> «الأيام» متابعات:

تلقت «الأيام» ردا من الأخ محفوظ سعيد ثابت مدير عام الشؤون القانونية بالهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني على مقالة د. محمد حسين حلبوب الموسومة بـ(مشروع قانون السجل العقاري فتنة قادمة) المنشورة بتاريخ 2008/11/22 جاء فيه:

«في البداية نشكر للدكتور محمد حسين حلبوب تناوله باهتمام مشروع قانون السجل العقاري الذي مازال يناقش وفي مرحلة التصويت حاليا في البرلمان من قبل نواب الشعب، ولكن ما يؤسف له تناول الدكتور للقانون بنظرة تشاؤمية خالية من الحياد والموضوعية، وكنا نأمل أن يتناول مشروع القانون بتجرد وصولا إلى تعميم الفائدة وإبراز المزايا والعيوب، إن وجدت، خاصة بالنظر لأهميته في حفظ الحقوق والملكيات العقارية.

وللتوضيح، فإن مشروع قانون السجل العقاري العيني هذا يعتبر من أهم وأقوى القوانين التي تولى إعدادها مجلس النواب بمشاركة الجانب الحكومي ممثلا بالهيئة، وسوف يشكل قفزة نوعية كبيرة في استقرار المعاملات وتحقيق الحماية للمتعاملين بالثروة العقارية وتوفير قاعدة بيانات جغرافية عن الأراضي ومالكيها وما يتعلق بها من حقوق والتزامات.

وبالنظر إلى التجربة السابقة في أعمال التسجيل العقاري وما شابها من قصور وتعقيدات، وبهدف تهيئة الأرض للاستثمار، وإنهاء ظاهرة المنازعات، فقد قررت بلادنا وبثقة كبيرة اعتماد نظام التسجيل العقاري العيني في إثبات الحقوق وتسجيلها.

وهذا يعتبر بحق ثورة في نظام التسجيل العقاري في بلادنا بعد أن سبقتنا إليه الكثير من بلدان العالم والدول الشقيقة المجاورة، إذ يترتب على تطبيقه تغير جذري في أعمال التسجيل العقاري الحالي الذي يستند إلى نظام التسجيل الشخصي، وأثبت عدم فاعليته، وتوجد عليه العديد من المآخذ والعيوب، ولعل أهمها تعذر معرفة المالك الحقيقي للعقار، وليست له أي حجية في مواجهة الغير. جاء في ملاحظات الدكتور حلبوب أن محتوى القانون شمل مجال تثبيت الملكية، وهذا مجال آخر خاص بالسلطة القضائية.. إلخ.

وللحقيقة فإن المجال هنا في هذا الحيز لايتسع للتفاصيل، وهي ضرورية حتى يقف المطلع على خطوات تنفيذ القانون، ولكن سنكتفي بالقدر اليسير لتصحيح المعلومات، ولن نخوض في مسألة دمج الجهات ذات الصلة بأعمال الأراضي كإشراف وتخطيط وتسجيل عقاري.

فهذا محسوم بالقرار الجمهوري رقم 35 لسنة 2006 بشأن إنشاء الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني الذي استهدف بعد دراسات مطولة ومعمقة الأخذ بما انتهى إليه الآخرون بتسهيل التعامل في الأراضي عبر جهة واحدة.

وهو عين الصواب، لأن الأعمال المساحية والفنية تشكل 70 % من أعمال هذه الجهة، وهي كذلك بالنسبة للتسجيل العقاري العيني وأعمال التخطيط العمراني وإدارة الأراضي العامة، ومن حيث توفير الصور الجوية وإعداد الخرائط بمختلف المقاسات وتحديد المناطق والوحدات العقارية وإجراءات المسح والإسقاط العقاري على الخرائط والمخططات، وكلها أعمال فنية، وتعتبر الجزء المادي من العقار، بالإضافة إلى أن أعمال التسجيل العقاري سابقة لأعمال التخطيط لمعرفة ملاك الأراضي وتسهيل التعامل في قضايا التعويضات بعد خصم نسبة التخطيط من الملكيات.

هذه الأعمال الفنية مسنودة بخبرات وإمكانيات متراكمة امتلكت ناصيتها هيئة الأراضي، وهي تتحفز للدخول في الخطوة التالية المتمثلة بتحديث التشريعات.

تجدر الإشارة إلى أن هناك خلطا لدى كثير من الناس حول مفهوم التوثيق والتسجيل، فالتوثيق الذي هو عمل قضائي يرتبط أساسا بجوانب تتعلق بإرادة المتعاقدين في مختلف التعاملات الشخصية. في حين أن التسجيل العقاري يتعلق بالبحث في أصل الملكية من حيث تتبع حجج الملكية وتحديد معالم وحدود الملكيات العقارية بإجراءات فنية وقانونية، وليس له علاقة بالإرادة إلا في الحدود الواردة في مشروع القانون الجديد.أما بالنسبة للجنة تثبيت الملكية، فوجودها يعتبر من أهم شروط نظام التسجيل العيني (القيد الأول)، إذ أن هذا التسجيل عمل إجباري، وهو لن يطبق دفعة واحدة على مختلف مناطق الجمهورية، بل سيجرى تطبيقه تباعا، منطقة تلو أخرى، بعد الانتهاء من إجراءات المسح.

وسوف يراعى قبل إجراء القيد الأول في السجل فحص المستندات فحصا دقيقا، وإجراء النشر والإعلان في مختلف وسائل الإعلام والسلطات المحلية في كل منطقة بهدف تمكين ذوي الشأن في حال إبداء أية اعتراضات مؤيدة ومعززة بمستندات صحيحة أمام لجنة قضائية من إبداء اعتراضاتهم إن كان لها وجه من الحق، وبذلك لايقيد في السجل العقاري العيني إلا المالك الحقيقي للعقار.

وتأتي أهمية اللجنة القضائية هنا لتحقيق مبدأ تمتع قانون السجل العقاري بالحيادية والاستقلالية في تنفيذ مهامه، فالقاضي مستقل، ويمتلك الحصانة القضائية، وهو في منأى عن أية تأثيرات، ولا معنى هنا للقول بهيمنة الهيئة أو غيرها على أعمال اللجنة، فالهيئة تتقدم كأي معترض معزز بالأدلة والمستندات أمام القاضي في حال استدعى الأمر ذلك.

كما تأتي أهمية اللجنة لتحقيق مبدأ سرعة البت في الاعتراضات، وتكون أعمالها مواكبة لأعمال القيد الأول، وهي أعمال تتم فقط لمرة واحدة، يتفرغ فيها القاضي وأعضاء اللجنة لحسم أية اعتراضات تنشأ عند تطبيق التسجيل الإجباري (القيد الأول) على أية منطقة من المناطق، وينتهي عمل اللجنة بانتهاء الأعمال، فكلما انتهت اللجنة من منطقة انتقلت لأخرى وهكذا حتى الانتهاء من توفير بيانات الأراضي ومالكيها، وربما يتحقق هذا بعد عشرات السنين.

ونشير هنا إلى أن أية تسجلات لاحقة للقيد الأول لن تستغرق في فروع الهيئة سوى ساعات تنتقل فيها الحقوق أو تجري أية قيود بكل سهولة ويسر بعد أن أعطى العقار الرقم المميز، وصار له صفحة مستقلة في السجل.

ونخلص هنا إلى أن قانون السجل العيني (القيد الأول) يعد من القوانين ذات النفع العام، ويتعذر تحقيق هذا النفع بدون هذا الإلزام والإجبار في تسجيل الحقوق، وهو ما أكد عليه مشروع القانون البديل، بمعنى أن التسجيل بهذا النظام هو أساسا خدمة تقدمها الدولة للمواطنين لإثبات الحقوق والملكيات العقارية. ومن خلال إجراءات محددة وضرورية ترصد لها الدولة الميزانيات، وتتكفل بتنفيذه وتمويله دون أن يترتب على المواطن أية التزامات مادية وبهدف تخليص الملكية العقارية من أسباب النزاعات الخفية، فهذا القيد الأول ولجنة تثبيت الملكية هما أساس نظام السجل العيني، ويعرف بهما، وبدونهما لامعنى للقول إن لدينا سجلا عينيا.إن أهمية هذا المشروع تأتي من كون أن التجارب السابقة قد أثبتت أن أي توجه جاد لإيجاد تنمية حقيقية واستقطاب الاسثتمارات وكسب رضا الجميع يقتضي ضرورة إيجاد قوانين وتشريعات تساير ما يعتمل في محيطنا الإقليمي والعالم من تطورات متسارعة، فإذا كانت الأرض تمس أهم مصالح المجتمع، وهي مفتاح الاستثمار في أي مجال من المجالات.

فيجب تسجيل كل ما يرد على الأراضي والعقارات من تصرفات والتزامات تحقيقا وخدمة للمصلحة العامة المتمثلة أيضا في إنهاء ظاهرة المنازعات العقارية والتطويل في إجراءات التقاضي التي انعكس أثرها سلبا على الاستثمار والرهن العقاري، وهددت السلم الاجتماعي بسبب ضعف الوازع الديني والأخلاقي لدى بعض من الناس الذين لايتحرجون من نهب أراضي وعقارات الدولة واختلاق المنازعات في الملكيات الخاصة بهدف إضفاء صفة المشروعية لأعمالهم الخارجة على القانون.

ولاتفوتنا الإشارة هنا إلى أن مشروع القانون هذا قد تضمن في أحكامه ونصوصه حلولا لكل المشاكل المتعلقة بالأراضي والعقارات والإجابة عن كل ما قد يطرأ من تساؤلات، ومن ذلك على سبيل المثال:

- في حال ادعاء الملكية بالاستناد إلى وضع اليد المدة المكسبة للملكية، وعدم وجود أية مستندات تم معالجتها في هذ االقانون ولم يتضمنها القانون السابق، وبالطبع لاتسري أحكام هذا النص على العقارات المملوكة للدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة والأوقاف، ولاتسري على الأراضي الفضاء التي هي أساسا مرتع خصب لعصابات الأراضي لسهولة إثبات وضع اليد عليها، فلا يجب قياسها على العقارات المبنية التي يستخدمها واضع اليد دون اعتراض.

- لايجوز ويحظر التملك بالتقادم (وضع اليد) في مواجهة الحقوق المسجلة في السجل العقاري، وهذه ميزة أعطاها القانون لمن سجل في السجل العقاري، فيظل العقار مسجلا باسمه، ويكتسب الحجية المطلقة في مواجهة الكافة.

- كما تضمن القانون العديد من العقوبات ضد موظفي السجل العقاري في حالات التواطؤ والإهمال والتقصير.

في الأخير نؤكد عبر صحيفة «الأيام» أن كل مرحلة تتمكن فيها الهيئة من إنهاء أعمال التسجيل العيني (القيد الأول) في منطقة محددة من أية مدينة في الجمهورية يعد بمثابة مشروع إنجاز كبير للوطن، وسوف تنعكس آثاره الإيجابية على القضاء بإنهاء المنازعات في تلك المناطق، وتتعزز الثقة بالجهاز الإداري للدولة، وتزدهر حركة الاستثمار».