدرسة بجهد جهيد ومازالت قيمة المسح محسوبة على المعلمات». أما طالبات الصف التاسع فقد وجهن مناشدة عاجلة للأخ وزير التربية والتعليم والنائب محمد عبده سعيد مطالبات إياهما الاهتمام وزيارة هذا الصرح العلمي والتعليمي الأول، «ونتمنى أن يكون لهما بصمات بإنشاء مدرسة متكاملة خاصة بالطالبات». وتنوعت الأحاديث النسائية بين من تدعو لتغطية المدرسة بالكادر التربوي وتوظيف الخريجات من المنطقة نفسها لتغطية الاحتياج وبين معلمات أخريات اقتصر حديثهن على أن المواطنين قدموا تنازلات بالأرض مقابل بناء مدرسة جديدة. وتحول الاستطلاع الصحفي إلى لقاءات حوارية هادئة بين سؤال وجواب وأجمعت الإجابات على أنه لابد من حماية هؤلاء التلميذات من أي مكروه لاسمح الله بسقوط السطوح مادامت علامات الانهيار واضحة للعيان.

إحدى المعلمات قدمت قصيدة في وصف حال المبنى المدرسي، وأخرى قالت:«قامت الثورة والوحدة وتغيرت دول وأمم ودخلت التقنيات العصرية ومازالت مدرسة الحرية كما هي قديمة متساقطة منهارة».

أساليب فنية للتعبير

أبناء وبنات الأعبوس يعبرون عن همومهم باساليب فنية وقوالب شكلية جميلة وهادفة فقد أحسنت صنعاً الطالبة إيمان الجرادي عندما قدمت رسومات لمشاريع طالها التسيب والتعثر (السد - مواسير المياه - تشققات المدارس) وعدم وجود دعم لهذه الخدمات.

وأبدعت الأستاذة أم أصيل عندما نظمت قصيدة شعرية جميلة تحتوي على وصف دقيق لمدرسة الحرية وتألق عضو المجلس المحلي محمد علي عندما جمع ملفات وشكاوى ووثائق لا حصر لها وتوصيات رسمية وصور فوتغرافية لمشاريع متوقفة وأحكام قضائية، وقدمت الأستاذة أنيسة مقبل أمثالا شعبية قديمة لكل فصل دراسي أصبح خرابا ومنهارا بجميع التعبيرات الفنية والإبداعات من رسم وشعر وأمثال شعبية تصف لهيب ما يعاني كل عبسي و الحرمان المطبق على قرى الأعبوس وهناك أنباء متواترة ان مبنى مدرسة الحرية بنات أصبح مثالاً لليأس والقنوط حتى وصل الأمر إلى أن يقول البعض «إذا صلحت مدرسة الحرية صلحت البلاد» وقد اقترح خمسة من شباب مركز الغليبة وضع مصائب ومتاعب الأعبوس في كتاب وبيعه بالمزاد العلني، ومن المؤكد ارتفاع مبيعاته، حتى الزوامل والمهاجل أيضاً لم تسلم من التعرج والتطرق لأحوال الناس في الأعبوس. قال يوسف عبدالباسط «هذا اللي علينا والدولة تاخذ اللي يعجبها» حتى مدرسة الحرية بنين فيها من عجائب وغرائب المآسي في المبنى المدرسي وبحاجة إلى إعادة تاهيل وترميم، وهو ما أكده المعلمون بكل سرور على قدوم كاميرا «الأيام» لأول مرة، ويبدي البعض ملاحظاتهم أن كثيرا من العادات في الأفراح والمناسبات اندثرت وطمست بفعل المآسي فلم يجدوا للفرح والضحك أي باب في القاموس العبسي.

مشكلة البحث عن المياه:

تجتمع مصيبة الجفاف وشحة المياه في مناطق الأعبوس كأحد المنغصات المهمة في حياتهم لولا لطف الله بهم، يعتمدون على الخزانات الأسمنية (السقايات) التي تتجمع من مياه الأمطار عبر قنوات، وعندما تنضب عيون الأرض وتستهلك كل ما في الخزانات تكون المأساة والفاجعه، كما قال بشير محمد بشر:«نحن بحاجة إلى خزانات واسعة لحصاد مياة الأمطار، خصوصا مناطق الجب- المنصورة -المكمدة وادي العقام، وقد وصلت فرقة من الصندوق الاجتماعي للتنمية لدراسة احتياج المواطنين قبل نصف شهر».

فيما استعرضت مجموعات نسائية وهن يحملن دبات المياه الحديث عن سفريات طلب الماء والقلق الذي يساوم الساكنين يصل أحيانا إلى النزوح السكاني الجماعي أصبح البحث عن المياه مشكلة مهمة نضعها على طاولة المجلس المحلي والمنظمات المانحة.

وتوالت أحاديث وعبارات تلوكها الألسن عن محنة الماء، وعدم وصول صهاريج الماء بسبب وعورة الطريق وخطرها في جبال شاهقة، والجفاف جعل الأهالي يبيعون ما لديهم من ثروات حيوانية، وكثير من الفتيات والطلاب تركوا التعليم وذهبوا سيرا على الأقدام وفوق الحمير إلى أماكن وجود المياه يقطعون مسافات طلبا لقطرات الماء التي تروي عطشهم في حالة طوارئ.

ومع كل ذلك يعتمد أبناء الأعبوس على انفسهم أحيانا ويضعون احتياطات بإنشاء خزانات خاصة عند كل منزل بشكل هندسي لحصاد مياه الأمطار، وتستخدم في الأزمات وأثناء شحة المياه، وهي طريقة تجدها عند أكثر منازل الأعبوس.

مستوصف النوبة الصحي ينقصه كثير من المستلزمات
مستوصف النوبة الصحي ينقصه كثير من المستلزمات
مستوصف في غرفة الإنعاش:

عزلة الأعبوس بحاجة إلى مستشفى متكامل ولديها حاليا مستوصف صحي يسمى (مستوصف النوبة) يزدحم فية المرضى، ويقدم خدمات التوليد والفحوصات ورعاية الطفل المريض والصحة الإنجابية والإسعافات الأولية.. يقول العاملون فيه كلاما مخيفا ومزعجا وينعته الوفدون بالمستوصف (المشلول)، جهاز الأشعة معطل ولم يعمل رغم نزول مهندسين منذ عام 1991م لم تقم له قائمة، اجتماعات اللجنة الإشرافية ناقشت موضوع إصلاح الأشعة وتوفير سيارة وأجهزة كيميا موجات فوق الصوتية وتخطيط قلب، فالمستوصف لم يحصل على أي دعم معنوي ولا مادي، تعاقبت عليه المسئوليات وتلاعبت به ما يسمى باللجنة التي مازالت متمسكة به ولم تقدم له شيئا سوى الويلات جعلته مستوصفا في الإنعاش.

كل من وجدناهم أمام المستوصف أجمعوا خائفين على أنه سيأتي يوم يقال فيه كان هنا مبنى اسمه مستوصف النوبة أعبوس.. التقينا بمدير المركز منصور العبسي فرفض الحديث ولزم الصمت، حاولنا الاقتراب لسماع إحدى العاملات، لكنها تظاهرات أنها مشغولة قائلة:«شوف لك أي واحد آخر يتحدث معك»، فكان حديث المرضى والوافدين أن هناك أيادي ظاهرها الإصلاح الصحي وباطنها التخريب وهناك مطالبات بتغيير اللجنة الرقابية والمشرفة كونها سببا في ضعف أداء المستوصف كونهم يتصيدون الأخطاء، وهم في براثنها .

حاولت «الأيام» البحث عن تفاصيل أوفى وأكثر، لكن تعامل البعض معها بسلبية يجعلنا نفكر في زيارة أخرى بشكل تفصيلي بالجلوس إلى اللجنة وكبار المشايخ ومدير عام الصحة ومدير المديرية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى