الذكرى المئوية لميلاد الشيخ محمد بن سالم البيحاني

> عبدالقادر بن عبدالله المحضار:

> ستقام بإذن الله تعالى خلال الفترة (-30 31) ديسمبر ندوة بمناسبة الذكرى المئوية لميلاد العلامة الشيخ محمد سالم البيحاني برعاية جامعة عدن، ستقدم خلالها العديد من الفعاليات التي تبرز دور هذا العالم الجليل وآثاره في مجال العلم والتربية والنفع العام والخاص، وقد طلبت اللجنة الإعلامية المنظمة لهذه المناسبة من كاتب هذه الأسطر المشاركة فيها، وقد استجاب لهم وأدلى بدلوه بكتابة جزء من سيرة الشيخ محمد بن سالم البيحاني - رحمه الله - وسبق لـ«الأيام» - وفقها الله عز وجل - أن نشرت في صفحاتها في السنوات الست الأخيرة الكثير من التراجم لجملة من أعلام العالم الإسلامي أمثال العالم المصري السيد عبدالرحمن بن مصطفى العيدروس دفين القاهرة، ومحدث الحرمين محمد بن علوي المالكي، وأيضا العديد من علماء اليمن المتقدمين كالشيخ عبدالهادي السودي والسيد حسين بن صديق الأهدل المتوفى بعدن وبعض المتأخرين كالعلامة مطهر الغرباني وقاضي عدن الشيخ علي محمد باحميش وغيرهم رحمهم الله تعالى.

ورغبة في أن يعرف أبناء اليوم هذه الشخصية الفذه أحببت أن أعطي لمحة سريعة عن حياة هذا العلم البارز، فأقول هو الشيخ محمد بن سالم بن حسين البيحاني المولود سنة 1326هـ الموافق لسنة 1908، والدته المرأة الصالحة بنت الشيخ عبدالله بن أحمد بن سالم بن بخيت بن يوسف بن عبدالعليم باوزير، تربى في حجر والده الفقيه العالم سالم بن حسين، ولما بلغ الرابعة عشرة من عمره بعثه والده - رحمه الله - إلى تريم لطلب العلم، ومكث هناك أربع سنوات، وفي حضرموت تتلمذ على أيدي كبار علمائها وفي مقدمتهم الإمام الشهير عبدالله بن عمر الشاطري، وقد ظل الشيخ البيحاني يذكره ويثني عليه، ولما وصله خبر وفاته قال قصيدة رثاء في شيخه مذكورة في ديوان أشعاره.

وفي سنة 1346هـ دخل إلى مدينة الشيخ عثمان عملا بنصيحة والده، فلازم الشيخ أحمد العبادي - رحمه الله - ثم رحل إلى مصر للدراسة في الجامع الأزهر بالقاهرة، فنال منه شهادته سنة 1362هـ.

ولما عاد إلى عدن قام بإعادة بناء مسجد العسقلاني، وذلك سنة 1369هـ ثم أنشأ المعهد العلمي الإسلامي بعدن سنة 1370هـ، وفي المسجد كان يعقد حلقات للعلوم، وكان يحضرها الكثير من طلاب العلم، وله عدة مؤلفات - ومنها ديوان أشعاره - أغلبها مطبوعة والحمد لله.

وقد تعرض الشيخ محمد البيحاني - رحمه الله - لمثل ما تعرض له إخوانه العلماء من مضايقة السلطات الحاكمة آنذاك مما اضطره إلى مغادرة عدن متوجها إلى تعز التي سكنها أواخر حياته، ومنها سافر إلى الديار المقدسة لأداء مناسك الحج، ثم رجع إلى تعز وبعد عودته بيوم واحد انتقل إلى جوار ربه في ليلة الجمعة تاريخ 24 ذو الحجة سنة 1391هـ، ودفن بمقبرة المظفر رحمه الله.

وأختتم حديثي عن الشيخ البيحاني بهذه القصيدة العصماء التي نظمها - رحمه الله- في محرم سنة 1387هـ عنوانها (أوضاع البلاد) وهي:

آح يا قلب المعنى ثم آح

لست أدري لست أدري هل يباح

أم حرام في الأقاويل الصحاح

أن يبث المرء آلام الجراح

نبئوني يا صماصيم الكفاح

ما على الصب إذا ما قال آح

ياليالي الوصل في هذا الوطن

لا أراك الله فصلا من عدن

يابلاد الأنس في ماضي الزمن

ما الذي فرقنا حتى يُظن

أن وقت الأنس قد ولى وراح

ما على الصب إذا ما قال آح

أين ذاك الأنس أين الانبساط

حينما يمتد للناس البساط

في مكان بالمسرات محاط

وكأن القوم قد جازوا الصراط

في سرور وحبور ومزاح

ما على الصب إذا ما قال آح

جلسة في عدن قبل قليل

مالها والله في الدنيا مثيل

يتبارى الناس أصحاب المقيل

ما الذي صار لقيس وجميل

ومع القات وضرب بالقداح

ما على الصب إذا ما قال آح

والأغاني من كلام الآنسى

بخيال شاعري خامسي

يصف القد بغصن مائس

من فتاة ذات طرف ناعس

يثنى بين ورد وأقاح

ما على الصب إذا ما قال آح

وبيوت الله كانت عامرة

برجال يعمرون الآخرة

حلقات العلم فيها زاخرة

بوجوه نيرات زاهرة

في اجتماعات مساء وصباح

ما على الصب إذا ما قال آح

أين بالله اجتماع العظماء

من فلان وفلان الحكماء

ذهب العلم ومات العلماء

وأرى الأرض لأصحاب السماء

سلمت ما كان فيها من صلاح

ما على الصب إذا ما قال آح

يا رجالا في رحاب العيدروس

أين ما في العسقلاني من دروس

و(أبان) حيث ترتاح النفوس

أفنحن اليوم في حرب البسوس

تغمد الكتب ويسئل السلاح

ما على الصب إذا ما قال آح

عجبا من لؤلؤ فوق ذهب

تنثر الأشباح علما وأدب

من كلام المصطفى خير العرب

حينما يقرأ في شهر رجب

ليلتي الختم وعند الافتتاح

ما على الصب إذا ما قال آح

ثم نحن اليوم في هذا البلد

لا يرى في السوق منا من أحد

خشية أن يقتل الثعل الأسد

هكذا الوضع إذا الوضع فسد

تختفي العمة من تحت الوشاح

ما على الصب إذا ما قال آح

عدن كانت بما فيها تعج

بين من يهمش فيها أو يضج

وازدحام الناس فيها مزدوج

جوها يمسي من الطيب أرج

والتراب اليوم تحثوه الرياح

ما على الصب إذا ما قال آح

كنت لا تشهد فيها عقربا

أو ذبابا أو ركاما متربا

بلغ السيل كما قيل الزبى

وعلت أوساخه فوق الرُبا

والمجاري سددت والمستراح

ما على الصب إذا ما قال آح

بعد أصوات الملاهي والغناء

صوت لا تسمع شيئا من هنا

غير صوت الرعب من خلف البناء

بندق أو مدفع يفزعنا

وصياح الجن من فوق الضياح

ما على الصب إذا ما قال آح

تفزع الأطفال بل والأمهات

طلقات النار من كل الجهات

ومثال البعض خذ مني وهات

وعضال الداء تفتيش البنات

يرفع الستر بأطراف الرماح

ما على الصب إذا ما قال آح

وإذا الشمس تدانت للغروب

كاد شمسان من الخوف يذوب

ربنا عجل بتفريج الكروب

هذه الأفواه تدعو والقلوب

تطلب العفو وترجوك السماح

ما على الصب إذا ما قال آح

رحم الله قائلها الشيخ البيحاني الذي كان يتحدث بها قبل أكثر من (40) عاما، حيث كان شديد الذكاء قوي الفراسة وكأنه يتكلم عن أوضاع البلاد قبل قليل كما ذكر ذلك في قصيدته المذكورة أعلاه، تغمده الله بالرحمة والرضوان وجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

اللهم أغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.. آمين اللهم آمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.

الباحث بمركز الإبداع الثقافي بعدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى