كلم جدار

> «الأيام» فضل النقيب:

> يمتاز الشعر الشعبي اليمني بالاستبسال والفدائية وتسمية أسباب التهلكة بأسمائها، أما أسباب الحياة فيحيطها بقدر كبير من الرمزية الرومانسية الشفافة، وهو بذلك يتطابق مع الثقافة الشعبية النافرة من الظلم وأصحابه .. والمقدرة للحب وأربابه، وشتان بين هذا وذاك .

بين يدي ديوان «كلم جدار» للشاعر الشعبي الشيخ عبداللاه سالم الضباعي والرجل له باع وذراع في الكر والفر والإغارة، ويستند إلى موروث غني لسلسة شعراء (يافع) الشعبيين الذين هزجوا للحروب وتداعوا إلى المحافل، ولهجوا بالحب والعواطف، وتصيدوا الحكمة التي هي ضالة المؤمن من معادنها المرتجاة، وقد تطورت لغة هذا الشعر عند الضباعي ومجايليه لتكون أقرب إلى ما يعرف باللغة الثالثة التي تعتمد التسكين العامي وتلتزم المفردة الفصيحة وتخوض في الشؤون العامة للوطن بعيداً عن القبيلة والمنطقة.

ويبدو لي وقد تابعت إلى حد ما مسيرة الشاعر وتطوره أنه ينطبق عليه القول الذي قيل في عمر بن أبي ربيعة :«مازال هذا القرشي يهذي حتى قال الشعر» وابن أبي ربيعة هو من هو في الشعر العربي، فهو أحد أبرز المؤسسين للشعر العربي الجديد عقب اضمحلال أغراض الشعر الجاهلي واستنزاف طاقات المخضرمين الذين لعبوا دور الجسر الرابط بين ثقافتين إحداهما آلت إلى الغروب تاركة أجمل ما أنجزت في خزائن الأجيال، والأخرى آذنت بشروق ولم يعد الشعر سوى أحد سطور كتابها، وقد انتظر عقوداً مديدة لينبعث من رماده .

قضية القضايا في شعر عبداللاه الضباعي هي الفساد، هذا الوحش الذي ينزّف دماً من أجساد الضعفاء، والذي يخنق كل زهرة بازغة ويحيل مشاريع التنمية إلى أرض يباب، ولذلك يهدي الشاعر ديوانه «كلم جدار» إلى الأيدي النظيفة التي تقبض على شرفها كما يقبض المصطلي على جمرته فيما هي تأكل لحم يده اصطباراً واحتساباً :

أزكى تحية عاطرة مني تزف

أخص فيها من أياديهم نظاف

ممن تحلوا بالنزاهة والشرف

وكل من يخشى من الخالق وخاف

أما التسمية «كلم جدار» فربما وجد البعض فيها نوعاً من الاستسلام، أو لنقل التسليم بالاستحالة علماً أن الشعر بطبيعته النورانية يفوق الصخور الصماء في قوته وجبروته، وقد يجعلها تعترف وتتوب، ذلك أن الجدران الحجرية مقدور عليها، أما جدران النفوس الباغية فهي بحاجة إلى (أسيد) القصيد لتقذف ما في بطونها من الحرام، وربما ينصلح حالها فتتشقق ويخرج منها الماء الزلال :

ناديت كم صيّحت كم صوتي زمل

سراً وجهراً صحت بالصوت الجهار

وحسب ما قال المثل كركر جمل

أو حسب ما قال المثل كلم جدار

ذا نجمه اتقارن مع كوكب زحل

وأنا مع عمي جحا فوق الحمار

الفاكهة واللحم له وافخر عسل

والكدمة اليابس غدانا والفطار

وفي الديوان مساجلتان مع الشاعر أحمد عبدربه المعمري - صنعاء بلاد الروس، ومع الشاعر زايد علي السليماني، وشعر المساجلات ينطوي على المجاملات، وذلك في البدء، ثم ينحدر كالسيل نحو المكاشفات وعادة ماتكون حارقة، ثم يلوي عنانه إلى الرموز وهي محببة لدى شعراء المساجلات، لأنها تجلي المهارات وتحدد الاستجابات، وفي الأخير فإن المتساجلين مهما عتوا ينتهون سمناً على عسل، كما نقول؛ فللشعر رابطة كرابطة الدم وكل شعراء اليمن الشعبيين يغنون على ليلى واحدة، كأنما ينتظرون شروق شمس المستقبل ليكونوا ديوك الفجر المبشرة :

ابن الضباعي قال ضاق المتسع
ضاقت بنا الأرض الوسيع الشاسعه

صحنا بأعلى صوتنا من مرتفع
آذان صـما لـلنـداء مش سامعه

ماحد يحس آلام غيره والوجع
ولا تحس الجوع معدة شابعه

تخمة مصاب البعض لكن ما شبع

في لقمة الجيعان نفسه طامعه

أنفس بلاها الله في حب الطمع

وفي الحيل والنصب دوما بارعه

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى