أنفاق رفح..«أنفاق سياحية» وأنفاق لتهريب المحروقات وأخرى للغاز الطبيعي

> رفح/ القاهرة«الأيام» عن «الحياة»:

> يربط قطاع غزة بالأراضي المصرية معبر رفح للأفراد ومعبر كرم سالم لإدخال البضائع والمساعدات الإنسانية والغذائية. وآلت السيادة على الأول إلى الجانب الفلسطيني عقب الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب من محور فيلادلفيا في منتصف سبتمبر العام 2005، شرط أن يديره حرس الرئاسة الفلسطينية ومراقبون أوروبيون بموجب بروتوكول المعابر الموقع في العام 2005.

لكن إسرائيل دأبت على عرقلة وصول الأوروبيين إلى المعبر ما كان يتسبب في تعطيله. ومع بدء العمل ببروتوكول المعابر أنشأت إسرائيل معبر كرم أبو سالم على الحدود المصرية - الإسرائيلية مع قطاع غزة لإدخال البضائع واحتفظت بسيطرتها على المعبر خشية تهريب أسلحة للقطاع.

ومع تكرار إسرائيل إغلاق معبر كرم أبو سالم، وإغلاق معبر رفح بسبب عدم توافر شروط تشغيله بعد سيطرة حركة المقاومة الإسلامية «حماس» على القطاع بالقوة في يونيو من العام 2007، برزت عمليات تزويد سكان القطاع بالمستلزمات الحياتية عبر «أنفاق» رفح الممتدة على الشريط الحدودي بين مصر وغزة.

وطورت الأنفاق حتى قسمت إلى أنفاق لتهريب البضائع وأخرى مجهزة بخراطيم ومضخات لتهريب المحروقات من بنزين وسولار، وثالثة لتهريب الغاز الطبيعي. فضلاً عما سمّي «الأنفاق السياحية» المخصصة لتسهيل هروب كبار الشخصيات في قطاع غزة حال استهدافهم من إسرائيل.

يقول أصحاب أنفاق عاملون فيها، فضلوا عدم ذكر أسمائهم خشية تعرضهم للأذى، إن التهريب عبر الأنفاق له أصوله وقواعده ويحقق مكاسب طائلة للقائمين عليه.

وتختلف تجهيزات النفق تبعاً لنوعية نشاطه. لكن سكاناً محليين يخشون من انهيار منازلهم التي باتت عائمة على خريطة من الأنفاق في حال وقوع هزة أرضية. ولا يمكن حصر عدد الأنفاق، والنفق الواحد في الجانب الفلسطيني تتشعب منه فوهات عدة في الجانب المصري لاستمرار تشغيله في حال اكتشف الأمن المصري إحداها.

ويكلف حفر النفق نحو مئة ألف جنيه مصري (الدولار يعادل نحو 5.5 جنيه) وتختلف الكلفة تبعاً لحجم النفق ونشاطه، فهناك أنفاق مجهزة بالإضاءة وأخرى لا تتطلب ذلك، والأنفاق المخصصة لتهريب الغاز هي الأكثر كلفة، إذ تتطلب مد مواسير من نوع خاص لضمان تسييل الغاز أثناء تهريبه وعدم تجمده أو تبخره.

ويقول عامل حفر أنفاق إن العملية «ليست سهلة (...) فأكثر من 60 شخصاً لقوا حتفهم خلال حفر أنفاق في العام 2008». ويبدأ العمل بتحديد الفوهات بدقة، ثم مباشرة عملية الحفر في شكل دقيق ومنظم اعتماداً على بوصلة وأجهزة قياس حديثة التقنية «غوغل أيرز»، وغالباً ما تكون نسبة الخطأ فى الحفر ضئيلة جداً لأن القائمين على العملية من أصحاب الخبرة.

لكن الغارات الإسرائيلية التى استهدفت الشريط الحدودي بين الأراضي المصرية وقطاع غزة أخيراً دمرت عشرات الأنفاق الممتدة بين الجانبين، التي ينظر إليها البعض على أنها «رئة» القطاع الذي يئن من وطأة الحصار، ويعتبرها آخرون وسيلة لإثراء «أغنياء الحرب».

أنفاق رفح ليست ظاهرة جديدة، لكنها ظلت «محاطة بالسرية» كإحدى وسائل المقاومة العسكرية خلال وجود القوات الإسرائيلية في القطاع، إذ كان هدفها الوحيد تهريب السلاح إلى «المقاومين»، وبعد «الحسم العسكري» في غزة وفرض حصار جائر على القطاع توسع الغزيون في استخدام الأنفاق «وسيلة لمقاومة الحصار»، بحسب المستشار السياسي لرئيس الوزراء الفلسطيني المقال أحمد يوسف الذي قال لـ «الحياة» في تصريحات سابقة للعدوان الإسرائيلي الأخير، إن «الحصار هو سبب التوسع في حفر الأنفاق»، مؤكداً أنها لم تعد تستخدم في تهريب الأسلحة «التي يصنع الخفيف منها في القطاع بينما يجد الثقيل طريقه عبر البحر».

ويقدر مسؤول في السلطة الفلسطينية، معني بمسألة الأنفاق والتبادل التجاري بين مصر والسلطة، عدد أنفاق رفح بـ 1200، ويقول إنها أصبحت «إحدى وسائل تمويل حكومة (اسماعيل) هنية، إذ يستلزم حفرها ترخيصاً رسمياً من بلدية رفح مقابل 10 آلاف شيكل فضلاً عن رسوم تأمين تصل إلى 30 ألف دولار، بحسب حجم النفق»، وهو ينتقد ظاهرة الأنفاق التي «روجت لتجارة يقف وراءها أصحاب مصالح، فضلاً عن أنها ضربت الأسس القانونية والرسمية للاقتصاد الفلسطيني، وباتت عائداتها التي يستفيد منها تجار الحرب بديلاً عن الجمارك».

وإن كان المسؤول الفلسطيني يعترف بمعاناة القطاع جراء الحصار، إلا أنه لا يرى أن الأنفاق ساعدت في هذا الصدد لأن البضائع التي تهرب لا حاجة ماسة إليها: «معظم البضائع المهربة ترفيهية بالأساس».

وهو يؤكد أن نسبة اعتماد التجارة في القطاع على الأنفاق لا تتعدى 10 في المئة، معظمها بضائع مهربة وفاسدة ومزيفة حتى باتت الأنفاق وسيلة لتصريف البضائع المسروقة. مضيفاً أن التهريب «مشكلة مركبة»، والسلطة ستتخذ إجراءات عقابية ضد التجار والوكلاء المتورطين في هذه التجارة، ونحتفظ بأسمائهم الى حين عودة الأمور إلى طبيعتها في القطاع.

ويؤكد النائب في البرلمان عن إحدى دوائر محافظة شمال سيناء فايز أبو حرب أن «تجارة الأنفاق شهدت رواجاً كبيراً في الفترة الماضية، وازداد عدد أغنياء الأنفاق (...) فمكسب اليوم الواحد قد يصل إلى 100 ألف جنيه مصري، إذ تباع البضائع بأضعاف أثمانها في السوق المصرية». مشيراً إلى أن «الأنفاق يشقها الفلسطينيون حتى يتم إخراج فوهاتها من الجانب المصري أسفل أفنية المنازل المجاورة للحدود لئلا تكون مكشوفة لرجال الأمن».

ولا يمكن «عملياً» للقوات المصرية السيطرة على منطقة مساحتها 12.5 كيلومتر مربع بدءاً من النقطة رقم 1 عند الحدود البحرية المصرية مع غزة على البحر المتوسط وحتى العلامة الدولية رقم 7 بمنطقة تسمى الدهينية على الحدود مع غزة من خلال 750 جندياً مصرياً، إذ تحدد اتفاقية السلام المصرية - الإسرائيلية عدد وتسليح القوات في هذه المنطقة. وتمكنت أجهزة الأمن خلال العام الجاري من اكتشاف أكثر من 200 نفق، مقارنة بنحو 130 نفقاً العام الماضي 2007.

ولا يشي سكان رفح ببعضهم بعضاً عند الأمن، ويقول أحدهم إنه قبل سنوات كانت مسألة الأنفاق تحاط بسرية كبيرة، ولا يكاد يعرف المرء أن منزل جاره يخفي نفقاً، أما الآن فلا ضير في الأمر «لأننا نتعامل مع المسألة على أنها واجب لنصرة أهلنا في رفح (الفلسطينية)»، إذ يرتبط سكان رفح المصرية والفلسطينية بصلات نسب وقرابة. ويؤكد أن تجارة الأنفاق ازدهرت في شكل كبير منذ نحو 5 شهور، فإيصال البضائع عبر الأنفاق يتم بسهولة ويسر أكثر من المعابر، لكنه يوضح أن الأنفاق تضررت كثيراً بعد قصف الشريط الحدودي، فيوم الأحد الماضي دمر القصف نحو 30 إلى 40 نفقاً وكان القصف يوم الثلثاء أشد ودمر العشرات منها. لافتاً إلى أن إعادة ترميم هذه الأنفاق يحتاج إلى نحو 3 إلى 4 أشهر. ويرفض القول إن أهالي رفح يتعاملون مع الأنفاق من منطلق مادي، ويتفاخر بأنهم قرروا تهريب البضائع مجاناً إلى غزة خلال فترة العدوان الإسرائيلي «تضامنا مع أهلنا في القطاع».

ويروي أن الأنفاق تستأجر أحياناً فحين يكون تاجر في غزة في انتظار بضائع يتفق مع صاحب النفق في الجانب الفلسطيني على إدخالها مقابل حصوله على أجر يختلف باختلاف نوعية البضائع ومدة إدخالها. ويقول أن الأنفاق في الفترة الأخيرة هي «الرئة التي يستنشق منها قطاع غزة» بسبب إحكام الحصار على رغم أن البضائع المهربة تباع بأسعار باهظة حتى وصل سعر أسطوانة الغاز إلى 100 دولار. ويعتبر أنه لا مناص من فتح المعابر إن دمرت الأنفاق لأن غلق المعابر وتدمير الأنفاق معناه «موت غزة».

ويوضح أن بعضاً من سكان غزة ورفح المصرية لم يكونوا على علم بأن منازلهم محفور تحتها أنفاق وفوجئوا بانهيارات أرضية في منازلهم بعد القصف الإسرائيلي للأنفاق.

يقول الخبير العسكري اللواء جمال مظلوم إن إسرائيل استهدفت الأنفاق مباشرة بعد أن حددت أماكنها بدقة من خلال وسائل أهمها استخدام الأقمار الاصطناعية أو طائرات التجسس من دون طيار في تصوير المنطقة، وهي الصور التي تظهر كل ما هو فوق سطح الأرض وتساعد الأشعة تحت الحمراء في الكشف عما في باطنها، أو من خلال زرع عملاء يحددون أماكن الأنفاق بدقة فتستهدفها الطائرات من خلال أجهزة استشعار ترصد أي شىء معدني يمر فيها وتقصفها، وهو يوضح أن الأنفاق قصفت بقذائف ارتجاجية تخترق الأرض وتحدث تفجيرات عدة في باطنها فتتخلخل التربة وتهوي الأنفاق.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى