مقاطع من سيرة الجيل الذهبي للكرة اليمنية.. المدافع العملاق الكابتن عبدالكريم هتاري نجم فريق شباب التواهي الرياضي

> «الأيام الرياضي» عوض بامدهف:

> المدافع العملاق الكابتن عبدالكريم هتاري نجم فريق شباب التواهي الرياضي من مواليد 30 أكتوبر 1941م في التواهي - عدن، هو أحد المكرمين ضمن نخبة من الجيل الذهبي للكرة اليمنية من قبل «الأيام» في ختام مسابقة كأس الاستقلال الوطني (30 نوفمبر) الرابعة.

محطات المشوار الكروي

بهذه المناسبة «الأيام الرياضي»حاورت الكابتن عبدالكريم هتاري..ونقدم هنا حصاد هذا الحوار الممتع الذي استهله قائلا:«ولدت في أسرة فقيرة، ولعبت الكرة في الشارع بشكل رهانات وبتصعيد المنافسات بيني وبين علي محسن المريسي وسالم زغير وحسن عيسى، حيث كنا في شارعين متجاورين، وكان اللعب مثيرا إلى حد أن الشرطة كانت تحتجزنا، وقد قدمتنا مرة أمام حاكم محكمة التواهي (ويكهام) المخيف لأي مجرم وفي أية جريمة، وحكم علينا وكنا (11) لاعبا بغرامة (20) شلنا على كل لاعب، ثم خرجنا لنلعب من جديد، وظهور أسمائنا شجع نادي الغزال (الشعب) لاستقطابنا إلا أنا وسعيد محمد سالم الحبيشي من أهل جمال حبيشي كابتن شباب التواهي، وكانت لمسات سعيد الكروية الرشيقة تدفعني لمنافساته، حيث كان يقول لي:«إنك في موقع أفضل مني»..رحمة الله عليه..وبعدئذ وفي 1954م كنت في شباب اليمن مع محسن وأحمد جنة وسفيان ود. قاسم سلام أمين سر البعث الاشتراكي العربي العراقي فرع اليمن، ثم وجدت نفسي بعد ذلك في نادي الشعب بجوار سالم زغير، وكان أكبر مشجع للكرة (فرج نصيب) يتمنى أحدنا أنا وسالم في نادي شباب التواهي، حيث كنا أنا وسالم نتنافس على إحراز الأهداف، وبالفعل كان حبي لشباب التواهي يسبقني، وفي عام 1955 كانت فاتحتي الكروية في شباب التواهي، حيث لعبت مهاجما هدافا، وفجأة عند اكتشاف سرعتي الفائقة وظفني عباد إسماعيل لاعبا في الدفاع، ونجحت بحسب شهادة الجميع، وبجانب ذلك كنت مهاجما هدافا.

أبرز ذكريات المشوار

ما أوسع ذكرياتي في حلاوتها وفي قساوتها، وهي متعددة لأنها محطات لها قيمتها.. ففي بداية بروزي كانت هذه المحطة هي أول مباراة ضد سالم زغير، والاختبار الصعب لي، فمسألة توقيف صاروخ الشعب صعبة، فاختبأت يومين قبل المباراة، وعشت المباراة مرة في فكري وحسي وأخرى في الملعب، وكانت النتيجة نجاح رهان انتصار فريقنا، وكان بكائي على عدم نشاط الزغير لمباراتين حسب قسمة بعدم اللعب نتيجة هزيمته، وهو رهان وضعته على نفسه.

المحطة الثانية وهي محطات متواصلة، فعروض لعبي في الخارج استمرت وأنا رافض، ورغم تشجيع - رحمهم الله - الحاج الأغبري والأستاذ عبده علي وغيرهم ممن يعيشون خاصة في ظل تحدٍ فرضه بعض لاعبينا، بشهادة نصر شاذلي في مصر رفض لاعب ما نزولي للعب بجانبه لعدم انسجامه معي، وإذ به احتياطيا، وعند انتهاء المباراة أحاط بي طاقم التحكيم وبعض من الجمهور يسألونني:«هل أنت لاعب أجنبي في هذا الفريق اليمني» .. فأجبتهم :«أنا يمني» وفي غرفتي في فندق نيدكريس كان نصر شاذلي والآخرون يعانقوني قائلين:«لقد رفعت إسم اليمن عاليا»، وبكى نصر معي وهو يضمني ويقول:«ربنا يحفظنا معا لأنك عزيز علي»..وبكيت واضعا يدي على فمه.

أما محطتي المخيفة التالية فهي من نوع لم يحدث مثلها في كل العالم، فقد كنا في الجزائر، وكانت مباراة ضد قطر، وجاءني نصر شاذلي رئيس البعثة قائلا:«غدا لا تستلم علم قطر، ونحن لن نسلمهم أي علم» ، وقمت من سريري مع نصر نحو غرفة عبدالله الحاموي عضو القيادة العامة، وقمت وواجهته ما سبب هذا القرار فقال الخامري عضو القيادة العامة للجبهة القومية:«لقد قررت يا هتاري إن تستلم علم قطر فسأخرجك من الملعب إلى عدن لينفذ فيك حكم الإعدام».. فالتفت إلى نصر وقلت للخامري:«ليس لنا حق في اتخاذ كيفية عدم استلام علم قطر من قبلي، فهذه نظرتي القيادية رغم تقارب مركزنا القيادي»..كل هذا يحدث واللاعبين وطاقم التحكيم لا يعرفون أن هناك حكما بالإعدام على الهتاري، وأننا كدنا أن نتقاتل.

ما أكثر صعوبات الأحوال منها ما تبكي عليها ومنها ما ترتاح لها كمباراتنا مع منتخب الصين، فلقد أصيب أحد لاعبي دفاعنا، وتعذر استمراره، فغادر الملعب، وطلبت من الغفوري - رحمه الله - استبداله بالهرر الذي نزل نشطا وفي مركز الظهير، لم يكن مرتاحا فمنحته مركزي، ولعبت أنا ظهيرا، فظهر الهرر وشرفنا، حيث تعالت صرخات الجماهير (هرر.. هرر) وعند انتهاء المباراة ظلت الجماهير تصرخ والهرر يجري نحوي ليعانقي قائلا:«أنت السبب في تشجيع هذه الجماهير»..فقلت له:«يا هرر هذا هو مكانك الذي يجب أن تأخذه» .. فبدأ انطلاقه من هذه المحطة، وفعلا انطلق الهرر واسعا يملأ ملاعب عدن وغيرها، وكم تمنيت وجود جمال حبيشي والهرر معي..وفي حالة أخرى كفريق كنا أمام محك إداري، فلقد شعرنا بعدم وجود إدارة على الإطلاق، ونحن في بداية الدوري العام، فعرضنا الأمر على بعضنا، وجاءت فكرة خطيرة استحسناها رغم تشككنا وهي أن يقودنا المدرب الغفوري في الثلث الأول من الدوري، وفي الثلث الثاني يكتب المدرب التشكيلة بمشاركة حسن عيسى والهتاري..أما الثلث الأخير فكل الفريق يكتب تشكيلة أي أن يبدي كل لاعب مدى استعداده وقدرته ويضع قبوله بشكل فوري، وهكذا اشتركنا في صنع البطولة وخطفناها بجدارة.

ومن المحطات العديدة في حياتي الكروية كنت أداعب الكرة في منطقة جزائي، وأراوغ بها بعض اللاعبين الخصوم في مباراتنا مع فريق الحسيني، وظل عباد يطالب بتوزيعي للكرة نحوه، وأنا لا أسمع بسبب صراخ الجماهير ورأيته فجأة ومررت الكرة إليه، لكنه تركها تذهب إلى التماس وصرخ قائلا:«لو تعمل مرة أخرى هكذا سأطردك» .. فاعتذرت له حالا حبا فيه، وأثناء الاستراحة غاب وعاد يطلب مني الوقوف أمامه فرأيته مندفعا وفجأة عانقي قائلا:«احترامك وطاعتك لي أشعرت كل المتواجدين بأنني يا هتاري قائد لفريق له كلمته واحترامه»،فقلت له:«هذا واجبنا».

أما المحطة الأخيرة من هذه المحطات هو فوزي بتقدير الحكم الدولي الممتاز سعيد زوقري، ففي مباراتنا ضد الفيحاء سقطت الكرة داخل شباك المرمى وأعلنها هدفا بصفارته، فرأيت فجأة تمنع رجل الخط من احتساب الهدف، وبالفعل رفضت اللعب راجيا من الحكم استفسار رجل الخط، وطلبت من الحكم رؤية الشباك فرافقني الحكم نحو الشباك، وطلب الحكم من الحارس فريد سعد أن يرمي الكرة من فوق العارضة فسقطت الكرة من أعلى الشباك، فألغي الهدف وبدأت المباراة بشباك سليمة، ولم يعترض فريق الفيحاء لاعترافهم بأن الهدف خطأ، ونجح في تسيير المباراة.

أعلاه بعضا من ذكريات تعتبر مثل ذرة من حياة رياضية واسعة..وسجلتها ليشعر القارئ وكل رياضي أن لاعبي الكرة حياتهم باستمرار معرضة للأفراح والجراح، خاصة وأنهم يمتلكون ثقافة الوطن وثقافة الكرة، وبهذه الثقافة كان قدامى لاعبينا أسرع وأكثر استعدادا للنضال الوطني الرياضي..فأرجو أن يقرأ القارئ متفهما لما أهدف إليه فدائما أكون في خدمة الساحة الكروية ولاعبي الكرة، خاصة وأنني والحمد لله أملك قدرة التفكير العميق وقدرة العطاء الكروي الواسع».

أفضل اللاعبين

وعن أفضل اللاعبين في الزمن الجميل قال الكابتن عبدالكريم هتاري:«بالمعنى الصحيح كل لاعبي الزمن الجميل وبدون استثناء لا يوجد بينهم أفضل، وأنهم عبر كل المباريات يتبادلون الأفضلية وهكذا لا تستطيع الحكم على أي لاعب بأنه يعتبر الأفضل من غيره، لكني أحدد هذا التفاضل بمميزات معينة لكل الــلاعبين..فأمامي أحمد الجابري ذو القدم اليسرى التي لا تهتز، وعمر الزيدي القامة والهامة الكروية التي تتثير اهتمامك بها، وعمر العوذلي المراوغ الذي لا تدري كيف يتجاوزك، وأحمد علي الطيار لعباته في الهواء جعلته أول طيار كروي، ومحمد ثابت بساط الريح الجسم الذي يطيع كراته رغم قوته، وعلي مكركر كل حركاته هادئة فحين تهاجمه تحتار في مواجهته وهو أول طيار عدني، وعباس أثبت بجولاته الدائرية أنه لاعب وسط محنك، وسعيد مسكينة رأسه يلعب كثيرا وهكذا يخيف خصومه، وعادل خليفة العقل المحرك للكرة فتطيعه بهدوء، وعلي الصيني نشاطه المراوغ فتكامل يشبه حركات الكرة المتنقلة، وبوجي خان رسام يجيد صنع لوحات التكتيك، وجعفرين المخادع الوحيد أثناء تعامله بالكرة فسماه خصومه بالثعلب وهكذا قال عنه التمباكو..والحربي المجهود الذي لا يتعب رغم تعب الكرة منه، وعباد إسماعيل العازف الكروي الذي يجيد كتابة اسمه في الملعب، وعبدالرب يافعي اللاعب الذي أداؤه سبق عمره الكروي فكان ألقا خاصا وخالد قاسم الذي يحدث الكرة كيفية توجهها بقدميه وبأخلاقه اثار انتباهي..وعبدي حناق الضعيف عند مشاركته الخصم واللطيف عند امتلاكه للكرة وجمال حبيشي يجيد بامتياز مداعبة الكرة في أي مركز غير حارس المرمى ويعشق المهمات الخطيرة كمدافع وثابت زعير الأشبه بالدروان فهو الجوال بالكرة في كل الملعب ونصر شاذلي لا يسمح للخصم بأخذ كراته وأبوبكر عوض القادر على التهديف في أي مباراة ومبروك مهدي وهو يجري وبدون كرة بينما الكرة تجري بين قدميه وحسين دعالة المخيف بدقة توزيعاته وتصويباته وجمال الشاعر صفة خاصة إداريا ورياضيا ظل ألقا لامعا وعبدالله خوباني أعجوبة أداء برأسه وإنجازاته بكل أجزاء جسمه كرويا ونجيب راجح الراقص الكروي واللمسات الرشيقة وأحمد علي مهدي لا تسمعه ولا تسمع عنه إلا عند تهديفه أو توزيعه وسعيد دعالة روعته في التهديف والتوزيع والمراوغة والسيد حسن القذيفة القوية واللاعب الذي لا يوجد من يصد كرته إلا حبيب خان حارس مرمى شباب التواهي الذي أحرجه عندما صد كرته من ضربة جزاء فسببت ضربة ركنية وبعد صدها سقط حبيب من شدة قوتها ومحمد البكري جلادته وجديته تجلعه متمكنا من امتلاك الكرة وليتني يا عوض بامدهف سموحا لا أتكلم عن كل لاعب في زمن جعلنا نحب بعض.

مفخرة رياضية

وحول بادرة «الأيام» بتكريم نخبة من الجيل الذهبي قال:««الأيام» و«الأيام الرياضي» وحدها العقل المفكر لصنع الاحلام الرياضية ووحدها الحس الذي يسابق أمنياتنا فيصنع منها الواقع الرياضي المطلوب وإن وجود الاستاذين هشام وتمام باشراحيل على رأس قيادة الاعلام في اليمن يجعلنا نشعر بأن خير الوطن ودفته على مستوى كل المجالات سيكون متواصلا فمثل هذه البادرة ما كانت ولن تكون إلا واحدة من مفاخرنا الرياضية التي تشهد لهما ولكم.

إن أملي سيظل طويلا ممتدا بالحب والتقدير لكم يا رجال «الأيام» و«الأيام الرياضي» طالما وأنتم تخدمون هذا الوطن بصدق الوفاء وتبحثون عن الخير لتقديمه لأبطالكم الرياضيين وإني واثق من أن فخامة الرئيس علي عبدالله صالح لن يكون صعبا عليه أو غاليا كي يحيي فيكم روح الوفاء للوطن ومن يخدم الوطن وسيقف داعما لمثل هذه المفاخر الجميلة التي تسعون لإبرازها وإنكم أبطال «الأيام» و«الأيام الرياضي» خير من نريدهم لقيادتنا إعلاميا».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى