الناقد والشاعر عبدالرحمن إبراهيم يتحدث لـ«الأيام» عن المشهد الثقافي ودور المنتديات في محافظة عدن:منتديات عدن قامت في الماضي بدور المؤسسات الثقافية الرسمية واليوم تغطي الفراغ الذي تعانيه المحافظة

> «الأيام» جهاد جميل محسن:

> أسهمت فكرة إنشاء المنتديات والملتقيات الفكرية والأدبية في مدينة عدن منذ فجر عشرينات القرن الماضي، في ترسيخ الهوية الحضارية والثقافية للوطن.

وتوثيق أهم الإنجازات والأعمال الإبداعية التي أنتجتها كوكبة كبيرة من أكبر وألمع المفكرين والأدباء والفنانين، واستطاعت أن تحافظ على القيم والمكونات التراثية والفلكلورية، التي تعتبر اليوم أحد المراجع الرئيسة التي يستند إليها الباحثون والمهتمون في مجال التراث والأدب والفن اليمني. ومازالت المنتديات الثقافية والأدبية في محافظة عدن تؤدي دوراً مهماً ومحورياً في إحياء الحركة الثقافية وتطوير المسيرة الأدبية والإبداعية، والبحث عن المشاريع والمواهب التي يمكن أن تقدمها للساحة الثقافية، ما يثبت أن مدينة عدن قادرة على التواصل والتجديد والإبداع من دون انقطاع.

التقينا بالناقد والشاعر المعروف عبدالرحمن إبراهيم، الذي رفد الساحة الأدبية والفنية طيلة ثلاثة عقود بالكثير من الأعمال والأنشطة الإبداعية، وقدم العديد من الدراسات والأبحاث التي تناولت هموم وقضايا الأدب والثقافة في اليمن، ليعبر لنا عن رؤيته للمشهد الثقافي الراهن، ودور ووظائف المنتديات والجمعيات الثقافية بمحافظة عدن.

< كيف يمكنكم أن تصفوا المشهد الثقافي الحاضر، ودور منتديات عدن مقارنة بالماضي؟

- أعترف أن سؤالاً كهذا من المتعذر الإجابة عنه بكلمات قليلة محدودة الأبعاد، ذلك أن ثمة اختلافاً بين الأزمنة، أو لنقل زمنين «ماضٍ وحاضر» كل مشهد أو واقع منهما يرتهن لقوانين موضوعية تحكمه وتوجه مساراته سواءً أكانت سلبية أم إيجابية، وفي ضوء ذلك يتوجب إذا كنا نريد الحكم والتقويم المنطقيين، أن نعقد مقاربة أو مقارنة في سياق تاريخي وفي إطار علائق تمليها ضرورات اجتماعية عامة، مما يدعونا إلى الاستغراق في البحث والمناقشة والتحليل عن الأسباب والعوامل وطبيعة دلالاتها وأبعادها المختلفة، حتى لا نقع في شرك المحظور وإطلاق الأحكام العامة ويصبح بالتالي الحديث مجرد رمي الكلام على عواهنه، على أن ذلك لا يعفينا من محاولة المناوشة وتقديم رؤية سريعة مشحونة بالاستبصار القريب للعملية الثقافية ومشاهدتنا لها في الوقت الحاضر.

عدن بحكم موقعها الجغرافي المتميز، مثلت مركز إشعاع تنويري، وقلباً مفتوحاً لتلاقي ثقافات متنوعة وتلاوين معرفية مختلفة، وفي ظل السيطرة البريطانية اضطلعت عدن بأدوار مهمة من خلال نوادٍ ومنتديات ثقافية، والحفاظ على الثقافة العربية الإسلامية، وكانت موئلاً للمثقفين اليمنيين من المناطق المختلفة، وحضناً دافئاً لرجالات التنوير والتثوير والتوعية، ولاشك أن تلك النوادي والمنتديات منذ عشرينات القرن الفارط، (أول نادٍ أسسه الرائدان أحمد فضل القمندان ومحمد علي لقمان سنة 1925م)، في مرحلة كانت اليمن تعيش خارج التاريخ وتسودها قيم الجهالة والجهلاء، قد قامت رغم إمكاناتها الأهلية بدور المؤسسات الثقافية الرسمية النائية عن الفعل الثقافي الجماهيري، وتعد هذه المنتديات والجمعيات الثقافية في عدن استمراراً طبيعياً متطوراً للمنتديات الثقافية في الماضي المنظور، وهي تغطي الخواء والفراغ الذي تعانيه مدينة عدن، نتيجة غياب وانعدام حركية الثقافة الرسمية التي لا نسمع لها إلا جعجعة موسمية آنية مناسباتية سرعان ما تنتهي حركتها مع انتهاء المناسبة، وبخاصة في العقدين المنصرمين كنا تفاءلنا واستبشرنا خيراً حين أخذت العملية الثقافية توشك بالنهوض منذ عام 2003م حتى 2006م، وشهدت عدن ضرباً من التوثبات خلال تلك الفترة القصيرة، بيد أن الفترة اللاحقة جعلت الثقافة والمثقف في عدن يصارعان ممارسة التهميش، لذلك حاول المثقفون في عدن أن يبحثوا عن أشكال وأساليب تخرجهم من قماقم الإهمال والانحسار، ومحاولة خلق بوابات للتعبير عن مناشطهم وتجليات إبداعاتهم.

< تعني أن المنتديات نجحت في النهوض بالواقع الثقافي؟

- قلت حاولت وهي محاولات إيجايبة ذات جدوى، على الرغم من أن عدداً منها يفتقر إلى الدعم المادي والمعنوي من الجهات الرسمية والحزبية، كونها لا تخضع لأي ولاء يملي عليها قناعته الفكرية والسياسية ويروج لمنازعها العقائدية، وهذا يعني فيما يعني أنها تسهم في انتشال الثقافة من الإهمال المفروض عليها، والجميع يدرك أن الثقافة في بلادنا ترتسم في ذيل السياسة العامة وفي قاع الرؤية أو الرؤى بالنسبة للمشاريع الاستراتيجية المستقبلية، وهنا يكمن التفكير القاصر الذي يرى الثقافة مسألة هامشية، علماً أن أية سياسة عميقة وفاعلة هي في التحليل الأخير لابد أن تستند إلى ثقافة عميقة.. على حد تعبير (أدونيس).

< البعض يقلل من دور منتديات عدن، في حين يصفها البعض الآخر بأنها أشبه بـ (لوكندات للمقايل)؟

- هذا نظرة قاصرة تعكس مدى ذهنية قائلها، وكل إناء بالذي فيه ينضج، وأنا أربأ بنفسي أن أسلخ جزءًا من وقتي في مناقشة لاتجدي الواقع ولا تغنيه بالطروحات الفكرية التي من شأنها أن تعمق حركة الثقافة.

< إذن بماذا تردون على من يتهمكم بالجمود الفكري؟

-نحن منتديات ثقافية أهلية يجتمع فيها المثقفون من مختلف مشاربهم الفكرية، هاجسنا الثقافة والعمل على النهوض بها، ولسنا أحزاباً سياسية، مع توكيدنا على أن أي موقف لهذا المثقف أو ذاك يعكس موقفاً من الحياة والكون والمجتمع، ويجسد رؤية مسلكية إزاء قضايا الحياة العامة وما يمور ويعتمل فيها من متغيرات وتمظهرات.

وأتمنى على من يصف منتديات عدن (بالجمود الفكري) أن يعرف دلالة هذا المفهوم وأن يستوعب ما يقوله جيداً!! لأننا نقرأ فيما نقرأ أحياناً في صحافتنا ونسمع في ندواتنا من يطلق المفاهيم والتوصيفات العبثية والمجانية على أنفسهم وعلى الآخرين، لأن معايير النشر ومقاييس التمييز بين الغث والسمين تعدمها حركة الثقافة، وعن أي «جمود فكري» يتحدث هؤلاء الذين لا يفرقون بين الحداثة والمعاصرة والتجديد!! أو الشعر المهموس والمهووش، وليس لديهم علم ودراية بالمفاهيم والاصطلاحات النقدية، مع الأسف بعض من ذوي الثقافة المحدودة لم يستطع أن يواكب المتغيرات الثقافية، وأصبح يجتر نتفاً من مخزون ذاكرته ولم يتطور إيجابياً، ومن الطبيعي أن من لا يتطور ينقرض، لهذا نجده يسقط حالته ووضعه الذهني والفكري على الآخرين.

إن المثقف الحقيقي ينبغي أن يدقق في اختيار عباراته، وأن ينأى عن توصيفات الآخرين واتهامهم بنعوتات غريبة مهما يكن الاختلاف أو الخلاف بينه وبين الآخرين.

وأعتقد أن اتهاماً (كالجمود الفكري) يعكس مرضاً نفسياً أو تراكماً من العقد التي يعانيها كالنرجسية والسادية، وإفراغ حقده الدفين ليس على المثقفين في عدن بل على المجتمع المحيط به، وأعتقد أنه حري بمثل هؤلاء أن يفتحوا المجال للنقاش والجدل والمناظرة، إذا كانوا واثقين من ثقافتهم وصواب رؤيتهم، والصحف كثيرة ولاشك أن النقاش الموضوعي سيثري حركة الثقافة وهو ما نرتجيه، ونتمنى عليهم إفادة القراء برؤاهم الفكرية.

< وكيف تردون على الذين لا يعترفون بوجود اللون الغنائي العدني؟

- أسلفت في الحديث عن عدن ومؤثراتها وتأثراتها في الثقافة العامة، والذي ينكر خصائص الغناء العدني يجافي الحقيقة مهما تكن تمظهراتها، لأن له حضوراً لا يستطيع أحد أن يتجاوزه، غير أنني أتمنى عليك أن تتوجه بهذا السؤال لذوي الخبرة في الغناء أمثال الأستاذ المرشدي، وأحمد بن غودل، وعبدالقادر أحمد قائد، والدكتور أنور عبدالخالق، وغيرهم من الاختصاصيين في الغناء.

وعدن تركت بصماتها في نشر ألوان الغناء اليمني، الصنعاني واليافعي والحضرمي واللحجي والأبيني والتهامي والحجري، أليس هذا جحوداً لعدن.

< بصفتكم رئيساً فخرياً لمنتدى (باهيصمي الثقافي الفني) ماهي المشاريع التي قدمها منتداكم؟

- في منتدى الصديق الشاعر (محمد سالم باهيصمي) ليس هناك فرق بين أعضائه ومرتاديه كلنا أصدقاء نتشاور ونتحاور ونختلف ونأتلف، وهذا أمر طبيعي جداً لكل مثقف يحترم ذاته ويحترم الآخرين، والمنتدى على مدار عمره القصير استطاع أن يحتفي ويكرم عدداً كبيراً من الموهوبين أو المشتغلين في إطار الثقافة، ليس على صعيد مدينة (عدن) وحسب، وإنما في عدد من محافظات الجمهورية.

وهناك الكثير من الفعاليات التي أقامها (المنتدى) وثمة مشاريع ننوي إقامتها لأي مثقف يستحق التقدير ومن أي منطقة أو جهة، لأننا لسنا مناطقيين فالثقافة لاتعرف حدوداً وترفض المناطقية والانتماء القبلي الذي يدمر الثقافة الحقيقية، لاسيما في عدن التي دجنت وستدجن أي جموح قبلي!!.

< ماهي الكلمة الأخيرة التي تودون طرحها؟

- إذا كان ثمة من قول أنهي به الحديث، فهو الشكر والامتنان باسمي ونيابة عن الزملاء والأصدقاء ومثقفي عدن وأعضاء منتدياتها، لصحيفة «الأيام» التي ظلت وستظل تغطي وتتواصل مع الأنشطة والفعاليات الثقافية المقامة في محافظة عدن، وتعمل من خلال نشرها التغطيات والمتابعات إلى تفعيل المشهد الثقافي والإسهام في استمرار حيويته في هذه المحافظة المتميزة بعطائها الثقافي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى