«الأيام» تزور منطقة محيد النائية بميفعة.. مدرسة تغرد خارج السرب ووحدة صحية مغلقة وشباب عاطلون عن العمل وأنبوب الغاز يمر فيها

> «الأيام» جمال شنيتر:

>
منازل حديثة
منازل حديثة
تقع منطقة محيد في الشمال الشرقي من مديرية ميفعة حيث تبعد عن مركز المديرية الإداري جول الريدة بنحو ثلاثون كم، وهي منطقة نائية تتكون من عدد من القرى المتناثرة باتجاه الصحراء وأهمها منطقة قلقل التي تعد المركز الرئيسي لهذا الشريط الصحراوي النائي من مديرية ميفعة محافظة شبوة.

وهي منطقة تعاني الأمرين جراء حرمانها من عدد من مشاريع التنمية الحيوية رغم أهميتها الاقتصادية كونها تختزن بين ثناياها كنوز من الثروات المعدنية كالزنك والقصدير والبترول، بالإضافة إلى ذلك يمر بها خط أنبوب الغاز المتجه نحو ميناء بالحاف .

«الأيام» زارت المنطقة واطلعت على حياة أبناءها الذين يعانون شظف العيش والحرمان من خدمات الدولة في عدد من المجالات الحيوية .

طريق العذاب

طريق ترابية رملية تلك التي تصلك إلى منطقة قلقل مركز عزلة محيد تلك البلدة التي تقع على تخوم الربع الخالي أو نحو ذلك .

يقول الأخ صالح هادي باديان الذي كان يقود سيارة رحلتنا في هذه الطريق :

«هذه الطريق – كما ترى – متعبة ومنهكة للغاية حيث الرمال التي تعيق الطريق وتجعل المرء يشعر بالغثيان وتصعب على المرء تحقيق مبتغاه، فأبناء منطقة محيد يسيرون بشكل يومي من منطقتهم إلى مدينة عزان أو جول الريدة ويتكبدون مشاق الانتقال عبر هذه الطريق، وتتعرض السيارات للأعطاب المتكررة وبعض السيارات تعجز عن السير في مثل هكذا طريق ، هذا بالإضافة إلى الخسائر المادية الكبيرة التي نتكبدها، ولهذا أملنا كبير في الدولة وفي الأخ محافظ شبوة الدكتور علي حسن الأحمدي في اعتماد طريق لمناطق محيد وبأسرع وقت ممكن ، فقد مللنا من هذه المعاناة المتكررة وارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء يا حكومتنا الموقرة».

مدرسة مغلقة

عند الوصول إلى قلب منطقة قلقل تواجهك مدرسة قلقل للتعليم الأساسي بمبناها الحديث والنظيف.

بعد دخولنا إلى المدرسة فوجئت ومعي بعض الأخوة من أبناء المنطقة بعدم وجود أحد في المدرسة من إدارة ومعلمين وطلاب وعندما سألنا عن سبب ذلك كانت الإجابة إن المدرسة لا تزال معطلة بسبب إجازة عيد الأضحى .

الأخ عبدالله محمد سالم باديان يقول: « للأسف الشديد وضع المدرسة في حالة يرثى لها فرغم أن منطقتنا فيها مدرسة حديثة وجديدة إلى حد ما إلا أن التعليم في هذه المدرسة يتعرض للانقطاع والتوقف بين فترة وأخرى، حيث إن المعلمين غير ملتزمين بالدوام ، فمثلاً يوم الأربعاء من كل أسبوع يداومون لمدة ساعة فقط ثم يغادرون المنطقة لأنهم يوم الخميس جعلوه يوم عطلة في هذه المدرسة، ويوم السبت يتأخر المعلمون عن الحضور من مناطقهم إلى المدرسة ولا يأتون ولهذا الدوام في المدرسة أيام الأحد والإثنين والثلاثاء هذا في أحسن الأحوال، ولقد ذهبنا إلى جول الريدة مركز المديرية، وطالبنا مكتب التربية ضبط المعلمين وتوفيرهم لنا وأيضاً الأخ مدير عام المديرية عبدالكريم جار الله له موقف إيحابي معنا حيث وجه التربية بحل مشكلة قلقل في المعلمين ولكن لاتزال الأمور في المدرسة تسير إلى الأسوأ». ويضيف الأخ صالح هادي باديان عن المدرسة: «وضع المدرسة لا يسر فهناك تسيب واضح من قبل المعلمين وعدم التزامهم بالعمل، وربما لهم أسبابهم ومنهم معلمون متعاقدون مع التربية برواتب ضئيلة لكن هذا يؤدي إلى نتائج عكسية على مستوى الطلاب، ونطالب المجلس المحلي ومكتب التربية بالمحافظة والمديرية توظيف أبناء المنطقة فمثلاً هناك مجموعة منهم لديهم مؤهلات جامعية ولكنهم لم يتوظفوا وهم عبدالرحمن أحمد باديان ، مهدي محمد باذيل ، ناصر محمد سالم وعمر محمد باديان وللعلم يوجد معلم واحد فقط من أبناء المنطقة يعمل في المدرسة، بينما بقية المعلمين من مناطق بعيدة عن منطقتنا ولهذا فهم غير ملتزمين بعملهم». سألنا الأخ عبدالله علي منصور باديان المعلم الوحيد من أبناء المنطقة الذي يقوم بالتدريس في المدرسة فقال : «مدرسة قلقل للتعليم الأساسي يوجد بها 9 صفوف دراسية من الصف الأول إلى الصف التاسع أساسي ويدرس بها أبناء قرى قلقل ، البدع ، العنازة ، الصلحبه ، المسفله ومقارس .

حصن حربي
حصن حربي
والمدرسة مغلقة هذه الأيام بسبب إجازة العيد، فالمعلمون من خارج المنطقة وسيصلون المدرسة خلال اليومين القادمين والدراسة كانت مستمرة بشكل طبيعي قبل العيد والمواد الدراسية تدرس بشكل جيد ماعدا مادة التربية الإسلامية للصف الثالث والرابع فهي موقفة منذ بداية العام لنقص المعلمين .

وبالنسبة لتعليم البنات يوجد صف دراسي واحد فقط يدرسن فيه البنات وهو الصف الثاني وبقية الصفوف من الثالث إلى التاسع لا توجد أي بنت وهذا بسبب عدم وجود مدرسة مستقلة للبنات وعدم توفر المعلمات ، مع أن أبناء المنطقة مستعدين لتدريس بناتهم إذا توفر المبنى المستقل والمعلمات». ويقول الأخ فهد المسعدي إمام مسجد المنطقة : «في مناطق مثل هذه المناطق الريفية والنائية يحتاج الناس إلى التوعية ولهذا نحن في المسجد نقوم بدور في تعليم الأبناء أمور دينهم ودنياهم، كما أن هناك مشكلة أخرى تكمن في الجهل الذي تعاني بنات المنطقة منه وهو عدم دخولهن المدرسة ولهذا هناك دروس لمحو الأمية للنساء في هذه القرية تتم بشكل يومي وتطوعي».ياخسارة ليس ببعيد عن المدرسة اتجهنا إلى الوحدة الصحية بالمنطقة ويبدو أن نفس الحال بالنسبة للمدرسة ينطبق على الوحدة الصحية .. مبنى جيد يحتوي بداخله على بعض التجهيزات الطبية كالثلاجات والأثاث، غير ان المشكلة تكمن في أن الوحدة مغلقة منذ عدة أشهر نتيجة لعدم وجود كادر طبي، وهنا يقول الأخ صالح هادي :« الدولة بنت هذه المنشأة ولكن ياخسارة ما الفائدة من بناء مثل هذه المنشآت دون أن يستفاد منها وأين مكتب الصحة والسكان من مثل هكذا إهمال ولا مبالاة، والمواطن هنا يئن ويصرخ من هذا الأمر فأبسط وعكة صحية لأي شخص من أبناء المنطقة تجده يتكبد الخسائر والتعب والانهاك حتى يصل إلى مدينة عزان لتلقي العلاج مما يكلفه خسائر مادية منها أجرة السيارة التي تصل إلى نحو 7000 ريال ،ولهذا تمر الأيام وراء الأيام والوحدة الصحية مغلقة وتحولت ثلاجات الوحدة إلى أرفف للكتب المدرسية بينما السلطة المحلية والمجلس المحلي ومكتب الصحة في غيبوبة تامة».

أنبوب الغاز يمر بجوار منطقة قلقل المتجه نحو ميناء بالحاف ولهذا فإن المنطقة تعد ضمن المناطق المستهدفة بدعم مشروع الغاز بشكل أو بآخر .. غير أننا وجدنا المواطنين هنا يتحدثون بمرارة عن عدم استفادتهم من مشروع الغاز، وفي هذا الصدد يقول الوالد سالم محمد باديان : «مشروع الغاز نحن متضررون منه كثيرا، حيث إن المواشي والمراعي وخلايا النحل التي كانت معنا تم إبعــادهـــا من موقع الأنبوب ونحن التزمنا بتوجيهات الدولة، وشركة الغـــاز التزمت بــأن تكون منطقة محيد ضمن مناطق التنمية التي ستتبناها الشركة وكل هذه الفترة التي مرت وهي حوالي ثلاث سنوات قامت الشركة بتقديم 150 قصبة لمشروع الماء ووعدت بإنشاء مدرسة للبنات .. هذا فقط ماعدا ذلك تقوم الشركة بأمور لا نعتقد أن منطقة نائية مثل منطقتنا بحاجة ماسة إليها لأن هناك أمور أهم ولكن وجدنا الشركة تقوم بإعداد مسرحيات وتمثيليات في المدرسة وأتوا بممثلين من صنعاء ليضحكوا على طلابنا الصغار في المدرسة ووزعوا لهم المانجو والبسكويت ، وهذا مهزلة وضحك على الدقون فالمنطقة تحتاج إلى مشاريع حقيقية ودعم حقيقي مثلاً إنشاء مشروع للكهرباء أو سفلتة الطريق أو توفير المعلمين للمدرسة على نفقة هذه الشركات ولذا فإننا نطالب بتعويض المنطقة عن مالحق بها من خسائر مادية ومساواتها بمناطق أخرى تحصلت على اهتمام ودعم هذه الشركات ».

ويضيف :«هناك أمر آخر فقد تم توظيف مجموعة من أبناء آل باديان في مشروع الغاز لفترة وجيزة أثناء قيام الشركة بتنفيذ الحفر للأنبوب ولكن تم طرد وفصل أبنائنا من العمل دون أن تعطى لهم حقوقهم مع العلم أن هناك عمال آخرين من مناطق أخرى ومحافظات أخرى لا يزالون يعملون في المشروع ولم يفصلوا فلماذا هذه المعاملة معنا والكيل بمكيالين، وهناك كثير من شباب المنطقة الآن عاطلون عن العمل ويحتاجون إلى التوظيف ونطالب بتوظيفهم وتوفير لقمة العيش لهم، فنحن لا نريد من الشركة مالاً ولكن نريد توفير فرص العمل لأبنائنا».

ذكريات الشيخ عبدالله سعيد باديان أحد الشخصيات الاجتماعية التي تحظى بمكانة خاصة بين أبناء قبيلة آل باديان يتحدث عن ذكرياته عن أيام زمان : قبيلة آل باديان كانت منطقتهم الأساسية (الخضلة) في وادي سلمون ثم توزعوا على منطقتي الحضن ومحيد بمديرية ميفعة، وأيام زمان كنا نعيش على الغنم والإبل وكانت هناك تجارة رائجة في المنطقة وكنا نتنقل بقوافل الجمال بين عدد من المناطق حيث كانت حوطة الفقيه علي سوقاً تجارياً رائجاً ومزدهراً وكانت تسير القوافل من بالحاف وميفعة والحوطة إلى دوعن والمكلا والشحر وكان ذلك تحت بساط الدولة الواحدية حيث كان السلام يعم المنطقة وكانت علاقة قبيلة آل باديان مع السلطنة جيدة قائمة على الاحترام المتبادل والشرف والسلام .

مدرسة حديثة ولكن
مدرسة حديثة ولكن
وكان يوجد في منطقة قلقل حصنان حربيان يستعملان في الدفاع عن المنطقة هما حصن دحان وحصن بن لشطن ولا يزالان موجودان حتى اليوم .

من هنا وهناك يوجد مشروع أهلي للمياه في قلقل غير أن هذا المشروع انتهى عمره الافتراضي وهو بحاجة ماسة لتجديد الشبكة وتحديثها وحفر بئر جديدة وبناء خزان جديد. تفتقر المنطقة إلى وجود مشروع الكهرباء حيث يعيش السكان في ظلام دامس ولهذا يطالبون بربطهم بكهرباء المديرية أو بكهرباء منطقة الحاضنة المجاورة لهم التابعة لمحافظة حضرموت.

تنعدم في المنطقة خدمات الاتصالات، ورغم أن المواطنين يمتلكون الهواتف النقالة – يمن موبايل وسبأفون – إلا أن ضعف التغطيـــة ضاعفت من معاناتهم ولذا يطالبون الشركتين بضرورة تقوية الشبكة .

يعتمد المزارعون في منطقة محيد على مياه السيول والأمطار لري المحاصيل الزراعية حيث تزرع بعض أنواع الحبوب الغذائية مثل الطهف ، الدخن والبيني .. وغيرها .

وداعاًَ

ودعنا قلقل وأبناءها ورجالها الطيبين وهم يحملون في أنفسهم الأشواق الملتهبة ويأملون في غد جميل ومستقبل أجمل ... ودعناهم وودعنا معهم قسوة المناخ وصلابة الملامح التي لا تخف وداعتهم وخلودهم إلى الصمت المغطى بالألفة والأمل وقلوبهم المعلقة بجدران الصحراء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى